صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أدب ولغة: كشكول الأدب

إعداد: إبراهيم منصور


* قالت لي المرآة

قلت لمرآتي: غريبٌ أمر اللّغة العربية، فهي لا تجري على سُنَّةٍ واحدة؛ إذ نقول، مثلاً: فلان "قتيل"، على وزن "فعيل"، بمعنى مقتول، على وزن "مفعول". فإذا وصلنا إلى "رشيد" وهو اسمٌ من أسماء الله الحُسنى وقعنا في حَيْرة؛ فكيف يكون الله سبحانه رشيداً، بمعنى "مهديّاً"، قد هَداهُ غيرُه، وهو الواحد الأحد، وليس مسبوقاً بكائن ليهديه؟!
عندئذٍ قالت لي المرآة: اعلَم أنّ وزن "فعيل" هو كذلك، صفة مشبَّهة باسم الفاعل؛ فالله رشيد أي مُرشِد، على وزن اسم الفاعل (مُفعِل)، فهو سبحانه الذي أرشدَ الخَلْقَ إلى مصالحهم، أي هداهم ودلَّهم عليها. وكذلك "الراشد" على وزن فاعل، أي الذي تنساق تدبيراتُه إلى غاياتها على سبيل السَّداد من غير إشارةِ مُشير ولا تسديدِ مُسدِّد1.

* من بلاغة القرآن
يقول الله تعالى في سورة الكهف، الآية 77: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ، أي: أقامه الخِضرُ عليه السلام. فالإرادة تكون للإنسان والحيوان، ولا تكون للأشياء، فاستُعيرت الإرادة للجدار. وهذه الاستعارة شائعة في كلام العرب، ومنها قول الشاعر:
يُريدُ الرُّمحُ صدرَ أبي بَراءٍ
           ويَعْدِلُ عن دماءِ بني عقيلِ
 2 

* من أمثال العرب
"أَمَرُّ من الصَّبْر"
يُضرَبُ هذا المثل لكلّ شيء شديد على النفس يصعب تحمُّله ويشُقّ. أي هو أمرٌ مُرّ، بل أشدُّ مرارةً من الصَّبْر (كناية عن التحمل). وهذا خطأ، إذ ليس الصّبر بمعنى التحمُّل، وإنما هو الصَّبِر نبات شديد المرورة، من فصيلة الزّنبقات، ينبت في البلدان الحارَّة، يُستخرَجُ منه عصارة مُرَّة تُستعمَل في الطبّ والتّحنيط أو التّصبير. قال الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء داعياً على جيش عمر بن سعد: "اللهمَّ احبِسْ عنهم قطْرَ السماء، وابعث عليهم سنين كسِنيّ يوسف، وسلِّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مُصَبَّرة.."، أي: ضَعْ فيها الصَّبِر، وهو تلك العُصارة المُرّة 3.

* فائدة لغويّة
السيّد:
هذا اللفظ يُطلَقُ على الرّبّ والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم، ومحتمل أذى قومه، والزوج والرئيس والمقدَّم. وأصلُه من: سادَ يسُودُ، وأصل الأصل: سَوِدَ يَسْوِدُ، فهو سَيْوِد، فقُلبَتِ الواو ياءً مناسبةً للياء الساكنة قبلها، ثمَّ أُدغِمَتْ. وبعد، فالسيّد هو من عِترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة، وهو الذي فاق غيره بالعقل والمال والدفع والنفع، المعطي ماله في حقوقه، المُعين بنفسه. والسيّد هو الذي لا يغلبه غضبه، وهو العابد الوَرِع والجمع سادة. وأرقى معاني السيادة أنّ السيّد هو الله مالك الخَلْق؛ فالخَلْقُ كلُّهم عبيدُه. وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنت سيِّدُ قُريش؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "السيِّدُ الله". فقال الرجل: أنت أفضلُها قولاً، وأعظمُها فيها طَوْلاً. فقال النبيّ: "لِيقُلْ أحدُكم بقوله ولا يستجرئنَّكم". معناه: هو الله الذي يحقّ له السيادة. فقد كَره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُمْدَحَ في وجهه، وأحبَّ التواضع لله تعالى، وجعلَ السيادة للذي سادَ الخَلْق أجمعين. وهذا لا يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا سيّد وُلْدِ آدمَ يوم القيامة، ولا فخر". فقد أراد أنه أوَّل شفيع، وأوّل من يُفتَحُ له باب الجنَّة.

* من أجمل ما قرأتُ
من أجمل معاني النثر الذي قرأتُه وأصدقِه، قول المستشرق النمساوي أوبرمان جوزيف (1884 - 1956) في كتابه "مهد الإسلام": "إنّ سيرة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من أشقى الأمور على الدّارس أو الباحث؛ لأنّ نبوغه من النوع المركّب الغريب، فهو بحقّ، أوَّلُ من أنهى التفرقة العنصريّة في قول بسيط شامل: "المسلم أخو المسلم"4. لقد حلَّ القضيّة بثلاث كلمات. أمَّا اليوم فمشكلة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات ومئات الكتب دون جدوى. ويقيني أنّ الحلّ لن يأتي إلّا في القرن القادم. ولكنّ محمّداً حلَّها منذ ثلاثة عشر قرناً!"5.

* من بلاغة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
من أبلغ الحديث قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفيه نبوءةٌ للمستقبل، حين ذَكَرَ الفِتَن: "لَتعودُنَّ فيها أساودَ صُبّاً يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعض". ومعنى الحديث: الأساوِد: الحيَّات، جمع أَسْوَد. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ينصبُّ السيف على رأس صاحبه كما تفعل الحيّة إذا ارتفعت فلسعَتْ من فوق" 6.

* من نوادر العرب
أقبلَ أعرابيٌّ على خيَّاط فدفع له ثوباً وقال له: خيِّطْ لي منه قميصاً. فأخذ الخيّاط مقاسَ الأعرابيّ ثم راح يقطّع الثوب بحسب القياس.
فاغتاظ الأعرابيُّ وقال له: لِمَ قطَّعْتَ ثوبي؟ أجابه: لا يمكن خياطتُه إلّا بتقطيعه. وكان مع الأعرابيّ هِراوة فضرب بها الخيّاط الذي رمى بالثوب وهرب، فتبعه الأعرابيّ وأنشد يقول:
ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثله
           فيما مضى من سالفِ الأَحقابِ

مِن فعلِ عِلْجٍ جئتُه ليخيطَ لي
          ثوباً  فخرَّقه كفعلِ  مُصابِ

فعلوتُه بهِراوةٍ كانت معي
          فسعى وأدبر هارباً للبابِ

أيَشُقُّ ثوبي ثم يقعُدُ آمناً
          كلّا ومُنزِلِ سورةِ الأحزابِ.

* من أجمل شعر الوعظ والإرشاد
من أجمل الشّعر الّذي يتضمن تبصيراً بحال الدنيا المتقلِّبة الغرّارة، وتذكيراً بالآخرة، ما قاله الإمام الهادي عليه السلام للمتوكّل العبَّاسيّ يعظه بِشعر مُفعَم بالحِكَم والعِبَر، وكان المتوكِّل في مجلس شراب:
باتُوا على قُلَلِ الأجبال تحرسُهم
             غُلْبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلَلُ
7
واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من معاقلهم
          وأُسْكِنوا حُفَراً، يا بئسَ ما نزلوا!

ناداهمُ صارخٌ من بعدِ دفنِهمِ:
           أين الأساورُ والتيجانُ والحُلَلُ؟
أين الوجوهُ التي كانت مُنّعمةً؟
         من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ
8
فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساءَلهُمْ:
          تلك الوجوهُ عليها الدودُ يقتتلُ

قد طالما أَكَلوا دهراً وقد شربوا
        فأصبحُوا اليوم بعد الأكلِ قد أُكِلوا
9


1.لسان العرب، ابن منظور، مادّة رشد.
2.لسان العرب، م.س، مادّة رود.
3.المصيبة الراتبة، معهد سيِّد الشهداء عليه السلام، ص 25.
4.المبسوط، الشيخ الطوسي، ج7، ص266.
5.قِيَمُ محراب الجمعة، الشيخ أكرم بركات، ص 92.
6.لسان العرب، م.س، مادّة سود.
7.القُلَلُ: رؤوس الجبال، المنجد، مادة قلل.
8.الكِلَلُ: الأستار الرقيقة، المصدر نفسه، مادّة كلل.
9.مجالس الأئمّة المعصومين عليهم السلام، معهد سيّد الشهداء عليه السلام، ص 58.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع