السيد سامي خضرا
إن كان شائعاً عند البعض أن وجبة العشاء ليست أساسية إلا أن آخرين يقولون أنها هامة جداً فلا تُترَك. وهذا الرأي الأخير هو الذي تؤكد عليه النصوص الشرعية حيث ورد عن مولانا الصادق عليه السلام عندما شكا إليه رجل ما يلقى من الأوجاع والتخمة فقال عليه السلام: "تغدَّ وتعشَّ ولا تأكلن بينهما شيئاً، فإن فيه فساد البدن، أما سمعت الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (المصدر: الوسائل ج16 ص565، والآية: 62 من سورة مريم). وكان منادي يعقوب عليه السلام ينادي كل غداة من منزله على فرسخ: ألا من أراد الغداء فليأت إلى يعقوب، وإذا أمسى نادى: ألا من أراد العشاء فليأت إلى يعقوب (المصدر نفسه ح2). كما يكره تناول شيء بين الوجبتين.
* كراهية ترك طعام العشاء
وعلى كل حال يكره مؤكداً ترك العشاء تماماً وإذا أراد البعض التوضيح نلفته إلى كلمة "تماماً"، ولا يعني ذلك أبداً الدعوة إلى التخمة وكثرة الطعام "ومن أراد أن يكون صالحاً خفيف الجسم واللحم فليقلل من عشائه بالليل" (الرسالة المذهبة لمولانا الرضا عليه السلام). فليكن العشاء على قليل منه أو بعض الفواكه أو قطعة خبز أو كعكة مع ما تيسر كي لا تبقى المعدة فارغة وتضر بصاحبها.
روى هشام بن الحكم عن مولانا الصادق عليه السلام: "أول خراب البدن ترك العشاء" (المصدر نفسه ح 1 باب 46). وعن مولانا الرضا عليه السلام: "... فلا يَدَعَن أحدكم العشاء ولو لقمة من خبز، ولو شربة من ماء" (المصدر نفسه: ص566 ح5). وهناك تحذير من أن ترك العشاء دوماً واتخاذ ذلك عادة يؤذي الجسم أذيةً كبيرة. روى جميل بن دراج أنه سمع مولانا الصادق عليه السلام يقول: "من ترك العشاء ليلة السبت ويوم الأحد متواليين، ذهب منه قوة لا ترجع إليه أربعين يوماً" (المصدر نفسه ص556ح4).
وعن سليمان بن جعفر الجعفري قال: "كان أبو الحسن عليه السلام لا يدعُ العشاء ولو بكعكة، وكان يقول إنه قوة للجسم... وصالح للجُماع" (المصدر نفسه ح3). وتشتد كراهية ترك العشاء للرجل الكبير في السن، فلربما يحتاج أكثر من غيره للطاقة أو الغذاء. روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "لا تَدَعوا العشاء ولو على حشفةٍ، إني أخشى على أمتي من ترك العشاء الهرم، فإن العشاء قوةُ الشيخ والشاب". (المصدر نفسه ص567 ح8). وقد روي عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام قوله: "إذا اكتهل الرجل فلا يدع أن يأكل بالليل شيئاً، فإنه أهدأ للنوم وأطيب للنكهة". (المصدر نفسه ص569 ح1). وجَاء عن مولانا الصادق عليه السلام: "الشيخ لا يدعُ العشاء، ولو لقمة" (المصدر نفسه: ح3).
وعن المفضَّل بن عمر، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ليلةً وهو يتعشى فقال: يا مفضَّل، ادنُ (أي اقترب)، فكُلْ، قلتُ: قد تعشيت، فقال عليه السلام: أدنُ فكُل، فإنه يستحب للرجل إذا اكتهل أن لا يبيت إلا وفي جوفه طعام حديث، فدنوت فأكلت". (المصدر نفسه ص570 ح7 ). ولهذه الروايات نظائر عديدة، وقد فَسَّر الإمام الصادق عليه السلام معنى الكهل والشيخ، فيما رواه عنه الحسنُ بن علي بن شُعبة، في تحف العقول، حيث قال عليه السلام: "إذا زاد الرجل على الثلاثين فهو كهل، وإذا زاد على الأربعين فهو شيخ". (الوسائل ج16 ص570 ح8).
* موعد طعام العشاء
أما موعد طعام العشاء، فهو بعد الصلاة وتمام دخول العتمة... وإن خالف ذلك البعض! فقد جاء عن علي بن أبي علي اللَّهبي، عندما سأله الإمام الصادق عليه السلام قائلاً: ما يقول أطباؤكم في عشاء الليل؟ فقال: إنهم ينهوننا عنه، فقال عليه السلام: لكنني آمركم به. (المصدر نفسه ج 16 ص568 ح2). وعلَّق شارحُ وسائل الشيعة، رضوان الله عليه، على هذه القصة بقوله: هذا يدل على أنَّ الأئمة عليهم السلام كانوا يطمئنون لما يَعْلمون ويردُ عليهم من الغيب،.. ولا يبالون من التظاهر بمخالفة الأطباء، لأنهم عليهم السلام يأمنون من ظهور خطئهم، وهذه جُرْأةٌ لم تُعهد في سائر علماء المسلمين، ولعل في هذا دليلاً آخر على إمامتهم عليهم السلام. (شرح وسائل الشيعة: الهامش ص568، بتصرف) وعن الصادق عليه السلام قال: "العشاء، بعد العشاء الآخرة (بعد صلاة العشاء) عشاء النبيين" (المصدر نفسه ج 16 ص568 ح3ح4) وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "عشاء النبيين بعد العتمة، فلا تدعوا العشاء، فإنَّ ترك العشاء خرابُ البدن". (المصدر نفسه ج 16 ص567 ح1) وعن داوود بن كثير قال: "تعشيت مع أبي عبد الله عليه السلام عتمةً، فلما فرغ من عشائه حمد الله، وقال: هذا عشائي وعشاء آبائي". (المصدر نفسه ح5) فتكون خلاصةُ ماتقدم: استحبابُ عدم تركِ طعامِ العشاء، ولو على شيء يسير ،خاصة للكهل والشيخ، فضلاً عن الشاب. واستحبابُ عدمِ أكلِ شيءٍ بين الوجبتين، وأن يكون العشاء بعد صلاة العشاء، وتمامِ العتمة.