زينب البزال
ما إن يقرع الجرس، حتى يتأهب المعلِّم لدخول صفه، متزوداً بالعدة والعتاد لإعانته في شرح المادة الدراسية، وفق خطة وضعها مسبقاً، ولكن قد يطرأ ما يفاجئه في المحطة الإختبارية، حينما يلحظ عدم تحقق أهداف درسه على فئة من التلامذة لا بأس بها، برغم قلتها، ما يضع المعلم أمام خيارات: فإما أن يتغافل عن هذه الفئة؟ وبالتالي يتنصل من أي مسؤولية يمكن أن تلقى عليه معتبراً أنه قد نجح في إيصال الفكرة إلى سائر التلامذة، فِلَم قصرت عقول هؤلاء عن استيعابها؟ أو يضاعف جهوده بالتواصل مع الأهل والتعاون معهم للبحث في العوامل المسببة والسبل الآيلة إلى العلاج. ولا ريب في أن من امتهن التدريس بتكليف إنساني ورباني، بعيداً عن ضغط الضائقة المالية، سينتهج الخيار الثاني سبيلاً لمعالجة المشكلة، بوحي من قوله تعالى ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران: 78).
*ما هو العجز الدراسي؟
بالرغم من قيام التربية الحديثة على التنوع في الوسائل والطرائق، واعتماد نظام الحوافز تسهيلاً لاكتساب الطلاب المفاهيم الأساسية لمواد التدريس وبالتالي تحقيق الكفاية المرجوة من جهة، ولتشجيع الطلاب على التفوق والارتقاء في السلم التعلمي من جهة أخرى، إلا أننا قد نفاجأ داخل الصف الواحد بنماذج ممن يعانون من عجز أو تأخر دراسي، والتأخر الدراسي كما يعرّفه الدكتور هاشم عواضة، مدير مركز التأليف والنشر في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم مدارس المهدي عجل الله فرجه: "هو حالة المتعلم الذي يعجز عن مسايرة بقية أقرانه العاديين في مثل عمره، في التحصيل المقرر في المناهج ويمكن أن تظهر أعراضه في مادة دراسية واحدة أو في جميع المواد وتأخذ شكل شرود ذهني، إجهاد وتوتر، عدوانية وانطواء، هروب من المدرسة، أو تأخر متكرر عنها ويتجسد بالرسوب وإعادة السنة الدراسية أحياناً". وعن هذا الموضوع تنقل لنا المعلمة هبة ع حالة الشرود الذهني التي يعيشها حسين الصف الرابع الأساسي فهو يحدِّق فيها تارة، وأخرى بحركات يدها لتخال أنه من المتفاعلين مع مفاهيم ومعلومات المدرس، لكن المحطة الإختبارية التي تجريها، تعكس غيابه عن أجواء الدرس بالكامل، وعدم اكتسابه الحد الأدنى مما طرحته في المادة الدراسية. وفي السياق عينه، تأتي قصة ابن أم يوسف الذي كان يعيد صفه سنة أخرى نتيجة لعجزه ترك المدرسة.
*أسباب التأخر الدراسي
تتعدد أسباب التأخر الدراسي وتتنوع لتتداخل فيما بينها، وتتفاوت من معلم لآخر، ومن بيئة لأخرى وهي ليست واحدة لدى جميع المتأخرين من التلامذة وبحسب الدكتور عواضة يمكن دراستها من عدة نواحٍ:
أ - عوامل جسمية: إذا اشتكى الولد من أمراض بدنية، أو كان يعاني من ضعف في بنيته الجسدية أو إعاقة بصرية أو سمعية أو اضطرابات في النطق، فإن ذلك سيؤثر سلباً على ذاكرته لجهة قدرته على التركيز والاستيعاب.
ب- عوامل شخصية: إهمال الواجبات المدرسية، الطريقة الخاطئة التي يتبعها التلميذ في الدرس، قلة اهتمامه بالمدرسة والخوف من الامتحانات وغيرها.
ج - عوامل مدرسية: تشكل المدرسة بعناصرها كافة مؤثرات قد تلعب دوراً سلبياً، وتقف عائقاً أمام العملية التعلمية في حال:
لم يستطع المعلم أن يستحوذ على محبة الطالب واحترامه.
فرضت الإدارة ضغوطاً إدارية قاسية، فيما يتعلق بأساليب العقاب، ونظام الامتحانات.
ضعف الوسائل التعليمية من حيث التأثير في عملية فهم الطالب واستيعابه، وإثارتها لاهتمامه ورغبته.
عدم ملاءمة المناهج التعليمية لمستوى الطالب الذهني، وعدم استجابتها لميوله وطموحاته.
عدم تمكن المعلم من مراعاة الفروق الفردية داخل صفه، بسبب زيادة عدد الطلاب.
كون المبنى غير ملائم، لهزالة تجهيزاته ومرافقه، من مقاعد وألواح وتدفئة، وغير ذلك.
د - عوامل أسرية (اجتماعية) منها:
- كثرة الخلافات والمشاكل بين الأهل ما يخلق اضطرابات منزلية تنعكس سلباً على مستقبل الولد التعلمي.
- ضعف المستوى الإقتصادي والإجتماعي عند الأهل.
- الظروف السكنية السيئة، وفقدان الجو البيتي للدرس، وزيادة حجم الأسرة وانخفاض المستوى التعليمي عند الأبوين. وهذا السبب ينطبق على حسين النموذج الذي سلف ذكره فقد تبين وبعد الكشف على ظروفه المعيشية، أنه واحد من أسرة مؤلفة من 10 أشخاص وأب عاجز عن العمل، وأم تجهد في تأمين لقمة عيشها وأولادها، متنقلة بين مستشفى ومدرسة، لتقوم بأعمال التنظيف وتلبية طلبات الموظفين والموظفات.
- انصراف الولد إلى اللهو واللعب في ظل لا مبالاة الوالدين، وإقتصار دورهم على التأديب والعقاب عند إعلان النتائج.
- إرتفاع مستوى الطموح لدى الوالدين بما لا يتناسب وقدرات ولدهم الذهنية ومثال ذلك ما حصل مع أبو محمد فهو بنّاء يرغب بأن تكون إبنته الوحيدة طبيبة، ولكن فاطمة تجد نفسها أكثر في المواد الأدبية إذ أن محصلاتها في هذه المواد تفوق غيرها في المواد العلمية، ولكنها اضطرت أخيراً للإنصياع لأمر والدها، الذي بات يشعر بالذنب لرؤيته رفيقاتها على أبواب الجامعة في حين بقيت فاطمة تجهد لإنهاء الثانوية بمعدلات جداً بسيطة وعادية، إذ أنها تشكو من ضعف في استيعاب المواد العلمية.
*علاج التأخر الدراسي:
تشكل مرحلة الكشف عن الأسباب، الخطوة الأهم في السعي الحثيث لحل مشكلة التأخر الدراسي، ويتم ذلك بالملاحظة المباشرة أو غير المباشرة التي يتوصل إليها الأهل والمدرسة.
وبعد دراسة حياة التلميذ من النواحي النفسية، العقلية، الإجتماعية، المدرسية، والنفسية، يوصى المختصون التربوييون بجملة خطوات، يعول عليها لمعالجة هذه الظاهرة منها:
أ- اعتماد برامج دراسية خاصة بالمتأخرين دراسياً.
ب - إعادة النظر بالمناهج التعليمية وطرق التدريس، لتتناسب وقدرات وطموحات التلميذ، وتثير رغبته وتحفزه بالتالي على التعلم.
ج - إستخدام الوسائل التعليمية الأكثر فعالية التي تنطلق بالمعرفة من المحسوس إلى المجرد.
د - إعتماد الأساليب التعليمية التي تلتزم التكرار من جهة وتشرك الطلاب في استنباط المفاهيم، لترسخ المعلومات ويسهل
حفظها وفي السياق عينه ليعرض د. عواضة لجملة علاجات أهمها:
1- إعتماد الدراسات والأبحاث في الكشف عن المشكلات المدرسية وتشخيصها وكيفية علاجها.
2 - التواصل مع الأهل والتعاون معهم للحد من تأثير الإضطرابات المنزلية على أوضاع أولادهم النفسية.
3 - السعي لإزالة القلق والتوتر عند المتعلمين، وتنمية ثقتهم بأنفسهم عبر توفير فرص النجاح واعتماد أساليب التحفيز والتشجيع.
4 - لفت نظر الأهل إلى المشاكل السمعية والبصرية لدى أولادهم وتزويدهم بطرق متابعتهم دراسياً.
وختاماً، نبقى مع ما يوجهه الدكتور عواضة من نصائح لدى ملاحظة تأخر دراسي:
أ - تجنب إظهار القلق الزائد أمام الأبناء لأن ذلك قد يولد لديهم شعوراً بالخيبة والذنب ولا يساعد على علاج المشكلة.
ب - قبول الأبناء كما هم وليس كما نريدهم أن يكونوا.
ج - تجنب استعمال العبارات الجارحة لشخصية الأبناء، وطمأنتهم بإمكانية اجتيازهم التأخر.
د - عدم الضغط والإكراه، فالتعلم يحصل في وقته وعند توفر ظروفه لجهة النضج والبيئة الملائمة.