سكنة حجازي
ولدي الحبيب!
دعني، اليوم، أشكو أنا عنك ومنك ولك!
أيها المعلمون! أيها المربون! أيها المختصون:
ماذا عليّ أن أفعل مع أولادي حتى ينجزوا واجباتهم المتراكمة؟
كيف أساعدهم دون أن يشكل ذلك عائقاً مستقبلياً لهم؟
هل أجلس بجانب كل واحد منهم منذ وصولهم من المدرسة وحتى ذهابهم إلى الفراش، لأعود
واستيقظ باكراً لاستذكار ما بقي عندهم؟
هل عليّ أن أعيش هذا التوتر اليومي والقلق الدائم إلى ما لا نهاية؟
أأتركهم وشأنهم يدرسون ويكتبون كما يحلو لهم؟
أم ألجأ إلى مدرّس خصوصي يريحني من هذا التوتر وهذا الهم؛ مع ما يعني ذلك من تكاليف
إضافية وأعباء مادية؟!
يبدأ العام الدراسي كل سنة وتبدأ معه المعاناة؛ فهناك إضافة إلى هموم الأقساط وثمن
الكتب والقرطاسية والنقل وغيرها، هم من نوع آخر هم ربما كان صامتاً لكنه يسري في
جسم الأسرة سريان الدم في العروق وهو كالجرثومة التي تنتشر وتتكاثر بسرعة وبقدرة
فائقة إذ أنه يتفاقم يوماً بعد يوم ويكبر كلما تقدمت الحياة وتطورت التكنولوجيا إنه
التأخر الدراسي وصعوبة المذاكرة هي مشكلة العصر بحق وصدق. وهي مشكلة بثلاث شُعب أو
أطراف.
مشكلة التأخر الدراسي: التلاميذ، الأهل والمدرّسون
ولها ثلاثة أبعادٍ بعد تربوي، بعد اجتماعي، بعد نفسي.
فهي تؤدي إلى إعاقة نمو التلميذ تربوياً واجتماعياً ونفسياً إضافة إلى ما تمثله من
هدر للطاقة البشرية التي يحتاجها المجتمع حاجة ماسة، فما هو التأخر الدراسي؟ إنه
مشكلة دراسية تظهر على شكل تأخر في مستوى التحصيل عن المستوى المتوسط بحيث يوجد أمل
في مستوى قدرته التحصيلية الحقيقية. وهو قد يكون في مادة دراسية واحدة أو أكثر وقد
يكون دائماً أو مؤقتاً، يعود في أسبابه إلى عوامل جسمية أو عقلية أو انفعالية أو
اجتماعية أو تربوية، فإذا كان عاماً في جميع المواد الدراسية فقد يعود إلى مستوى
القدرات العقلية غالباً.
* أسباب التأخّر الدراسية:
1 - أسباب شخصية:
أ - نسبة الذكاء:
قد يسيء الأهل تنمية فكر الطفل وتوسيع مداركه في طفولته الأولى (من
حرمان عاطفي إلى إهمال في المأكل والمخاطبة وما إلى ذلك...) فيصبح معدل ذكائه ناقصاً
أو ضعيفاً فيشكو من ضعف في الذاكرة ونقص في القدرة اللغوية وقلة الانتباه والتركيز
وضعف في التفكير الاستنتاجي ونقص في الميل العلمي.
ب - الصحة الجسمية: ونعني بها النمو الجسمي المضطرب إضافة إلى قلة الحيوية، والخمول
الجسدي العام فكل ذلك يعيق التلميذ عن الانتظام في دراسته إضافة إلى الأمراض التي
قد يعاني منها التلميذ (كالأمراض الصدرية وأمراض القلب والغدد و...).
ج - ضعف الحواس: كثيراً ما يكتشف الأهل أو المدرسون أن التلميذ المتأخر دراسياً
يعاني من ضعف في إحدى حواسه خاصة السمع أو النظر. قد يكون الضعف في النطق.
د - الانفعال الدائم: فالعاطفة المضطربة والانفعال السريع إضافة إلى الشعور الدائم
بالقلق والخوف والاضطراب والنقص يجعل التلميذ غير متزن وبالتالي متأخراً دراسياً.
إضافة إلى الشرود الذهني والاستغراق في أحلام اليقظة مما يزيد من ثوراتهم
الانفعالية وشعورهم بالفشل والإحباط كل ذلك من شأنه أن يؤثر سلباً في إنجازهم
الدراسي.
2 - الأسباب الاجتماعية والاقتصادية:
ويمكن أن نلخص هذه الأسباب بما يلي:
أ - أسلوب تنشئة الولد: قسوة زائدة وحرمان عاطفي أو حماية زائدة وإسراف في التدليل.
ب -عدم اكتراث الأهل بالعلم والتحصيل المعرفي للولد.
ج - التفكك الأسري وكثرة الشجار والمشاكل داخل الأسرة خاصة في حالات الانفصال (طلاق
وهجر وغيرها).
د - انشغال الأهل بالعمل وترك الطفل دون رعاية وتوجيه واهتمام. خصوصاً حالة إعداده
قبل دخوله للمدرسة.
هـ - الحرمان المادي من فقر الأسرة وضيق المسكن الذي لا يؤمن ظروف الدرس (عدم وجود
غرف كافية وشعور الولد بالمسؤولية) مما يدفع بالولد للعمل المبكر.
و - ارتفاع دخل الأسرة والإغداق المادي غير المدروس وغير المتوازن الذي يقترن بعدم
التوجيه السليم. كل ذلك إضافة إلى ثقافة الوالدين وعدم اهتمامها بالعلم والتعليم مع
وضعه في بيئة مدرسية غير مكترثة للتعليم (من زملاء وأقارب...). يؤدي إلى التأخر
الدراسي والإهمال الزائد في الواجبات المدرسية وبالتالي تدني المستوى والدافع
المعرفي لدى الطفل.
3 - الأسباب التربوية:
أ - إن عدم تأمين الجو المناسب للدراسة يؤدي إلى تشتت الذهن عند الطفل مما يفقده
التركيز والحفظ.
ب - كذلك إنشغاله أو إشغاله بأمور أخرى غير الدرس كالزيارات الاجتماعية والتلفزيون
والانترنت وغيرها يؤدي إلى استغراقه فيها وبالتالي إهماله للدرس وتنمو لديه عدم
الرغبة في طلب العلم.
ج - ثم تغيبه عن المدرسة لأقل الأسباب سواء أكان مرضياً أو شعوراً بعدم الرغبة أم
خوفاً من المدرّس وما إلى هنالك يؤدي إلى التأخر الدراسي.
د - ضعف التلميذ في مادة يؤدي إلى إهماله لها ومن ثم تسري المسألة إلى المواد
الأخرى.
هـ - كذلك استخدام وسائل تربوية غير مناسبة من قبل بعض المدرسين (كالعقاب الجسدي،
والتخويف).
* طرق الوقاية والعلاج:
إن العناية المبكرة بتنمية وتنشئة الطفل على أسس سليمة وصحيحة كفيلة بأن لا نقع
بمثل هذه المشاكل، ولكن قد تحدث الظروف وتقع المشاكل بغير ما يريد الوالدان والذي
يعاني هو الطفل التلميذ وعند وجود مشكلة التأخر الدراسي يعاني منها كل من التلميذ
والأهل والمدرّسون وقد يخشى كل من الأهل والمدرس من مواجهة بعضهما لكن ما ينبغي
معرفته أن المدرّس لا يقل اهتماماً وتحسساً بمتاعب الولد ولديه الرغبة الكافية في
مساعدته لتخطي مشكلاته وهنا يجدر بالأهل إعلامه بماضي التلميذ وشرح ظروفه حتى
يستطيع مساعدته، ولا يخجل الأهل من عرض المشكلة على المختصين لمعالجة هذه المشاكل.
ويمكن تلخيص طرق الوقاية والعلاج بالآتي:
- ضرورة العناية بالصحة الجسمية منذ سن مبكرة مع المتابعة المستمرة فيما بعد.
- الاهتمام بتنمية الحواس وإجراء الفحوصات للتأكد من سلامتها ومعالجتها عند وجود
مشكلة ما.
- ضرورة الكشف المبكر عن الأطفال المعوقين ووضعهم في مدارس خاصة بهم.
- التربية المبكرة وتنمية المدارك لدى الطفل (قبل دخول المدرسة).
ومن ذلك دخول دور الحضانة ورياض الأطفال لما تساعد في ذلك.
- ضرورة الاهتمام بدراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمتأخرين خاصة
والعمل على تغييرها أو تعديلها والحد منها.
- اتباع الأساليب التربوية السليمة في تنشئة الأطفال خصوصاً في مرحلة الطفولة
اللعبية (1 - 6).
- الاهتمام بتأمين الجو النفسي الآمن المليء بالحب والعطف والحنان والرعاية
وإبعاده دائماً عن المشاحنات والمشاجرات العائلية مع المساواة بين الأخوة.
- العمل على علاج المشكلات الانفعالية المصاحبة للتأخر المدرسي من توتر وقلق وشعور
بالإحباط وعدم الثقة بالنفس وإزالة هذا من نفس الطفل.
- عدم ملازمة الطفل في كل صغيرة وكبيرة من واجباته الدراسية وتركه يعتمد على نفسه
في إنجازها ولا نتدخل إلا إذا طلب منا ذلك في توضيح ما عصي عليه فهمه.
- عدم تركه على حريته التامة بدون مراقبة من بعيد، وتوجيه من وقت لآخر. بل الأفضل
تنظيم وقت انجاز واجباته ومشاهدة التلفاز أو اللعب وما إلى ذلك.
- عدم الاستعانة بمدرّس خاص إلا إذا كان يشكو ضعفاً في مادة معينة فقط.
- عدم اللجوء إلى العنف عند تهرب الولد من أداء واجباته بل محاولة فهم السبب فربما
كان لا يستوعب ما يقوم به وهو يفوق قدرته الفكرية هنا علينا المساعدة والتعاون مع
المدرسة.
- إذا حاول التلميذ التهرب من الدرس ومن المدرسة يمكن دراسة السبب وإزالة الخوف
الذي قد ينشأ نتيجة فهم خاطئ للمدرّس.
* أما بالنسبة للمدرسة والمدرّسين فلهم دور كبير في تجاوز
هذه المشكلة ويمكن طرح بعض المقترحات الآتية:
- ضرورة توفير خدمات إرشاد نفسي وتربوي داخل المدرسة مع إقامة علاقة وثيقة بأولياء
أمور التلامذة وعلى المرشد أن يكون حيوياً صبوراً يملك الخبرة والعلم الكافيين
للمساعدة.
- الاهتمام بالأنشطة المدرسية المتنوعة والمرتبطة بالإدراك الحسي أكثر من الإدراك
المجرّد (للمرحلة الابتدائية).
- الاهتمام باستخدام الوسائل التعليمية المناسبة والمتنوعة (وسائل إيضاح تبسط عملية
الشرح).
- إعداد مناهج وبرامج دراسية خاصة بالمتأخرين لا تتطلب ذكاءً عالياً.
وفي الختام لا بد من التعاون بين الأهل والمربين والمدرسين ومحاولة فهم التلميذ
والإحاطة بظروفه النفسية والتربوية فإن ذلك يؤدي إلى نجاح العملية التعليمية
والتربوية ويسهّل على الأولاد أمورهم الدراسية ويحثهم على المضي قدماً
﴿وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾.