مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

في رحاب بقيّة الله: خسف البيداء

الشيخ نعيم قاسم

 



خسف البيداء، إحدى العلامات الخمس التي تكرر ذكرها في روايات كثيرة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "خمس قبل القائم عجل الله فرجه: اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية"(1).

والبيداء هي الأرض الخالية الملساء، وهي هنا أرضٌ بين مكة والمدينة، وهي إلى مكة أقرب. والخسف الذي يحصل يؤدي إلى قتل جنود السفياني في زمن ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه وفي تلك البقعة المقصودة في الرواية. روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصفه لأداء السفياني الإجرامي والوحشي وإرساله لجيشيه خارج الشام، ثم خسف البيداء: "...وينزع الله من قلبه الرحمة، ثم يسير إلى الموضع المعروف بقرقيسيا، فيكون له بها وقعة عظيمة، ولا يبقى بلد إلاَّ بلغه خبره، فيداخلهم من ذلك الجزع. ثم يرجع إلى دمشق، وقد دان له الخلق، فيجيِّش جيشين: جيش إلى المدينة، وجيش إلى المشرق. فأمَّا جيش المشرق، فيقتلون بالزوراء سبعين ألفاً، ويبقرون بطون ثلاثمائة امرأة ، ويخرج الجيش إلى الكوفة، فيقتل بها خلقاً. وأمَّا جيش المدينة، إذا توسطوا البيداء، صاح بهم صائح، وهو جبرائيل عليه السلام، فلا يبقى منهم أحد إلاَّ خسف الله به، ويكون في أثر الجيش رجلان يقال لهما بشير ونذير، فإذا أتيا الجيش لم يريا إلا رؤوساً خارجة عن الأرض، فيسألان جبرائيل عليه السلام: ما أصاب الجيش؟ فيقول: أنتما منهم؟ فيقولان: نعم. فيصيح بهما، فتتحول وجوههما القهقرى، ويمضي أحدهما إلى المدينة وهو بشير، فيبشرهم بما سلَّمهم الله عزَّ وجل منه، والآخر نذير، فيرجع إلى السفياني، فيخبره بما نال الجيش عند ذلك"(2).

 يحصل الخسف في البيداء بتدخلٍ من الله عزَّ وجل، ما يؤكد بأن بعض الأحداث التي تجري عند ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه إنما يهيئها الله عزَّ وجل ليزيل من طريق الإمام العقبات الواحدة تلو الأخرى، كما يهيء له الظروف الموضوعية من أجل أن يحكم ويقيم دولة الإسلام العالمية بلا منازع. وقد عرفنا فيما سبق أن الله عزَّ وجل يحضر له ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من مختلف أقطار الأرض ليكونوا بين يديه، وهم قادة المسيرة يوزعهم بعد ذلك على الأقطار كممثلين له، ومسؤولين عن الجماعات المنضوية تحت رايته الشريفة. فالخسف في البيداء مشيئة إلهية لضرب جيش السفياني، وإزالة تلك العقبة الكأداء من أمام سيادة دولة العدل التي يسعى إليها الإمام عجل الله فرجه. روى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله: "...ويخرج جيش آخر من جيوش السفياني إلى المدينة، فينهبونها ثلاثة أيام، ثم يسيرون إلى مكة، فيقول الله عزَّ وجل: يا جبرائيل عذِّبهم، فيضربهم برجله، فلا يبقى منهم إلاَّ رجلان، فيقدمان على السفياني فيخبرانه خسف الجيش"(3). وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "فإذا دخلوا البيداء، واستوت بهم الأرض، خسف الله بهم. قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَاُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ(4).

تُجمع الروايات أنَّ إبادة جيش السفياني بالبيداء تكون كاملة باستثناء رجلين، وبصرف النظر عن كيفية عودة الرجلين، سواءٌ عاد الاثنان إلى السفياني كما ورد في رواية الرسول صلى الله عليه وآله، أو عاد كل واحد منهما إلى جهة إحداهما جهة الشام لإخبار السفياني كما ورد في رواية النذير، أو عادا مشوهي الخلقة بأن قلبَ الله رأسيهما فأصبح وجه كل واحد منهما إلى الخلف للعبرة والاعتبار، فالأساس هو حصول الخسف الذي يؤدي إلى انشقاق الأرض وابتلاع الجيش، وهذا ما يحسم المعركة لمصلحة الإمام عجل الله فرجه.

يبقى السؤال الأساس الذي يخطر ببال كل مؤمن: ألا يعتَبر القوم من الأحداث التي تجري؟ ألا يعتَبر السفياني فيعود إلى رشده؟ ألا تسبِّب أحداث الظهور عودة إلى الإيمان والطاعة؟ لقد سأل زرارة صاحب الإمام الصادق عليه السلام هذا السؤال للإمام عليه السلام فقال: "عجبت أصلحك الله، وإني لأعجب من القائم كيف يُقَاتَل مع ما يرون من العجائب: من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟ فقال عليه السلام: إنَّ الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله صلى الله عليه وآله يوم العقبة"(5)؛ فالشيطان لا ييأس من جذب الناس إليه، فقد حاول ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك لا يرتدع الذين في قلوبهم مرض ويتبعون الهوى من أن يستمروا في هذا الانحراف، فها هي تجربة الأنبياء مع كل المعجزات التي قدَّموها لشعوبهم لم تؤدِّ إلى هداية الكثيرين ممن ران على قلوبهم. لكنَّ إرادة الله الحاكمة هي أنَّ مرحلة الإمام المهدي عجل الله فرجه هي مرحلة سيادة دولة الحق والعدل، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون.


1- الشيخ الصدوق؛ الخصال؛ ص: 303.
2- كوراني، الشيخ علي؛ معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه؛ ج: 3؛ ص: 92.
3- المصدر نفسه؛ ج: 1؛ ص: 482.
4- كتاب سليم بن قيس؛ تحقيق الأنصاري؛ ص: 309.
5- العلامة المجلسي؛ بحار الأنوار؛ ج: 52؛ ص: 295.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع