مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إعرف عدوّك: حركات المقاومة الفلسطينية قبل النكبة

حسن زعرور

 



تاريخ فلسطين نضال يتكرر بين الأمس واليوم، وسِيرَ قادة عظام تركوا بصماتهم على الدهر، بعضهم غيّب عن جهل، والبعض عن عمد، حتى  كاد عطاؤهم يخفى كلياً عن الأجيال، لهؤلاء نقف بإجلال وخشوع، ونستعيد من الماضي ذكرى جهادهم والوفاء.

*قبل النكبة
لم تترك القوات البريطانية المحتلة طريقة لدفع الفلسطينيين إلى الرحيل إلا وفعلتها بهدف تنفيذ وعد بلفور: أوقفت قروض الفلاحين لإفقار  المزارعين، قتلت كلاب الرعاة وحدّت من تحركاتهم، صادرت الأسلحة الفردية وسجنت مالكيها، عزلت فلسطين عن سورية فانقطعت الموارد  وقلَّ العمل، فرضت الأحكام العرفية واعتقلت على الشبهة، بثت النميمة والخلافات بين العشائر، "ومنعت الفلسطينيين من إقامة كيانات سياسية  لهم"(1)، أو منظمات شبه عسكرية، وسمحت في المقابل للتنظيمات الصهيونية (هاغاناه، إتسل، ليحي) باقتناء السلاح، ودربت بين قواتها  وحداتٍ كانت نواة الجيش الإسرائيلي لاحقاً، وكثيراً ما دعمت بالمدفعية والطيران إعتداءات القوات الصهيونية على السكان الفلسطينيين.

*جماعة الكفّ الأخضر
لم يستطع الفلسطينيون إقامة منظماتٍ عسكرية أول الأمر نظراً للتضييق البريطاني عليهم، غير أن ذلك لم يمنع الوطنيين الفلسطينيين من الرد. في تشرين الأول 1929 قام "أحمد طافش" وبعض رفاقه بالهجوم على الحي اليهودي في "صفد"، وعقب نجاح العملية انضوى كثير من  الشباب الفلسطيني والثوار العرب ممن حاربوا القوات الفرنسية في ثورة الجبل (1925) إليه. قام "طافش" بالهجوم ثانية على "صفد" و"عكا" في شهر تشرين الثاني وفشلت القوات البريطانية في القضاء عليه رغم تعاونها مع القوات  الفرنسية التي كانت تحتل سوريا واغلاقهما الحدود لمنع وصول الإمدادات إليه(2). اتسعت عمليات "طافش" العسكرية حتى "نابلس"، وهدد  مراراً خطوط إمداد الجيش البريطاني ثم اعتقل في الأردن، وسلّم للبريطانيين فأعدموه.

*جماعة أبو جلدة
"أحمد المحمود" الملقب بـ"أبو جلدة" ولد في قرية "طمون" (نابلس). اعتقلته القوات البريطانية بعد قتله ثلاثة من أقربائه بسبب خلاف على  أرض في قريته وحكم عليه بالسجن المؤبد لكنه تمكن من الفرار. كان أبو جلدة يقدِّس الأرض ويعتبرها أثمن ما في الوجود، وكوّن مع "  العرميط" (صالح أحمد المصطفى) وهو من قرية بيتا جنوب نابلس، مجموعة شنت عمليات عدة ناجحة ضد القوات البريطانية والمنظمات  الصهيونية فذاع صيته. في صيف 1933 نشرت له الجامعة الإسلامية "دعوة عامة لمقاومة الاحتلال البريطاني" وهو صاحب شعار "رمي  الانجليز في البحر". اتسعت عملياته العسكرية وأجبر القوات البريطانية على استعمال الطائرات مرات عدة لوقف هجماته، وتقول عنه جريدة  المقطم "أبو جلدة ثائر على البريطانيين، محاصر في جبال نابلس، مطوق بقوات بريطانية كبيرة وبالدبابات والطائرات، لكنها لم تقو على أسره  وعلم أنه فتك مؤخراً بعدد من الجنود البريطانيين"(3). في عام 1933 اتسع نطاق عمليات تهريب اليهود من لبنان إلى فلسطين فانتقل "أبو جلدة" إلى "الحولة" وأقام قيادته فيها لوقف عمليات  التهريب وبقي حتى عام 1934 حيث اعتقلته القوات البريطانية بعدما أفشى "محمود أبو حبرون" وهو من العاملين معه بمكانه نتيجة  التعذيب. أثناء سوقه للإعدام خاطب الجموع مبتسماً "خاطركم شباب، الدنيا فانية" أما "أبو حبرون" فقد لحق به الأهالي وذبحوه(4).

*تنظيم الجهاد المقدس‏
بدأ العمل على تنظيم الجهاد المقدس بدءاً من عام 1931 ثم ظهر إلى الوجود كمنظمة سرية في 25 آذار 1934. تولى قيادته "عبد القادر  الحسيني" نجل "موسى كاظم الحسيني"، وضمت قيادته كلاً من: نافذ الحسيني، علي خلف عبد الرحمن العلي، أحمد العيساوي، اميل الغوري  (عن قضاء القدس) شريف الريماوي، عاهد الريماوي، حنا خلف، صالح الريماوي، محمد الأسمر (عن قضاء رام اللَّه) جميل الفارس، شافع  سعد الدين (عن قضاء نابلس) خالد الفرخ، علي الدباغ (عن قضاء يافا) عبد الحليم الجيلاني، حسان القواسمة، أحمد حجة (عن قضاء الخليل)  صالح عون اللَّه، رفيق عويس (عن قضاء الناصرة) فريد فخر الدين، حسن الشامخ (عن بئر السبع) حسن سلامة، شحادة حسونة (عن قضاء اللد). تمكن التنظيم من إقامة 47 خلية مدربة عدد أفرادها 400 مقاتل ومن عملياتها المشهورة احتلال مخافر الشرطة في باب الواد (17  كانون الأول 1934) ومخافر النبي صالح (رام اللَّه) وأريحا (القدس) واللجون (جنين) وطيبة بني صعب (طولكرم) وحلحول (الخليل)(5).

*القسّاميون‏
تعتبر الحركة القسامية أعظم حركة فدائية فلسطينية لا يزال امتدادها قائماً منذ عام 1929 حتى اليوم. إمتازت بدقة التنظيم والسريّة والبراعة  حتى أن القوات البريطانية فشلت على مدى خمس سنوات من معرفة هويتها وقادتها. ولد الشيخ "عز الدين عبد القادر القسام" في قرية جبلة (سوريا) عام 1882. درس في الأزهر وتتلمذ على يد الشيخ "محمد عبده". عاد إلى  سوريا ليعمل في الوعظ والارشاد، ثم شرع مع "عمر البيطار" و"صالح العلي" في حركة المقاومة ضد المحتلين الفرنسيين فأباح الفرنسيون  دمه مما دفعه للمغادرة إلى "حيفا" عام 1921 مع اثنين من المجاهدين هما الشيخ "محمد الحنفي" والشيخ "علي الحاج عبيد"(6). سكن في الأحياء الفقيرة في حيفا بين الفلاحين الفقراء، وسرعان ما تولى إمامة "جامع الاستقلال"، وعمل في "المدرسة الإسلامية"، ثم انضم  إلى جمعية "الشبان المسلمين" (1926) وتولى رئاستها عام 1928. عيّن مأذوناً شرعياً لمحكمة "حيفا" فاستطاع من خلال عمله ذاك  التجول في معظم أنحاء فلسطين وعمل على انشاء الخلايا السرية من دون أن يثير شبهات القوات البريطانية. ظلّ ست سنوات يقوم بالتوعية  والاعداد والتحضير لحركته التي شُكِّلت عام 1928 برئاسته، وكان من أعضائها: العبد قاسم، محمود زعرورة، محمد صالح وأبو إبراهيم  الكبير. قسم الشيخ حركته إلى خمسة فروع هي:

1 - فرع الدعوة: وهو مكون من العلماء وأئمة المساجد وكان دورهم التوعية والإعداد للجماهير.
2 - فرع التموين: تولى الدعم والاسناد وتأمين المال وشراء السلاح ومن أعضائه "حسن الباير" من قرية "برفين" والشيخ "نمر السعدي" من
قرية "شفا عمرو".
3 - فرع التدريب العسكري: أشرف عليه ضباط فلسطينيون ممن خدموا في الجيش التركي وتولى عملية التدريب "محمد أبو العيون".
4 - فرع الأمن: كانت مهمته التجسس على القوات البريطانية والمنظمات الصهيونية.
5 - فرع العلاقات الخارجية: أقام اتصالات مع الدول العربية وتركيا وقيل أنه اتصل بإيطاليا، لتزويد الحركة بالدعم السياسي والمالي والسلاح.

تولى الشيخ بنفسه مسؤولية التنظيم وإعداد الخلايا والشبكات، وكان يتشدد في قبول المنتسبين ويخضعهم لخمسة أو ستة اختبارات قبل قبولهم  وهو ما لم يسبقه إليه أحد، كما أنه كان أول من سن النظم الأمنية الحديثة إذ جعل الخلية مكونة من خمسة أفراد لا يعرف بها أحد ولا تعرف هي  أيّاً من عناصر بقية الخلايا الأخرى، كما أن جمع المال كان يتم عن طريق اشتراكات خاصة أو تبرع. كان عمل الخلايا سرياً وحتى اليوم يصعب معرفة العمليات التي قامت بها الحركة أو التفاصيل الدقيقة حولها ومنها: عملية نوعية أدت لاحتلال  مستعمرة "ناهالال"، عمليات عدة ضد شعار ومعسكرات الجيش البريطاني ومراكز الارسال وطرق الإمداد لقواته، عمليات ضد مستعمرات  "مرج ابن عامر"، و"الخليل" و"صفد" و"بئر طوبيا" و"يافا"، تصفية المتعاونين مع قوات الاحتلال، وكان الشيخ يشارك رفاقه "مسيرات  المجاهدين" وكثيراً ما أخذ معه "ولده الصغير محمد ليعوده شظف العيش"(7). بين 26 تشرين الأول و12 تشرين الثاني 1935 خرج الشيخ من "حيفا" مع 25 من المجاهدين إلى جبال "قرية يعبد" و"أم الفحم" "  لإعلان الثورة في شمال فلسطين"(8)، وما حصل لاحقاً تنقله روايتان.

الأولى: أن أحد عناصر مجموعة الشيخ ويدعى "محمود سالم المخزومي" كان يقوم بالحراسة فاصطدمت به دورية بريطانية واكتشف
البريطانيون الأمر.
الثانية: أن أحد أرصاد البريطانيين ويدعى "أحمد نايف" لفت نظره خروج الشيخ مع مجموعة كبيرة فأبلغ البريطانيين.

صبيحة 19 تشرين الثاني 1935 طوَّق 400 جندي بريطاني تدعمهم الدبابات مجموعة القسّام في "خربة" الشيخ زيد، وفي اليوم التالي  طلب من الشيخ الاستسلام فرفض وقال لمن معه "لنمت في سبيل اللَّه والوطن شهداء"(9). استمرت المعركة عنيفة طوال ساعات حتى  استشهد الشيخ وعدد من رفاقه. حتى قبل مقتله كان الشيخ لا يزال مقيماً في الأحياء الفقيرة من "حيفا"، من دون أن يدري أي من المحيطين به بطبيعة عمله. كانت العمليات  ضد البريطانيين ونجاحاتها قد ألهبت المشاعر الوطنية لدى الشعب الفلسطيني الذي لم يعرف القائمين بها على مدى سنوات. ولما استشهد  الشيخ القسام وبانت الحقيقة اهتزت المشاعر الفلسطينية والوعي وحب الفداء لدى كثيرين، وهو ما أسس لاحقاً لثورة عام 1936. وكان  الشيخ في حياته وفي استشهاده نهجاً مستمراً حتى يومنا هذا.


1- مذكرات ونستون تشرشل.
2- تقرير الحاكم تشانسلور؛ 22/12/1930م.
3- جريدة المقطم عدد: 7/11/1933م.
4- المصدر السابق عدد: 23/8/1934م.
5- إميل الغوري؛ فلسطين عبر ستين عاماً؛ ص:‏231.
6- صبحي ياسين؛ الثورة العربية الكبرى؛ ص: ‏20.
7- شحادة موسى؛ ثورة عام 1936م في فلسطين؛ ص:‏82.
8- بهجت أبو غربية؛ في خضم النضال العربي؛ ص‏:46.
9- جريدة الشعب؛ العدد:2302؛ 1935م، ص‏:4.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع