يعتبر يوم النصف من شعبان واحداً من أهمّ أيام السنة والذي تصادف فيه ذكرى ولادة ذي الجود المسعود بقية اللَّه أرواحنا فداه، إضافة إلى ليلة ويوم النصف من شعبان اللذين يُعدّان من الأيام والليالي المباركة. ليلة النصف من شعبان ذات بركة كبيرة جداً، وتلي في أهمّيتها ليالي القدر، وهي من أوقات التوجّه والتوسل إلى اللَّه والابتهال إليه. ولهذه الليلة أعمالها وأدعيتها الخاصة، إذا وفقتم لأدائها لعلكم تحظون بالقبول عند اللَّه، وعلى من أغفلها ولم يلتفت إليها أن يتذكّر ويغتنمها في الأعوام القادمة في كل سنة.
كما تكتسب قضية ولادة الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام وعجل اللَّه تعالى فرجه الشريف أهميّة أخرى حيث ترتبط بمسألة الانتظار، والعهد الموعود الذي بشّر به مذهبنا، بل وبشّر به أيضاً الدين الإسلامي الحنيف. وعلينا أن نستذكر هذا العهد الموعود به في آخر الزمان، وهو عهد المهدي، ونؤكد عليه على الدوام ونجري بشأنه دراسات دقيقة ونقدّم بحوثاً مفيدة. لقد تعرّضت جميع العقائد البنّاءة لهجمات من خصومها، لاحظوا كم يجب علينا أن نكون متيقّظين اليوم! إذ أنهم نقّبوا حتى في تعاليم الإسلام وأحكامه وحيثما وجدوا في الشرع المقدّس معتقداً أو حكماً له تأثير ايجابي واضح وكبير في حياة ومستقبل الفرد والمجتمع والأمة الإسلامية وقفوا بوجهه وقاوموه بشكل أو آخر؛ لعلهم يستطيعون القضاء عليه، فإن لم يصلوا إلى غايتهم حاولوا التلاعب بمحتواه. ولعل البعض يتساءل مستبعداً: وما شأن العدو، وكيف يتسنى له تجريد العقائد الإسلامية من فائدتها للناس؟ وهذا التصور خاطئ طبعاً.
فالعدو قادر على ذلك ولكن لا على المدى القصير، بل على امتداد فترة طويلة قد تمتد إلى عشرات السنين حتى يستطيع طمس بؤرة مضيئة فيها أو إفراغها من جوهرها، أو إبراز نقطة مظلمة، فقد يبذل أحدهم جهوداً محمومة على مدى سنوات طويلة وينفق الأموال، ولكن لا يصل إلى نتيجة، فيأتي آخرون من بعده ويمضون على نهجه. لقد تعرضت مُعتقدات المسلمين للكثير من أمثال هذه الأعمال، كما حصل مع عقيدة التوحيد، وعقيدة الإمامة، وكذلك المفاهيم الأخلاقية كمفهوم الصبر، والتوكّل، والقناعة. هذه كلها نقاط بنّاءة بارزة لو استوعب المسلمون حقيقتها لكانت بمثابة المحرك الذي يسهم في تقدم المجتمع الإسلامي نحو الأمام.
كما أنّهم حاولوا ذلك كثيراً مع عقيدة المهدي الموعود التي تنص على ظهور رجل في آخر الزمان من آل بيت الرسول يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويقضي على الظلم والتمييز والاستغلال والطبقية. وهذه العقيدة لا تختص بالشيعة وحدهم، بل يؤمن بها المسلمون كافّة، ولكن لبعض الفرق كلاماً آخر في تفاصيلها وتفريعاتها، إلا أن أصل القضية ينص على أن رجلاً من عترة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سيقوم في وقت ما بحركة إلهية جبّارة و"يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". هذه القضية متواترة عند جميع المسلمين، ومقبولة لديهم كافة. هذه العقيدة ذات قدرة كبيرة على حل المعضلات، ونتيجة لما تتصف به هذه العقيدة من قدرة وفاعلية؛ فقد حاول الأعداء، والأصدقاء الجهلة أحياناً، إفراغها من محتواها وقد تكون الضربة التي تأتي من الصديق الجاهل أكثر إيلاماً من ضربة العدو العاقل إلا أن محور حديثنا يدور هنا حول محاولات العدو العاقل ضد هذه العقيدة. اطّلعت على وثيقة تتعلق بعدّة عقود مضت؛ أي منذ أوائل تغلغل الاستعمار في شمال أفريقيا وإنّما صار التركيز على تلك المنطقة بسبب شدّة ميول سكّانها إلى أهل البيت بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقونه من بين المذاهب الإسلامية، ولأن عقيدة المهدوية بارزة المعالم هناك في بلدان مثل السودان والمغرب وما شاكل ذلك، فحينما دخل الاستعمار إلى تلك المناطق في القرن الماضي وجد أن عقيدة المهدوية من جملة العراقيل التي تعيق نفوذه هناك يؤكد في الوثيقة القادة المستعمرون على ضرورة العمل لإزالة عقيدة المهدوية تدريجياً من أذهان الناس! وكان المستعمرون الفرنسيون والمستعمرون الإنجليز يسيطرون على تلك المناطق حينذاك والاستعمار استعمار من أيّ كان . أدرك المستعمرون الأجانب أنه طالما بقيت عقيدة المهدوية راسخة في أذهان تلك الشعوب، لا يمكن التحكّم بتلك الشعوب كما ينبغي! لاحظوا مدى أهمية عقيدة المهدوية. ولاحظوا مدى فداحة الخطأ الذي يرتكبه البعض باسم التجديد والانفتاح الفكري، بإثارتهم الشكوك حول المعتقدات الإسلامية بلا وعي ولا دراسة ولا معرفة لطبيعة العمل الذي يقومون به؛ فهؤلاء يؤدّون بكل سهولة نفس الغرض الذي يرمي إليه العدو.
* خصائص الإعتقاد بالمهدي عجل الله فرجه
تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة لكل شعب بمثابة الدم في الجسم، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصيّة الأمل. فقد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تفقدها الأمل؛ وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة متصوّرة أنها لا قدرة لها على مجابهة هذا الخصم بأي نحو كان. هذه هي روح اليأس التي ينشدها المستعمر. وكم يتمنى الاستكبار العالمي اليوم أن تمنى الشعوب الإسلامية بهذه الحالة من اليأس، فترى من يقول: فات الأوان، لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرك! يلقون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوة. ونحن المطلعون على الدعايات الإعلامية المعادية المسمومة، نلمس بكل جلاء أن معظم الأخبار التي يبثّونها تهدف إلى إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب. يحبطون أمل الناس اتجاه الاقتصاد والثقافة، والمتدينين من اتّساع نطاق الدين، ودعاة الحرية والشؤون الثقافية والسياسية من إمكانية العمل السياسي أو الثقافي، ويصوّرون مستقبلاً مظلماً مبهماً أمام أبصار الطامحين نحو المستقبل! ولكن ما هو الدافع من وراء ذلك؟ إنهم يحاولون تحويل الكيان الفعّال بقتل الأمل في القلوب إلى كتلة ميتة أو شبه ميّتة، ليتاح لهم عند ذاك التعامل معه كما يحلو لهم؛ إذ ليس بمقدورهم التعامل مع الشعب إذا كان حياً كما يرغبون. الجسم الميت يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يتصرف فيه كيف يشاء، ولكن لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك مع الوجود الحيّ الفاعل المفكّر. إذا كان الشعب خاملاً لا يرى لذاته قيمة ومستقبلاً يتمكن الأعداء وبكل سهولة أن يرسموا له مستقبله ويجعلوا أنفسهم أوصياء عليه؛ يقررون له ويعملون بدلاً عنه بلا أي رادع أو مانع، ولهذا تنصبّ مساعي الأعداء على انتزاع الأمل من نفوس أبناء الشعب. إن الإعتقاد بالمهدوية، وبفكر المهدي الموعود أرواحنا فداه، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً؛ وذلك لثقته بحتمية وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الخفاق.
* محاولات تشويه المهدوية.
ومن الطبيعي أنهم حينما يفشلون في استلاب هذه العقيدة من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يتم تشويه هذا المعتقد؟ يتم ذلك عن طريق القول: إن المهدي سيظهر وهو الذي يصلح جميع الأمور، وليس علينا شيء! هذا تشويه لهذه العقيدة، وتحويلها من محرّك دافع إلى إطار لا فاعلية فيه، ومن دواء مقوٍّ إلى داء مخدّر ومنوّم. نعم يظهر المهدي أرواحنا فداه ويصلح الأمور، لكن ما هو واجبكم اليوم؟ واجبكم اليوم هو أن تمهدوا له الأمور لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّأة؛ لا يمكن الانطلاق من نقطة الصفر. المجتمع الذي يمكنه أن يتقبّل حكومة المهدي الموعود أرواحنا فداه هو المجتمع المستعد المتوفر على القابلية لذلك، وإلا فسينتهي إلى نفس المصير الذي انتهى إليه الأنبياء على امتداد التاريخ. إذاً فلا بدّ من التمهيد، فالشبان الخيّرون المؤمنون من أبناء حزب اللَّه قد سحقوا شهواتهم النفسية وتجاوزوا مطامع المال والثروة وإن وجد بعض آخر ممّن يلهث وراء هذه المغريات، ويلوّثون الأجواء وساروا بكل ورع وهمّة وبصيرة غير آبهين لأمثال هذه الزخارف. إذاً من الممكن تمهيد الأجواء. وإذا اتّسع بإذن اللَّه وجود مثل هذه الأجواء تكون الأرضية قد وطّئت أيضاً لظهور بقية اللَّه أرواحنا فداه، وتتحقق عند ذاك هذه الأمنية العريقة التي طالما راودت أذهان البشرية وأذهان المسلمين. والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.