مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: مقاومة الإحتلال في القانون الدولي

أحمد الدروبي

 



بالنسبة لمفهوم الكفاح المسلح ضد الاحتلال فهو يندرج تحت إطار ما يُسمى بحقي الدفاع المشروع عن النفس وتقرير المصير اللذين أكدت عليهما مختلف المواثيق الدولية ووضعت لهما ضوابط ومعايير ينبغي التقيد بها قبل وأثناء استعمال أيٍّ من هذين الحقين على الساحة السياسية الدولية. فبالنسبة لحق الدفاع المشروع عن النفس نجد أن مختلف القوانين على الصعيد الداخلي للدول قد أكدت على ذلك الحق، كما أنه جُعِلَ من قبل المشرع بمنأى عن التجريم حيث تنص المادة 184 مثلاً من قانون العقوبات اللبناني على ما يلي "يُعَدّ ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير مُحق وغير مُثار على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، ويستوي في الحماية النفس والشخص المعنوي".

أما على الصعيد الدولي فقد اعترفت المادة 51 من الميثاق الأُممي بحق الدفاع المشروع عن النفس وذلك عندما نصَّت على أنه "ليس في هذا الميثاق ما ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فُرادى أو جماعات، في الدفاع المشروع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأُمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخد مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. والتدابير التي يتخذها الأعضاء لممارسة هذا الحق تُبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر بأي حال في ما يملكه المجلس، بمقتضى الميثاق الراهن، من سلطة وواجب يخوّلانه أن يتخذ، في أي قوت وبالطريقة التي يراها ضرورية، التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما".وقد وضع قرار الاتحاد من أجل السلام الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 تشرين الثاني 1950 شرطين لاستعمال هذا الحق وهما:

1 - عجز مجلس الأمن عن ممارسة مسؤولياته بسبب عدم توافر حالة إجماع لدى الأعضاء الدائمين.
2 - وجود حالة تهديد للسلم أو خرق له أو حالة وقوع عدوان.

وبالإضافة إلى الشرطين السابقين يستنتج بعض الفقهاء ورجال القانون الدولي الشروط الأساسية التالية لاستخدام القوة في الدفاع عن النفس:
الشرط الأول: استخدام الوسائل السلمية كافة إذا كانت متوفرة.
الشرط الثاني: وجود حالة الضرورة والتي تعني وجود طارئ لا يمكن صده ولا يدع مجالاً لاختيار الوسائل ولا فرصة للتفاوض والمناقشة وهنا يجب أن تكون القوة المستخدمة معقولة وغير مفرطة ومشروطة بالضرورة ومقيدة لها.
الشرط الثالث: التناسب، أي أن يكون الرد مناسباً في قوته ومداه ونوعه مع الفعل الذي استدعى ضرورة حصوله.

وأما بالنسبة لحق تقرير المصير فيُلاحظ أن حق الدفاع المشروع عن النفس هو حق من حقوق الدول بينما حق تقرير المصير هو حق مرتبط بالشعوب، ويعني هذا الحق الأخير أن يكون لكل شعب السلطة العليا في تقرير مصيره دون أي تدخل أجنبي. وقد أكدت على هذا الحق مختلف المواثيق الدولية وأبرزها: إعلان الثورة الفرنسية في الجمعية الوطنية الفرنسية بتاريخ 19 نوفمبر 1792، وفي الفقرة 2 من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945، ومن روح المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، وفي القرار الصادر عن الجمعية العامة رقم 1960 1514 بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وفي القرار 1803 تاريخ 14 كانون الأول 1962 بشأن السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، وفي المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر بتاريخ 16 كانون الأول 1966. وقد توالت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمواثيق الدولية المختلفة مؤكدة على مبدأ تقرير المصير وحق الشعوب في التحرر من كل صور الاستعمار والاحتلال وتصفيته بشكل نهائي. وهناك نمطان لحق تقرير المصير:
أ - حق تقرير المصير الداخلي.
ب - حق تقرير المصير الخارجي.

أ- حق تقرير المصير الداخلي: وهو يعني أن التمتع بالحق يكون قاصراً على الدول ذات السيادة الكاملة، وهذا ما أكدت عليه ديباجة الاعلام العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 عندما نصت على أن "على جميع الدول احترام حقوق الشعوب والأمم في تقرير المصير ومع الاحترام المطلق لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وحق تقرير المصير الداخلي يعطي للدولة الشرعية في استعمال العنف من أجل فرض النظام وقمع الشغب والتمرد والعصيان"، وأيضاً من أجل الحفاظ على أمن الدولة الداخلي والنظام العام القائم عليه النظام القانوني للدولة حتى ولو أدى ذلك لاستعمال السلاح من قبل السلطات النظامية.

ب - حق تقرير المصير الخارجي: وهو ينصرف إلى الدول غير المتمتعة بالسيادة. وهو ذو فئتين:
فئة 1- وضع الشعوب والأقاليم الخاضعة للانتداب أو للاستعمار أو الخاضعة لسيطرة أجنبية مثل الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا سابقاً، أو تلك الشعوب الخاضعة لرعاية دول تختلف عنها عقائدياً وأيديولوجياً مثل خضوع مسلمي كوسوفو ليوغسلافيا سابقاً بالقوة، وقد عالجت هذا الوضع عدة قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان أبرزها القرار رقم 1514 الصادر بتاريخ 14 كانون الأول 1960، والمتعلق بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.

فئة 2 - وضع الشعوب والأقاليم الخاضعة للاحتلال الأجنبي: مثل احتلال إسرائيل في عام 1978 لقسم كبير من جنوب لبنان، واستمرارها حالياً في احتلالها لمزارع شبعا اللبنانية، وكذلك اغتصابها لأرض فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وأيضاً مثل احتلال ألمانيا لفرنسا عام 1939 وقيام حكومة فيشي. وهذا الوضع المشار إليه سابقاً يعتمد على غزو دولة واحتلال أراضيها والإقامة فيها للاستيطان، وبالتالي فيُولي حق تقرير المصير تلك الشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي حق استعادة إقليمها المُغتصب واستعادة استقلاليته وسيادته بالوسائل المتاحة كافة بما فيها الكفاح المسلح من خلال حركات التحرير الوطني أو حق المقاومة في وجه المحتل الغاصب، وقد صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات أعطت الشرعية لهذا الحق، من أبرزها: القرار رقم 3101 الصادر بتاريخ 12 كانون الأول 1973، والذي شدد على المركز القانوني للمحاربين الذين يكافحون السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية، وبروتوكولا جنيف للعام 1976 اللذان أقرا بأن حروب التحرير الوطني حروبٌ دولية، والقرار رقم 3034 للعام 1972، والقرار رقم 102 31، والقرار رقم 174 32 للعام 1977، تلك القرارات التي أدانت إرهاب الدولة، وأكدت على حق الشعوب بالمقاومة لتقرير المصير، والقرار رقم 61 40 للعام 1985، والقرار رقم 51 64 الصادر بتاريخ 9 كانون الأول 1991، والقراران الأخيران اعتبرا أن إرهاب الدولة هو سبب العنف، وبالتالي أكدا على الحق بالكفاح المسلح المشروع. ولا ننسَ أبداً تفاهم نيسان الذي صدر بتاريخ 26 نيسان 1996، والذي كان بمثابة إقرار عملي واعتراف رسمي من قبل كل من أميركا والكيان الغاصب وفرنسا وروسيا وأوروبا وسائر أفراد المجتمع الدولي بشرعية عمل المقاومة في جنوب لبنان، مما اعتبر انتصاراً لتلك المقاومة في مواجهتها للعدوان الصهيوني.

وهكذا يكون من أبرز النتائج المترتبة عن إقرار مبدأ حق تقرير المصير:
أن النضال المسلح ضد الاحتلال أو السيطرة الأجنبية أو العنصرية باعتباره مظهراً للحق الثابت في تقرير المصير، هو نضال مشروع من وجهة نظر القانون الدولي ما دام أعضاء حركة التحرير الوطني يخضعون أنفسهم للقانون الإنساني الدولي حسب ما هو مكرس في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الملحقين في عام 1977. لذلك نجد أن هجمات المقاومين الفلسطينيين على المواقع العسكرية الإسرائيلية تعتبر أعمالاً مشروعة، كونها من الأعمال الحربية التي تقوم بها حركات التحرير الوطني، وأيضاً إن قتل مستوطن صهيوني داخل الأرض المحتلة (مسلح أم غير مسلح) لا يعتبر عملاً غير مشروع، لأنه بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949، والبروتوكول الأول للعام 1977، فإن مجرد قيام السلطة المحتلة بنقل سكانها المدنيين إلى المنطقة المحتلة يحرم المستوطنين المنقولين من صفة البراءة المفترضة فيهم مسبقاً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع