مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام الخميني قدس سره إمام الوحدة الإسلامية

الشيخ علي خازم‏

 



شكلت الوحدة الإسلامية معلماً بارزاً في خط الإمام الخميني منذ بدايات حركته السياسية والاجتماعية، ولذلك يمكن تتبعها في طول حركته وفي أطر متعددة قد لا يحصرها المصطلح، إذ كان قدس سره الشريف يحيا هذه القضية ببعدها التكليفي الشرعي من جهة، وبالنظر إلى الآثار الواقعة على إيران والعالم الإسلامي من جهة التصديق لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ. ويمكن كذلك تتبع منهج خاص للإمام الخميني قدس سره في فهم الوحدة الإسلامية، يجمع بين فهم المذاهب الإسلامية كمدارس فقهية يمكن التقريب بينها على المستوى العلمي، وبين وحدة الأمة ككيان سياسي يقابل الأجانب عن هذه الأمة ومصالحها. وغير بعيد عن هاتين النقطتين يمكن الكلام عن إحياء الإمام للخطاب الإسلامي الإنساني الذي يرى وحدة المنشأ البشري، ويواجه النزاعات العنصرية والاستعلائية التي قدمتها نماذج فلسفية وسياسية غربية بررت الاستعمار العسكري والاستيلاء على مقدرات الشعوب، وهي نماذج عايشها الإمام بآثارها السياسية في العالم الإسلامي وغيره من أوروبا إلى جنوب أفريقيا على مدى عقود وأعوام متمادية، ووجدت لها في عالمنا الإسلامي أتباعاً وعملاء.

* الوحدة الاجتماعية:
واجه الإمام الخميني قدس سره على المستوى الداخلي الإيراني سعياً حثيثاً لدى السلطة الشاهنشاهية لاستخدام التنوع العرقي والمذهبي أداة لتشكيل تفاوت اجتماعي وتخالف مصلحي يؤدي إلى إبقاء السيطرة على الأوضاع العامة في مناخ عدائي بين أفراد الشعب، وقد عمل الإمام ودعا إلى وحدة الشعب الإيراني قبل انتصار الثورة وبعدها، مؤسساً لروح وحدوية في كل المجالات التي يتوهم الناس فيها التعدد المتنافر عادة، كما في التعدد العرقي: فُرس وترك وكرد وبلوش وعرب، أو في التعدد الفكري ومصادره: حوزة وجامعة، وفي هذا المجال قال الإمام قدس سره: "إني أمدُّ يدي وبمنتهى التواضع نحو جميع التجمعات العاملة لخدمة الإسلام، طالباً إليهم السعي لتحقيق الاتحاد فيما بينهم في جميع المجالات، وذلك من أجل بسط العدالة الإسلامية، التي تمثل الطريق الوحيد لتحقيق السعادة للشعب". وقال أيضاً: "لقد بذلت وما زلت قصارى جهدي من أجل تحقيق الوحدة بين مختلف طبقات الشعب المسلم، وأسأل اللَّه تعالى العون لتحقيق هذا الأمر الحيوي والذي يعتمد عليه وجود الشعب وبقاؤه". وقد أكد انتصار الشعب الإيراني هذه النظرية: الوحدة تقدم الانتصار والاستقلال والعزة.

* الوحدة الدينية:
اعتقد الإمام بأن الاختلاف المذهبي بما هو اختلاف علمي يبقي الإسلام بل يغنيه على هذا الصعيد ولم يتعارض هذا الاعتقاد عنده بالتمسك بالمذهب مع وجود الروح الإسلامية، وقد أثر الاتجاه العرفاني للإمام بتقوية شعور المحبة للمسلمين أينما كانوا والتعاطف البالغ مع قضاياهم كافة. وفي هذا المجال يمكن ملاحظة اهتمام الإمام رضوان اللَّه تعالى عليه وكلامه على مستويين:

الأول: الوحدة بما هي أخوة أنشأها القرآن الكريم، والثاني: الوحدة بما هي قوة تصون الإسلام وتحفظ الأمة مما يراد بها من أعدائها. فعلى مستوى الأخوة نقرأ في كلام الإمام: "إن القرآن الكريم يحكم بأن جميع المؤمنين في العالم هم أخوة والأخوة متكافئون". "إن الأخوة الإسلامية منشأ لكل الخيرات، لقد بلغتم ما بلغتم بالمحافظة على الأخوة، وبالمحافظة على الأخوة تبلغون ما هو أسمى أيضاً". "لقد ذكرت مراراً أن لا أهمية للعنصر واللغة والقومية والإقليم في الإسلام، فجميع المسلمين سنة كانوا أم شيعة هم أخوة متكافئون، متساوون في المزايا والحقوق الإسلامية، وأنه ليس في الإسلام سني وشيعي، أو كردي وفارسي فالكل أخوة". وقد ظهر هذا العنوان عملياً في التآخي بين أفراد الشعب الإيراني أثناء الثورة، وبعد الانتصار ظهرت أخوة الشعب المسلم في إيران مع بقية شعوب العالم الإسلامي كما كانت من قبل.

أما على المستوى الثاني: أي الوحدة بما هي قوة تصون الإسلام وتحفظ الأمة، فهنا يمكن رؤية الإمام ليس منخرطاً فقط في مشروع توحيد الأمة وحفظ مصالحها، بل متماهياً في هذا المشروع. لقد وعى الإمام مخاطر ومؤامرات الاستعمار وربيبته إسرائيل وعمل على إيقاظ الأمة وتحذيرها من أنه لا عزة ولا تنمية ولا تقدم لها بدون معالجة هذا الجرح والتنبه لآثاره على العالم الإسلامي بل على العالم كله. معتقداً بضرورة ربط المشاريع التغييرية في أي جزء من أجزاء العالم الإسلامي بقضية فلسطين، وهذا ما كان يظهر في خطبه ضد الشاه وحكومته وعلاقته بإسرائيل، بل تسخيره ثروات البلاد لخدمة الكيان الغاصب؛ وهو ما نجد شبيهاً له في عالمنا العربي والإسلامي اليوم بقوة. قال الإمام قدس سره: "لقد حذرت مراراً من خطر إسرائيل وعملائها، ولن ترى الأمة الإسلامية السعادة إلا بعد أن تقتلع جرثومة الفساد هذه من أصلها. إن من أسباب ثورة الشعب المسلم في إيران على الشاه دعمه لإسرائيل الغاصبة".
وفي مجال حفظ ثروات العالم الإسلامي وجعلها في خدمة الأمة قال الإمام طاب ثراه: "يا مسلمي العالم الذين تملكون إيماناً بحقيقة الإسلام، انهضوا واجتمعوا تحت راية التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام، واقطعوا أيدي الخونة المستكبرين عن أوطانكم وعن خزائنكم، وأعيدوا مجد الإسلام، ودعوا الخلافات والأهواء النفسانية، فأنتم تملكون كل شي‏ء".

* الوحدة الإنسانية:
إن من أبرز ما أنتجه الإمام الخميني قدس سره في ثورته إحياء الخطاب الإسلامي الإنساني، فمعه عادت مصطلحات "المستكبرين" و"المستضعفين" و"الدفاع" و"النصرة" و"المساواة". وكما في عمله لاستبعاد قيم ومفاهيم التعصب المذهبي والعرقي بين المسلمين مقدمة لكسر الحواجز التي أرادها الاستعمار وأدواته عائقاً يمنع شعوب الأمة الإسلامية من الانفتاح والتكامل السياسي والتنموي بتسخير قدراتهم وثرواتهم لحل مشاكلهم الاجتماعية، وجدنا الإمام قدس سره متعاطفاً مع قضايا عالمية تحت عنوان نصرة المستضعفين من غير المسلمين في وجه المستكبرين الذين يسعون ويعملون على تدمير إنسانية الإنسان، وبغض النظر عن عرقه ولونه وموطنه. إنَّ العنصرية النازية والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا في حينها والصهيونية وإرهاصات العولمة التي عاشها الإمام، كانت دافعاً لأن يركز الإمام ومن موقعه الإسلامي والعرفاني في دعوته وعمله على الاتجاه المعارض والنابذ لكل الأفكار والأعمال المؤسسة والفاعلة تحت مفاهيم التعصب المقيت والعنصرية الاضطهادية، كما ركز على بيان موجبات الوحدة والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية. في هذا المجال يمكن ملاحظة نصوص الإمام الموجهة إلى البابا ورجال الدين المسيحيين، وكذلك إلى القوى المناهضة للاستكبار والاستعمار، واستقباله لقوى التحرر في العالم.

* المفهوم الواحد
أخيراً، إن هذه العناوين الثلاثة كمفاهيم متشابكة تعطينا صورة عن مفهوم الوحدة الإسلامية في خط الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه، وتصير عناوين أخرى كدعوته إلى الالتزام بصلاة الجماعة في موسم الحج خلف الإمام المخالف في المذهب، أو إحياؤه لأسبوع الوحدة الإسلامية، أو تبنيه لتجمع العلماء المسلمين في لبنان من السنّة والشيعة، أو دفاعه عن قضية فلسطين، وكذلك رفض اعتبار السنة في إيران أقلية دينية، تفاصيل يمكن ملاحظة كثير من أمثالها. سلام اللَّه على الإمام الخميني موحِّداً بكل معاني الكلمة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع