إن دور المعلم في المجتمع كدور الأنبياء، والأنبياء هم معلمو البشرية، إنه دور مهم وحساس للغاية، ومسؤولية ثقيلة. دور مهم لأنه هو نفس دور التربية والتي هي "إخراج من الظلمات إلى النور" هذه هي سمة المعلم. إنّ الله تبارك وتعالى ينسب هذه السمة له ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، فهو ولي المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور؛ فالمعلم الأول هو الله تبارك وتعالى الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويدعو الناس بواسطة الأنبياء وبواسطة الوحي إلى النورانية، والى الكمال، والى العشق، وإلى الحب، ويدعوهم إلى مراتب الكمالات التي هي للإنسان.
ومن بعده الأنبياء الذين ينشرون تلك المدرسة الإلهية وعملهم هو التعليم أيضاً، إذ يعلّمون البشرية؛ عملهم هو تربية الناس، وتربية الإنسان ليسمو عن مقام الحيوانية ويصل إلى مقام الإنسانية. إن الذين يدفعون بدولة ما إلى الرقي أو الانحطاط يكونون أشخاصاً قليلين عادة، ويجب عليكم أن تنتبهوا إلى هذا المعنى، وهو أنه لو كانت تربيتكم تربية غير إسلامية لا سمح اللَّه فإنكم ستشتركون مع الذي تربونه في أي جريمة أو عمل يمارسه، ولو كانت تربيتكم إسلامية وقائمة على الفطرة، فإنكم ستشاركونه في كل عمل حسنٍ يقوم به. فالمعلّم أمين ويختلف عن باقي الأمناء لأن أمانته هي الإنسان، (أما غير المعلّم) لو خان في أية أمانة أخرى فإنه يرتكب ذنباً حتماً، ولكن كل ما في الأمر أنه فرّط بسجادة كانت أمانة عنده (على سبيل المثال)، وهذا العمل لا يؤدي إلى حدوث شيء (مشكلة) في المجتمع، فقط قد سبب ضرراً وعليه أن يعوّض عن الضرر الذي سببه أيضاً. أما لو كان الإنسان هو الأمانة، الطفل المؤهل للتربية هو الأمانة، فإن الخيانة بهذه الأمانة لا سمح الله سوف ترونها في وقت (ما) خيانة لشعب، وخيانة لمجتمع، وخيانة للإسلام. لذا فإن هذا العمل ورغم أنه شريف جداً وذو قيمة كبيرة لأنه عمل الأنبياء الذين جاؤوا لبناء الإنسان ذو مسؤولية كبيرة جداً مثلما كانت مسؤولية الأنبياء كبيرة جداً.
يجب أن تلتفتوا جيداً إلى أنكم لستم أفراداً عاديين؛ فالذنب المرتكب في مجال التربية والتعليم يختلف كثيراً عن ذلك الذنب الذي يرتكبه شخص في دائرة معينة أو وزارة من الوزارات. وإن الذنب المُرتَكَب في وزارة معينة لا يقضي على البلاد مثلاً إلا في حالات نادرة، أما لو تربى طفل في سلك التربية والتعليم تربية فاسدة، وتربى على أخلاق شيطانية واستكبارية، فإنه قد يدفع البلاد نحو الهاوية من خلال تربيته الشيطانية وأخلاقه الاستكبارية، ويدفع بعدد كبير من الناس إلى الفساد. لذا فإنكم ومن خلال عملكم العظيم هذا تشتركون معهم في جميع ذلك سواء في الحسنات أو السيئات؛ تشاركونهم بالجريمة أحياناً، وأحياناً بالنورانية التي أوجدتموها أنتم. فاحذروا كثيراً وانتبهوا لأنكم لستم أفراداً عاديين. إنكم معلّمو جيل سيستلم مقدّرات البلاد في المستقبل. إنكم أمناء على مثل هذا الجيل، ويجب أن تمارسوا التربية إلى جانب التعليم. وهذه الوظيفة لا تقتصر على وظيفة معلم العلوم الدينية، بل هي وظيفة جميع المعلمين مهما كانت فروعهم، وجميع أساتذة الجامعة مهما كانت تخصّصاتهم. فكما أن معلم العلوم الدينية قد يؤدي إلى إحداث مشكلة وإفساد في البلاد من خلال اهتمامه فقط بالعلوم الدينية وعدم التوجه للأخلاق الدينية وبناء الطفل أو الشاب، كذلك الأمر بالنسبة لمعلمي غير العلوم الدينية في أي مجال كان فيه التعليم، إذ إنهم سيشتركون بالجرم والانحراف الذي أوجدوه في ذلك الفرع، وسيدفعون ببلادهم إلى الهاوية أيضاً.
إن عملكم أيها المعلمون ويا معلمي الدين هو التربية. يجب عليكم تعليم تلك المجموعة التي بيدكم، واعلموا أن التربية أهم من التعليم.