الشيخ حسن بدران
التسمية هي من الأمور التي اهتم لها البشر قديماً وحديثاً فاعتنوا بتسمية أولادهم وأشيائهم بأسماء خاصة لمناسبات مختلفة، منها أنها تذكرهم بكل عزيزٍ ومحبوب، وتجلب لهم البركة والاحترام، وتخلد ذكرى الأسلاف القدماء... ولا شك أن التسمية تحكي عن علاقة قائمة بين الاسم والمسمى، وتتحدد نوعية هذه العلاقة غالباً في دلالة الاسم باعتباره سمة وعلامة على المسمى به، إلا أن الاسم قد يسمو في الدلالة إلى حد التعبير ليس فقط عن المسمى وإنما عن خصوصيات المسمى، وذلك من خلال وجود علاقات حقيقية قائمة بين الاسم والمسمى، كأن يشير الاسم إلى حقيقة واقعية قائمة بنفس المسمى، ويكون الاسم حينئذ عين المسمى، ومن هذا القبيل أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام وألقابهم.
لهذا اتخذ البحث في أسماء الأنبياء والأئمة منحى آخر مختلفاً كلياً عن مناسبات التسمية في المجالات العامة، وبات من المفيد التطرق للمناسبة أو المعنى الذي تشير إليه التسمية في خصوص الأنبياء والأئمة عليهم السلام، كونها تكشف لنا عن أبعاد واقعية في شخصياتهم المقدسة، وتحكي لنا جانباً مهماً من أسرارهم العظيمة. ولهذا نجد أصحاب المدونات الحديثية يفردون تبويباً خاصاً يذكر فيه (أسماء النبي)، كما نجد غير واحد من القدماء قد خصّص تأليفاً في (أسماء النبي ومعانيها). وقد تجلت في شخصية النبي صلى الله عليه وآله سمات كريمة ومزايا راقية وأخلاق عظيمة وسلوك قويم حتى عُرف بالصادق الأمين. هذه المزايا جعلت منه صلى الله عليه وآله قدوة تحتذيها البشرية كافة منذ آدم وإلى قيام الساعة، ولهذا كان هو "المصطفى"، و"المصطفى له" هو اللَّه تعالى شأنه. وروي عن جابر بن عبد اللَّه أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "أنا أشبه الناس بآدم، وإبراهيم أشبه الناس بي، خَلْقَهُ وخُلُقُهُ، وسمَّاني اللَّه من فوق عرشه عشرة أسماء، وبيّن اللَّه وصفي، وبشر بي على لسان كل رسول بعثه اللَّه إلى قومه، وسمَّاني، ونشر في التوراة اسمي، وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل، وعلَّمني كتابه، ورفعني في سمائه، وشقَّ لي اسماً من أسمائه"(1). وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله: "وجعلني رسول الرحمة، ورسول التوبة، ورسول الملاحم، والمُقَفِّي، قفيّت النبيين جماعة، وأنا المقيم (القيم)، الكامل، الجامع"(2)، وسوف أتطرق في المجال المنظور للأحاديث التي تعرَّضت لذكر أسماء النبي صلى الله عليه وآله وألقابه وما تشي به من مضامين ومعاني بحسب النصوص والروايات. ورد في كنز العمال ما لفظه: "إن لي عند ربي عزَّ وجلَّ عشرة أسماء: محمد، وأحمد، وأبو القاسم، والفاتح، والخاتم، والماحي، والعاقب، والحاشر، ويس، وطه"(3).
* محمد:
في حديث جابر المتقدِّم: وشقَّ لي اسماً من أسمائه فسماني محمداً وهو محمود، وأخرجني في خير قرن من أُمَّتي. وفيه أيضاً: وجعل اسمي في القرآن محمداً فأنا محمود في جميع القيامة في فصل القضاء، لا يشفع أحد غيري. وفي حديث آخر: أما محمد فإني محمود في الأرض(4).
* أحمد:
"أما أحمد فإني محمود في السماء"(5). وفي حديث آخر: "وسماني في الإنجيل أحمد، فأنا محمود في أهل السماء، وجعل أمّتي الحامدين"(6).
* أبو القاسم:
في حديث النبي صلى الله عليه وآله: "وأما أبو القاسم فإن اللَّه عزَّ وجلَّ يقسم يوم القيامة قسمة النار فمن كفر بي من الأولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة"(7). وفي حديث آخر: "لأنه كان له ابن يقال له: قاسم، فكُنِي به"(8). وفيه أيضاً: "أما علمت أن علياً عليه السلام قاسم الجنة والنار، فقيل له أبو القاسم لأنه أبو قسيم الجنة والنار". والفارقليطي من أسماء النبي صلى الله عليه وآله في الإنجيل ومعناه أبو القاسم، وقد ضبطه المحقق جلال الدين الدواني في شرح هياكل النور(9).
* الماحي:
"وجعل اسمي في الزبور ماحي، محى اللَّه عزَّ وجلَّ بي من الأرض عبادة الأوثان"(10). وفي حديث آخر: "وأنا الماحي الذي يمحو اللَّه بي الكفر"(11). وفي حديث: "وأما ماحٍ فإن اللَّه ماحٍ به سيئات من اتبعه"(12).
* العاقب:
العاقب الذي ليس بعده نبي. ففي حديث: "وسمَّاني العاقب، أنا عقب النبيين، ليس بعدي رسول"(13). وفي حديث آخر: "وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء"(14).
* الحاشر:
"وسماني في القيامة حاشراً يحشر الناس على قدمي"(15). وفي حديث آخر: "وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي"(16). وفي حديث: "فأما حاشر فيبعث مع الساعة نذير لكم بين يدي عذاب شديد"(17).
* يس:
في حديث: "و(يس) اسم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله والدليل عليه قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ _ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (يس: 18)-(4 3). وفي حديث آخر: "وأما (يس) فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله معناه: يا أيها السامع للوحي ﴿وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (يس: 19)-(4 2). وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام: "في قوله تعالى ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين﴾: "يس" محمد، ونحن آل يس"(20).
* طه:
دلت الأخبار الكثيرة على أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وآله. ورد في مناسبة التسمية: لأنه صلى الله عليه وآله كان إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورَّمت، فأنزل اللَّه تعالى (طه)، وهي بلغة طي: يا محمد ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾ (طه: 2-1)(2). وفي حديث: "وأما (طه) فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله ومعناه: يا طالب الحق الهادي إليه"(22). وفي حديث: "ومعناه طأ الأرض بقدميك جميعاً، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل اللَّه: ﴿طه _ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾ (طه: 2-1) فوضعها"، وروي ذلك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، وقال قتادة: كان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم، فأمره اللَّه سبحانه أن يخفف عن نفسه، وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب(23).
* الأمي:
"وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى، وذلك قول اللَّه عزَّ وجلَّ ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾"(25)(24).
* اليتيم:
عن ابن عباس قال: إنما سمي يتيماً لأنه لم يكن له نظير على وجه الأرض من الأولين والآخرين، فقال اللَّه عزَّ وجلَّ ممتنَّاً عليه نعمة: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى﴾ أي وحيداً لا نظير لك، فآوى إليك الناس وعرفهم فضلك حتى عرفوك(26). ورد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنه قال: "إن اللَّه عزَّ وجلَّ أيتم نبيه صلى الله عليه وآله لئلا يكون لأحد عليه طاعة"(27).
* الداعي:
"وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي عزَّ وجلَّ"(28).
* النذير:
"وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني"(29).
* البشير:
"وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني"(30).
* أحيد:
"وجعل اسمي في التوراة أحيد (وهو من التوحيد) فبالتوحيد حرم أجساد أمَّتي على النار"(31).
* الموقف:
"وسمَّاني الموقف أوقف الناس بين يدي اللَّه عزَّ وجلَّ"(32).
* السبت:
ورد في تفسير حديث (لا تعادوا الأيام فتعاديكم): الأيام نحن ما قامت السموات والأرض، فالسبت: اسم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(33). وقيل: أن جميع فواتح السور هي من أسماء النبي صلى الله عليه وآله، وعدّ الحافظ شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية" في أسماء النبي صلى الله عليه وآله (مدينة العلم)، كما ذكر أن في الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا _ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب: 46 – 45) ستة من أسماء النبي صلى الله عليه وآله.
(1) الخصال للشيخ الصدوق، ص 424 .
(2) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص50.
(3) ج6، ص116.
(4) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(5) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(6) الخصال للشيخ الصدوق، ص424.
(7) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(8) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، باب معاني أسماء النبي صلى الله عليه وآله، ح3.
(9) نور البراهين للسيد نعمة اللَّه الجزائري، ج2، ص457.
(10) الخصال، الشيخ الصدوق، ص424.
(11) تفسير القرطبي، ج41، ص199.
(12) مستدرك الصحيحين، ج4، ص273.
(13) الخصال للشيخ الصدوق، ص424.
(14) مستدرك الصحيحين، ج4، ص273.
(15) الخصال للشيخ الصدوق، ص424.
(16) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج2، ص312.
(17) مستدرك الصحيحين، ج4، ص273.
(18) تفسير القمي: ص548.
(19) معاني الأخبار، ص11.
(20) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج61، ص87.
(21) تفسير القمي، ص418 417.
(22) معاني الأخبار، القمي، ص11.
(23) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج61، ص202.
(24) سورة الأنعام، الآية: 92.
(25) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج6، ص52.
(26) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، باب معاني أسماء النبي صلى الله عليه وآله، وأهل بيته عليهم السلام، ح4.
(27) ن.م.
(28) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(29) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(30) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج2، ص51.
(31) الخصال للشيخ الصدوق، ص424.
(32) ن.م.
(33) جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس الحسني، ص36.