علي أرسلان
كثيرٌ من التلاميذ يضيقون ذرعاً بالمدرسة، لمجرّد أنّ ما يُعطى لهم من معلومات لا يتناسب مع قدراتهم العقليّة، وهم بالتالي لا يستطيعون فهم هذه المعلومات واستيعابها، أو لأنّ الأجواء النفسيّة في المدرسة غير مرغّبة، أو لأنّهم يعيشون في أسرةٍ تجهل أسس التربية البنّاءة. هكذا شعور غالباً ما يؤدّي إلى مشاكل وصعوبات، كفقدان الرغبة بالمدرسة ومواصلة الدراسة، وكره المدرسة، والتأخّر الدراسي. وسنحاول هنا تسليط الضوء على أبرز الصعوبات التي تواجه التلميذ في مدرسته، وتشكّل محلّ ابتلاءٍ للعديد من أولياء الأمر والمربّين.
* التأخّر الدراسيّ:
هو حالة تأخّر أو تخلّف أو نقصٍ في التحصيل الدراسيّ، نتيجة لأسباب عقليّة أو جسميّة أو اجتماعيّة أو نفسيّة، حيث تتدنّى نسبة التحصيل دون مستوى الوسط. وفي المدرسة يقاس التأخّر الدراسيّ على أساس العلامات التي يحصل التلميذ عليها في امتحانات المواد كافّة. وللتأخّر الدراسيّ نوعان: تخلّف عام يرتبط بنسبة الذكاء، وتخلّف خاصٌّ في مادّة معيّنة كالرياضيات أو القواعد مثلاً، ويرتبط بنقص القدرة. والحديث عن العلاج يتطلّب معرفة العوامل التي أدّت لهذا التأخّر، فقد يكون ناتجاً عن مشكلة في السمع أو البصر لدى الطفل، أو ناتجاً من ضعف صحيٍّ وجسديٍّ عام، وقد يرجع إلى انخفاض نسبة ذكاء الطفل وصعوبة المادة الدراسية. وقد يعود إلى ضعف طرائق التعليم المتبّعة في المادّة أو المدرسة بشكل عام، أو العلاقة السلبيّة بين التلميذ وأسرته، أو بينه وبين معلّمه. وكثيراً ما يكون السبب اجتماعيّاً، حين يعيش الطفل الصراعات العائلية والتوتر والحرمان، أو حين لا يجد مكاناً مريحاً ليدرس فيه، وقد يكون السبب في الأسرة التي تكلِّف ابنها بأعمال تلهيه عن واجباته الدراسيّة(1).
* كُره المدرسة
يمثّل كره المدرسة والخوف منها مشكلة رئيسيّة، ومصدر معاناة للأسرة، ويظهر هذا الخوف على شكل انزعاج شديدٍ وارتعابٍ وتمارضٍ في صباح اليوم المدرسيّ، وبكاء وتوسّل للبقاء في المنزل(2). ويحدث أحياناً، أن يتحوّل هذا الخوف إلى خللٍ وظيفيٍّ، فيشكو الطفل آلاماً مبرحة في بطنه، أو يتقيّأ أو يشكو صداعاً مؤلماً، وقد يعود الطفل إلى سلوك قديم، كأن يتبوّل في فراشه. وتزيد خطورة الموقف عندما تتعامل الأسرة مع ولدها كمحتالٍ يتظاهر بالمرض ليبقى في البيت، وفي الواقع يكون الطفل فريسة مشاعر لا واعية... إنّه يكره المدرسة لكنه يجهل الأسباب. على الأسرة أن تفهم الأسباب، أن تعرف أنّ المدرسة تبعده عن أمّه، وأنّ المشكلة تصبح مشكلة فراقٍ وحرمان عاطفيٍّ، يعانيها الطفل كلّما قيل له: إذهب إلى المدرسة. إنّ السبب هنا، هو "الأم" التي أفرطت في إظهار الحبّ لطفلها، حتّى منعت شخصيّته عن الاستقلالية. على الأمّ أن تفسح المجال لطفلها ليبرز بشخصيته المستقلة، وتشير الإحصائيات إلى أن حالة الكره للمدرسة والخوف منها أكثر ما تكون عند الطفل الوحيد(3).
* القلق الحاد:
قد يستمرّ هذا العارض عند الطفل لنصف ساعة، وقد يتكرّر لمرّات عدّة في اليوم أو الأسبوع، ويعيش الطفل هذا العارض بذعر شديدٍ يتمثل بالتعرّق والرجفة، فيستنجد ويشكو ألماً في قلبه أو بطنه أو ضيق تنفّس... ممّا يخيف الأهل لظنّهم أنّها عوارض ذبحةٍ قلبيّة أو ربو... بينما قلب الطفل وصدره وحالته سليمة، والخلل نفسيٌّ بالكامل. إنّ ظهور هكذا عوارض، يرتبط عادةً بوفاة قريبٍ أو صديق، أو حين يخاف الطفل من فقدان عطف من يحبهم، أو حين يفقد هذا العطف فعلياً... فالمسألة متعلّقة دوماً بالآخرين. فمثلاً، إذا شعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه عند أبيه، وظهر عارض القلق عنده، فالحلّ هنا مرتبطٌ بالأب الذي عليه إزالة أسباب المشكلة. على الأب أن يبحث عمّا إذا كان قد عانى في طفولته من أبٍ قاسٍ، وهو لذلك يتبنّى في اللاّوعي تربية طفله كما تربّى، وعليه هنا المعالجة بتعديل نمطه ومواقفه تجاه ابنه(4).
* الإرهاق المدرسيّ:
يمكن للإرهاق المدرسيّ أن يشكّل خطراً على صحة التلميذ ونتائجه، وهاجساً تجهل الأسرة كيفيّة التعامل معه.وتبدو علامات التعب والإرهاق على وجه الطفل حال عودته من المدرسة، من عينيه المثقلتين وتثاؤبه وصعوبة تركيزه، تنعكس إلى تصرفات شغبٍ، وعدوانية، ويظهر ذلك أيضاً، في صعوبة الاستيقاظ في الصباح، وفي انخفاض حماسته للعب، وتدهور علاماته المدرسيّة. وهنا ننصح بتنظيم حياة الطفل ووقته، فنراقب فترات مشاهدة التلفاز، ونقسّم الدرس وإعداد الواجبات على فترات يتخلّلها اللعب والرياضة، فمثلاً، طفل بعمر 12 سنة، يصعب عليه التركيز لأكثر من ثلاثة أرباع الساعة دفعة واحدة. وننصح أيضاً بتنويع وجبات الغذاء، وتعزيز "الترويقة" قبل المدرسة، ووضع الفاكهة في الحقيبة ليتناولها الطفل في الفرصة اليومية. وقد يكون السبب في الإرهاق نفسياً كشجارٍ مع زميل، أو تعرّضه للضرب من معلّمه، ما يترك أثراً نفسياً بالغاً في الطفل(5). إنّ إهمالاً لواحدةٍ من هذه الصعوبات، يؤدّي إلى نتائج وخيمة يصعب حلّها فيما لو تراكمت، ليس أقلّها حدوث نفورٍ حادٍّ من كلّ ما له علاقة بالعلم والتعلّم، وهنا تكمن أهم الحلول في تعزيز تفاهم الأسرة والمدرسة وتعاونهما في سبيل تقليص وتخطّي هذه الصعوبات المدرسية.
(1) د. عبد الرحمن العيسوي، مشكلات الطفولة والمراهقة، بيروت: دار العلوم العربية، 1999.
(2) عبد الستّار إبراهيم وآخرون، العلاج السلوكي للطفل: أساليبه ونماذج من حالاته، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1993.
(4) (3) المركز التربوي للبحوث والإنماء، علم النفس التربوي، بيروت.
(5) دار الحدائق، الملف التربوي، نصائح لتفادي الإرهاق المدرسي، بيروت: دار الحدائق، ص12.