مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية اللَّه‏: ليظهره على الدين كله‏

الشيخ نعيم قاسم‏

 



خلق اللَّه الإنسان، ومنحه قدرة الاختيار بين الإيمان والكفر، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر (الكهف: 29)، وجعله خليفة له على الأرض مخاطباً ملائكته، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة (البقرة:30)، وكانت صورة حياة الإنسان التي أرادها اللَّه حاضرة في انتصار الحق على الباطل، وانتشار الإسلام مقابل الطواغيت، وإقامة العدالة العالمية في آخر الزمان على يد الإمام المهدي عجل الله فرجه. فإذا أردنا استشراف المستقبل من خلال انحراف البشرية وازدياد الظلم، وحسبنا الاحتمالات بطريقة مادية، فلن نصل إلى إمكانية سيادة الحق على الباطل، لكن عندما نعود إلى اللَّه تعالى، ونقرأ آيات القرآن الكريم، ونتأمل في خطاب العليم القدير الخبير، نسلِّم بانقلاب المعادلة بحسب الآيات والروايات، بطرق لا نعلم خطواتها الكاملة، لينتصر الإسلام في نهاية المطاف مهما كانت التعقيدات والصعوبات والمخاطر، وهذا وعد اللَّه للمؤمنين.

إنَّ قيادة وسيادة الإسلام حتمية، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون (التوبة: 33 - 32). وقد رُوي أن علياً عليه السلام تلا هذه الآية وسأل الحاضرين: هل ظهر الإسلام على الدين كله بعد أن أرسل اللَّه رسوله بالهدى ودين الحق؟ فقالوا: نعم؟ فقال لهم: كلا والذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلاّ وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، بكرة وعشياً(1). وعندما سئل الإمام أبو جعفر الصادق عليه السلام عن تفسيرها قال: "إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحدٌ إلاَّ أقرَّ بمحمد صلى الله عليه وآله"(2). وها نحن اليوم نرى عودة الصحوة الإسلامية بعد غياب طويل، على الرغم من كل الإساءات للإسلام والمسلمين من المستكبرين والمستعمرين والجهلة، ونرى سقوط كل الأفكار المادية التي لم تعمِّر طويلاً في العالم، ونشهد تعطشاً روحياً كبيراً للعودة إلى دين اللَّه، حيث فوجئ المحلِّلون والدارسون بإقبال الناس من جديد على الإسلام الذي يمثِّل البلسم والحل الحقيقي للإنسانية جمعاء. إنَّه وعد اللَّه الذي لا يُخلف وعده، في أن تتراكم الأمور بطريقة تمهِّد لظهور الحجة عجل الله فرجه ومعه العدل الشامل، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (النور: 55)، وقد روى العياشي بإسناده عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قرأ الآية، وقال: "هم واللَّه محبونا أهل البيت، يفعل اللَّه ذلك بهم على يدي رجل منَّا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل اللَّه ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً"(3). وهو وعد صريح وواضح، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5)، والمروي عن أهل البيت عليهم السلام أن المستضعفين هم أهل البيت وأنصارهم. فالحياة البشرية سائرة باتجاه تحقيق القيادة والوراثة للاستقامة والعدل والصلاح.

هذا الوعد لم يقتصر على وعد القرآن الكريم، وإنما ورد في الرسالات السماوية كافة، فلم تخلُ رسالة من الحديث عن المخلِّص والمنقذ، بل لم تخلُ عقيدة بشرية من الإيمان بمن سيأتي ليخلص البشرية، وهو مستفاد من سعة انتشار الوعد الإلهي من خلال الأنبياء عليهم السلام عبر التاريخ، قال تعالى في القرآن الكريم عن كتاب النبي داود عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء: 105)، قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: "هم أصحاب الإمام المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان"(4). تكمن العبرة في إظهار الدين على كل ما عداه ولو كره الكافرون والمشركون والمنافقون، ومهما اجتمعت قوى الكفر والانحراف، ومهما كانت إمكاناتها وقدراتها، ومهما كان تفوقها وتقدمها، فإنَّ لها سقطة مدوّية، كما حصل للظَلَمة عبر التاريخ، حيث علوا كثيراً، وتجبروا على المجتمع البشري آنذاك، لكنَّ ملكهم لم يدم، وسرعان ما أصبحوا قصة في التاريخ، لا تحمل تفاعلاتها إلى حاضرنا ومستقبلنا، وإنما تحمل العبرة والموعظة منها. أمَّا دين اللَّه فهو الأصل والثابت، الذي لا يخضع للتقلبات في الزوال والانحسار، وإنما ينحسر عن مسرح الحياة بفعل أنصاره الذين تخلوا عنه، ثم سرعان ما يعود قوياً بارزاً ومؤثراً مع عودة المؤمنين إليه، فهو الدين القيِّم الذي لا يعادله أي مبدأ قيمة وفعالية، مع وعد اللَّه الذي لا يخلف وعده، فظهوره على الدين كله حاصل لا محالة.


(1) مبادئ الثقافة المهدوية للشيخ مهدي فتلاوي، ص‏53 عن ينابيع المودة.
(2) المصدر نفسه، ص‏53.
(3) مجمع البيان للشيخ الطوسي، ج‏7، ص‏267.
(4) مجمع البيان للشيخ الطوسي، ج‏7، ص‏120.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع