هنادي سلمان
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ (النحل: 78). لعل حاسة السمع هي من أهم النعم الإلهية التي منحها اللَّه سبحانه وتعالى للإنسان، فمن خلالها يكتسب الكثير من المعارف والخبرات، مما يساعده على تنمية قدراته العقلية والشعورية. ومن خلالها يمتلك الحس السوي المرهف الذي تولده أصوات الطبيعة بجمالياتها المختلفة. ومن العجب أن يجحد الإنسان هذه النعمة الإلهية وأن يقوم بما من شأنه إضعاف سمعه أو ربما القضاء عليه. الواقع أن هذا ما يحصل فعلاً، فالضوضاء والأصوات الصاخبة التي باتت ترافق لحظات حياتنا كافة، حتى خلال الليل، هي خطر يهدد آذاننا بآثاره السلبية التي لا تحمد عقباها.
* مصادر الأصوات الصاخبة (الضوضاء):
لقد أصبحت الأصوات الصاخبة من ضروريات حياتنا، لأن مصادرها تلتف حولنا من كل ناحية، وكيفما اتجهنا، في منازلنا حيث الغسالة والجلاية والمكنسة الكهربائية والموسيقى التي لا يحلو للبعض سماعها إلا بصوت عالٍ، وفي الشوارع حيث وسائل النقل المختلفة والتي تشكل، بما تحدثه من أزمة سير وأصوات أبواق، حوالى 60% من أسباب الضوضاء. هذا فضلاً عن سيارات لا تسير في الطرقات إلا بهدف "الكزدرة" ولا يُطرب صاحبها بالموسيقى إذا لم تكن في أقصى علوها. أما المصانع والمعامل فهي متوزعة هنا وهناك وبين الأحياء السكنية، مما يزيد الأمر سوءاً.
* مخاطر الضوضاء الصحية:
تؤكد الدراسات العلمية بأن الضوضاء من أهم المشكلات التي تهدد صحة الإنسان وتؤثر على قدرته الذهنية وحالته النفسية(1). ويزداد الخطر بازدياد الضجيج ويتعاظم كلما طالت المدة وتكرر الضجيج. والضوضاء إذا جاوزت قوتها حداً معيناً تؤدي إلى الاضرار بالأذن الداخلية واتلاف الخلايا الحسية السمعية وهي خلايا شديدة الحساسية. وقد أثبتت الدراسات التي قام بها باحثون أميركيون وبريطانيون أن الشباب الذين يمضون ساعات طويلة وهم يضعون سماعات على آذانهم سوف ينتهي بهم الأمر لا محالة إلى الصمم وفي سن مبكرة كما أثبتت أن مستوى الصوت الذي ينتج عن الأجهزة الالكترونية والكهربائية يؤدي إلى ضرر كبير بالأذن الداخلية(2). والضوضاء لا تضر بسمع الإنسان فحسب بل تضر ببصره أيضاً حيث اتضح أن خلايا عصبيات شبكية العين لها قدرة على التمييز بين درجات كثافة الصوت ولكن وظائف هذه الخلايا تصبح ضعيفة بفعل الضوضاء(3).
* أثر الضوضاء على الصحة النفسية:
تثير الضوضاء لدى الإنسان وضعاً عصبياً وتوتراً نفسياً شديدين يؤديان إلى مضاعفات أخرى مثل القرحة المعدية والاثني عشر، والذبحة الصدرية وذلك بسبب حدوث زيادة في إفراز بعض الهرمونات في الجسم وبخاصة هرمون "الأدرينالين" وهورمون "الكورتيزون". أما بالنسبة للحالة النفسية والعصبية فقد ثبت تأثرها تأثراً مباشراً نتيجة الضوضاء المرتفعة التي تؤثر على قشرة المخ وتؤدي إلى نقص النشاط الذي يستتبع القلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك والغضب وقد تحدث مشاجرات نتيجة ذلك. وإذا ما كان الجهاز العصبي عاجزاً عن التكيف مع الضوضاء المستمرة قد يصاب الشخص بانهيار عصبي(4).
* ما هي الحلول المقترحة؟
أليس من حقنا أن نعيش بهدوء، وخاصة بعد يومٍ من العمل والتعب؟ صحيح أنه من الصعب أن نقضي على مصادر الأصوات الصاخبة ولكن بالامكان أن نقللها إلى الحد الذي ينقذنا من مخاطرها.
1- إن أول ما يمكننا فعله هو الاعتياد على التحدث بصوت منخفض﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان: 19).
2- خفض صوت المذياع أو التلفزيون، ليس من أجل الآخرين، وإنما من أجلنا نحن في البداية.
3- التخفيف من استخدام بوق السيارة "الكلاكس" أو مسجلات الكاسيت داخل السيارات.
4- التقليل قدر الإمكان من استعمال الآلات الكهربائية التي تصدر أصواتاً مزعجة.
5- اللجوء إلى الطبيعة لتنقية آذاننا من الأصوات الصاخبة التي تؤذيها، لما للأشجار والطبيعة من دور في تثبيت الأصوات وخفض شدتها، ولما يتبع ذلك من راحة نفسية ننشدها جميعنا.
(1) و(3) ثبت علمياً، محمد كامل عبد الصمد، الجزء الثالث، ص73 - 72.
(2) مجلة الصِّفر، وللموسيقى أضرارها، العدد 28.
(4) ثبت علمياً، م.س.