نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

هل يجوز التصرف بأموال الدولة؟

الشيخ محمد زراقط

 



* حقيقة الدولة وماهيتها:
لم يتفق الباحثون في مجال الفكر السياسي على مدلول واحد ومحدد لمصطلح الدولة، عندما أدخلوا عليه توصيفات إضافية. ولكن ربما تمكن الإشارة إلى ضرورة وجود عناصر ثلاثة تؤدي عند توفرها إلى تكوُّن مفهوم الدولة، هي:

1- الإقليم: وهو المجال الذي تُمارس الدولة سلطانها عليه، وتجري مقرراتها ضمنه.
2-السيادة: وهي العنوان الأبرز الذي يشير إلى وجود هيئة سياسية تبسط سلطتها.
3- الشعب: وهم الأفراد الذين تنبثق منهم هذه السلطة وتطبق عليهم قوانينها وسياساتها(1).

وعندما تتوفر هذه العناصر الثلاثة ينبثق مفهوم الدولة ويخرج إلى حيز الوجود. وتختلف التوصيفات التي تنسب الدولة إليها أو تنسب هي إلى الدولة باختلاف طبيعة كل عنصر من هذه العناصر أو باختلاف طبيعة العلاقة في ما بينها، فعندما تنبع الدولة من الأمة توصف بالمشروعة وإذا كانت مفروضة على الأمة من خارجها لم تكن مشروعة مهما اختلفت التسميات أو تعددت.

* ضرورة الدولة في الفكر الإسلامي:
لقد آمن المسلمون تبعاً لشريعة الرسول محمد صلى الله عليه وآله بضرورة وجود دولة تنظم أمور الناس وتدير شؤونهم؛ ولذلك عندما استقر الأمر بالنبي في المدينة سعى إلى تأسيس الدولة وممارسة سلطته على الناس بغرض بسط العدل والقسط في ما بينهم وأمر الله المسلمين بضرورة السمع والطاعة حيث يقول تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (النساء: 65). وعلى الصراط نفسه سار الأئمة من بعد رسول الله فنجد أن علياً عليه السلام لم يخجل من المطالبة بحقه في الدولة رغم أنه يرى: "لولا... ما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز"(2). وفي مورد آخر يُفضِّل النعل البالية على الإمارة ويقول: "لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"(3). وفي كلمة رائعة تكشف عن إيمانه عليه السلام بضرورة قيام الدولة رغم التحفظ على بعض مواصفاتها يقول: "وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفي‏ء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر"(4). إذاً، وانطلاقاً من هذا الفهم لمسألة الدولة لا بد من الإيمان تبعاً للقرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله بضرورة السعي لإقامة الدولة لما تكفله من مصالح الناس مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

* ملكية الدولة في الفكر الإسلامي:
إذا كانت الدولة ضرورة ملحّة للمجتمع الإنساني على اختلاف ألوانه وتنوع مذاهبه فيصبح السؤال عن جواز التصرف في أموال الدولة سؤالاً عن الواضحات. فعندما يقبل المشرِّع بفكرة الدولة ويعتبرها ضرورة لتنظيم حياة الناس لا يمكن في الوقت عينه أن يجوِّز الاعتداء على أموالها من دون وجه حق. ومن المناسب الإشارة إلى وجود نوعين من المالكين من ناحية قانونية هما: الشخص الحقيقي والشخص الحقوقي أو الشخص المعنوي. ومثال الأول ملكية الناس العاديين كأن يكون مال أو بيت أو سيارة ملكاً لفلان من الناس. ومثال الثاني أن يكون المالك جمعية أو مؤسسة أو غير ذلك. وقد ارتضى الإسلام هذين النوعين من الملكية. وللنوع الثاني أمثلة عدة في الفقه الإسلامي كملكية الوقف من مسجد أو حسينية أو غيرها أو ملكية الفقراء من دون تحديد أشخاص معينين كما لو وقف شخص بستاناً للفقراء، فإن ملكيتهم له محترمة رغم عدم كونه محدداً بأشخاص بعينهم. وملكية الدولة من هذا النوع لأن الدولة هي جهة معنوية. ولكن لما كان هذا الأمر محاطاً ببعض الالتباسات فلا بد من محاولة توضيح مبررات ملكية الدولة من خلال الإجابة عن السؤال الآتي: هل تملك الدولة بعض الأموال؟ والجواب لا بد أن يكون بالإيجاب. وهذا ما أفتى به كثير من الفقهاء ومنهم الإمام الخامنئي دام ظله حيث يقول: "أموال الدولة حتى لو كانت غير إسلامية تعتبر شرعاً ملكاً للدولة. ويتعامل معها معاملة الملك المعلوم مالكه ويتوقف جواز التصرف فيها على إذن المسؤول الذي بيده أمر التصرف في هذه الأموال"(5) وتعدُّ هذه الفتوى نتيجة طبيعية للسياق الذي انبثقت منه وهو سياق الفكر الإسلامي ومصادره الأصيلة. ولو أردنا البحث عن المرجعية التي تستند إليها هذه الفتوى لوجدنا أن لها مبررات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من المواقف التي كانت لأمير المؤمنين عليه السلام منها: ينقل المؤرخون لسيرته عليه السلام: "أنه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال فأطفأ السراج وجلس في ضوء القمر ولم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق"(6) ولو قيل: إن هذه الدولة التي يحافظ عليها الإمام في هذه القضية هي دولة الحق المشروعة ومن الطبيعي أن لا يجوز التصرف في أموالها بغير وجه حق. فإن الإمام في القول الآتي يحرم التصرف في أموال دولة لم يكن راضياً عن كثير من تصرفاتها: "ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود إلى بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شي‏ء. ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله"(7).

* أموال الدولة الظالمة:
والسؤال الذي يستحق الوقوف عنده في هذا المجال، هو: ألا يمكن التمييز بين الدولة الشرعية التي يكون الفقيه على رأسها ليضفي عليها المشروعية وبين دولة أخرى لا تكون كذلك؟ فهل يجوز التصرف بأموال الدولة التي لا تحظى بتغطية الولي الفقيه لتصرفاتها؟ في الجواب عن هذا السؤال لا بد من التمييز بين الدولة التي يكون المؤمنون في حالة حرب معها والدولة التي تربطهم بها علاقة عادية أو جيدة. فربما يجوز القيام بالأعمال التي تؤدي إلى إضعاف الدولة المعادية؛ وهذا أمر مبرر أخلاقياً عندما لا تجد الأمة وسيلة أخرى للتخلص من النظام الفاسد أو الحاكم الظالم. ولكن ربما يحتاج الأمر إلى خطة واضحة لكي لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصالح الناس فإن أموال الدولة ليست لها وإنما هي للأمة؛ ولذلك نجد عند الإمام الخميني رضي الله عنه توصيات مؤكدة للشعب الإيراني بعدم إتلاف ممتلكات الدولة أثناء الثورة الإسلامية رغم حالة الحرب التي كانت قائمة مع دولة الشاه. ولذلك أيضاً يجيب في كلمة رائعة عندما يسأل عن مخالفة النظام اللبناني في فترة من الفترات فيجيب: "من كان غير راضٍ عن نظام ظالم عليه أن يسعى لتغييره لا لتخريبه". وأما الدولة غير المعادية فلا يوجد مبرر أخلاقي للاعتداء على أموالها ويشار هنا إلى فتوى السيد الخامنئي حفظه الله حيث يقول: "لا فرق في وجوب مراعاة احترام مال الغير وفي حرمة التصرف فيه بغير إذنه بين أملاك الأشخاص وبين أموال الدولة مسلمة كانت أو غير مسلمة، ولا بين أن يكون ذلك في بلاد الكفر أو في البلاد الإسلامية، ولا بين كون المالك مسلما أو كافراً"(8).


 (1) لمزيد من التفاصيل أنظر: الموسوعة الفلسفية العربية، مادة دولة.
(2) الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، نهج البلاغة، ج‏1، ص‏37.
(3) المصدر نفسه، ج‏1، ص‏80.
(4) المصدر نفسه، ج‏1، ص‏91.
(5) الإمام السيد علي الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات، ج‏2، ص‏325.
(6) بحار الأنوار، ج‏41، ص‏116.
(7) المصدر نفسه، ج‏31، ص‏223.
(8) أجوبة الاستفتاءات، ج‏2، ص‏326.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع