مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عدالة الإمام علي عليه السلام في بيت مال المسلمين‏

الشيخ شوقي زعيتر

 



﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(الكهف: 45). المال وسيلة للعيش في هذه الدنيا الفانية وبه يستطيع الإنسان أن يقتني ويملك ما يريد ، ولكن الخطر إذا اصبح المال هو الغاية منها فبدلاً من الجنة تكون النار عقاباً على ما ادخره الإنسان ووفره ابتغاء الراحة والرفاهية أو الجاه والسلطان أو إشباع الغرائز والشهوات. وقد يرتكب الإنسان الحرام والجرائم والحروب من اجل هذا المال تحت عناوين كثيرة، مع أن الإسلام اعتبره زينة ووسيلة واعتبر السعادة الحقيقية في نعيم الآخرة وأن الإنسان وصي ومؤتمن عليه طالما أن الرزق مقسوم من عند الله تعالى.

وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مع احتقاره للدنيا والتي دائماً يشبهها بأمور حقيرة ودنيئة "عفطة عنز... جيفة..." أو قوله عليه السلام: والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عِرَاق خنزير في يد مجزوم (عراق بكسر العين :قطعة من أحشاء البطن) مع هذا نراه حريصاً جداً على المال، ولكن أي مال؟ مال المسلمين وخصوصاً بيت مال المسلمين حيث أنه لم يفرط بدرهم واحد حتى لأقرب المقربين إليه والمحتاجين فعلاً إلى زيادة بسبب كثرة العيال والفقر المدقع. وقد عبر عليه السلام عن ذلك بقوله:

وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ(1) حَتَّى اسْتماحَنِي(2) مِنْ بُرِّكُمْ(3) صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ(4) الشُّعُورِ، غُبْرَ(5) الألوان، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ(6)، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ(7)، مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف(8) مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا(9)، فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ(10)، يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً(11)؟! هذه هي عدالة أمير المؤمنين عليه السلام... التي تعلمنا كيف نحرص على الأمانة وأن لا نسرف أو نبذر أو نفرط بها حتى لمحبينا أو المقربين إلينا.

وعندما تسلم الإمام علي عليه السلام زمام الخلافة أعاد ما كان قد وزع عشوائياً في زمن خلافة عثمان بن عفان ورده على المسلمين وهو القائل عليه السلام:
واللَّه لو وجدته قد تزوَج به النساء ومُلك تملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق (نهج البلاغة الخطبة 15، الكتاب 62). ويذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(199 2): كان علي يكنس بيت المال كل جمعة، ويصلي فيه ركعتين، ويقول: ليشهد لي يوم القيامة. وجاء في كنز العمال (36546): إن علياً كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.

وفي البحار: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أعطى ما في بيت المال أمر فكنس ثم صلى فيه، ثم يدعو فيقول في دعائه "اللهم إني أعوذ بك من ذنب يحبط العمل، أعوذ بك من ذنب يعجل النقم، أعوذ بك من ذنب يمنع الدعاء، أعوذ بك من ذنب يهتك العصم، أعوذ بك من ذنب يورث الندم أعوذ بك من ذنب يحبس القسم". وكان الإمام علي عليه السلام يحرص على أموال المسلمين كافة التي بين يديه أو التي مع ولاته كما جاء في كتابه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة: "وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال اللَّه فاصرفه إلى من قِبَلك من ذوي العيال والمجاعة، مصيباً به مواضع الفاقة والخلات وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قِبَلنا" نهج البلاغة، الكتاب: 67.

ومن كلام له عليه السلام كلّم به عبدالله بن زمعة وهو من شيعته وذلك أنه قَدِمَ عليه في خلافته يطلب منه مالاً، فقال عليه السلام: إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْ‏ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ(12)، فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ(13) فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ.(14) ولم يكن حرص أمير المؤمنين فقط على كيفية توزيع مال بيت مال المسلمين الذي بحوزته أو بحوزة ولاته أو عماله إنما في كيفية المصاريف التي يتطلبها العمل أحياناً من صرف أو هدر في الورق أو الحبر أو غيرها وهو القائل لعماله: "ادقوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عني فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، وإياكم والإكثار فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار" (الخصال 85 310). ويقول عليه السلام: شر الأموال ما لم يخرج منه حق اللَّه سبحانه. فهل من معتبر؟؟؟


 (1) أمْلَقَ: افتقر أشدّ الفقر.
(2) استماحني: استعطاني.
(3) البُرّ: القمح.
(4) شُعْث: جمع أشْعثْ، وهو صاحب الشعر المتلبد بالوسخ.
(5) الغُبْر بضم الغين، جمع أغبر : متغير اللون شاحبه.
(6) العِظْلِم كزِبْرج : سواد يصبغ به، قيل هو النيلج أي النيلة.
(7) القِياد: ما يُقادُ به كالزِمام.
(8) الدَنَف بالتحريك : المرض.
(9) المِيسَم بكسر الميم وفتح السين : المكْواة.
(10) ثَكِلَ كفرح : أصاب ثُكْلاً بالضم وهو فقدان الحبيب أو خاص بالولد. والثواكل: النساء.
(11) َظَى: اسم جهنم.
(12) الجَلْب: المال المجلوب، وجلب أسيافهم: ما جلبته أسيافهم وساقته إليهم.
(13) شَرِكه كعلمه : شاركه.
(14) الجَناة بفتح الجيم : ما يُجْنى من الشجر، أي يقطف.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع