مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المسجد الأقصى تحت نار الاعتداءات الصهيونية

الشيخ طليع حمدان‏

 



﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ...(الإسراء: 1) إن الحديث عن المسجد الأقصى ذو شجون، سيما وأنه يعتبر واحداً من المعالم الإسلامية البارزة التي اكتست طابع القداسة عند المسلمين، باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، والمبارك مع ما حوله بشهادة القرآن الكريم، فضلاً عن كونه حاضناً وشاهداً لجميع مراحل الأمة في قوتها وضعفها وذبولها وزهوّها. فما هو تاريخ هذا المسجد الشامخ والمعلم اللامع عبر التاريخ؟ وما هي أطماع الحركة الصهيونية والكيان الغاصب فيه؟

* هوية المسجد:
هو من أقدم المساجد الإسلامية بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة الذي كان "أول بيتٍ وضع للناس..."، وعندما سأل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله عن أول مسجد وضع في الأرض قال: المسجد الحرام سأله: ثمَّ أي؟ قال صلى الله عليه وآله: المسجد الأقصى، سأله: كم كان بينهما؟ قال صلى الله عليه وآله: أربعون سنة. وقد ورد في منجد الأعلام(1): "هو الحرم الشريف، من محجات المسلمين الكبرى يقع جنوب شرقيّ القدس داخل سور يضم قبَّة الصخرة والمسجد الكبير أو مسجد عمر".

بناؤه ومراحل تجديده:
المرجّح أن المسجد قبل الفتح الإسلامي عام 15 للهجرة لم تكن فيه منشآت ومبانٍ سوى السور الشرقي بسبب كونه جزءاً من سور مدينة القدس. ولكن كان يطلق على المكان كله المسجد الأقصى، وبعد أن تولى الوليد بن عبد الملك بن مروان الحكم عام (86هـ - 705م)، قام بتشييد البناء تطبيقاً لفكرة راودت أباه عبد الملك بن مروان وبعد ذلك أصبح الجزء الخالي من البناء يعرف "بالحرم القدسي". وفي أواخر الحكم الأموي (130هـ - 747م) تهدم شرق المسجد وغربيه جراء زلزال أصاب المنطقة، ثمَّ في زمن المنصور الدوانيقي (141هـ) أعيد بناؤه، وفي عام 158ه وقع البناء الذي بناه المنصور بسبب زلزال آخر فأمر الحاكم العباسي المهدي بإعادة بنائه. وفي عام 425هـ - 1032م ضربه الزلزال مجدداً فقام الحاكم الفاطمي "الظاهر لدين اللَّه" بإعادة بنائه مضيفاً إليه بعض الأروقة. وعندما احتل الصليبيون مدينة القدس، عمدوا إلى تحويل جزء منه إلى كنيسة، وجزءاً آخر إلى مسكن لفرسان الاستيبارية، وأضافوا إليه بناء جعلوه مستودعاً لذخائرهم. وعندما حرّر صلاح الدين القدس، أعاد بناءه وجدّده، ووضع فيه المنبر الحلبي الشهير الذي أرسله نور الدين زنكي من حلب. وفي زمن المماليك والأتراك، خضع المسجد لإصلاحات عديدة وتجديدات، حافظت على شكله الحالي الذي يعود تاريخه إلى زمن الأيوبيين. وفي الربع الأول من القرن العشرين عام 1925م جرت عملية إصلاح واسعة لتدعيم القبّة والبناء، وتكرر ذلك عامي 1938م و1963م قبل سقوطه بيد الصهاينة عام 1967م.

* أطماع اليهود:
إن أطماع الصهيونية العالمية في فلسطين ومدينة القدس نابعة بحسب زعمهم من أنها أرض الميعاد وموضع هيكلهم المفترض الذي يسعون لاعادة بنائه بعد أن هدمه القائد الروماني "طيطس" عام 70 للميلاد، ويبذلون جرّاء ذلك الغالي والنفيس ويكيدون للأمة كل يوم شتَّى المؤامرات للوصول إلى هدفهم المنشود وحلمهم الموعود. وقد ورد في دائرة المعارف البريطانية ما يلي(2): "إن اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل واجتماع الشعب في فلسطين واستعادة الدولة اليهودية واعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود". وقد روى السيد محمد أمين الحسيني(3) أن السير البريطاني اليهودي )الفرد موند( الوزير البريطاني السابق قال: "إن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريباً جداً، ولذا فإني أكرس ما بقي من أيام حياتي لبناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى". وفي فترة الانتداب وزع اليهود صوراً لزعيمهم "هرتزل" وهو يدعو جموع اليهود لدخول الهيكل المتمثل في الصورة بالمسجد الأقصى وعليه العلم اليهودي. وصرح رئيس حاخامي اليهود في فلسطين بعد قيام دولتهم الغاصبة(4) عام 1948: "إن عاصمة الدولة اليهودية لن تكون تل أبيب بل ستكون القدس، لأن فيها هيكل سليمان... وإن شباب اليهود سيضحون بحياتهم لاسترداد مكانهم المقدس الهيكل (مكان المسجد الأقصى)". وأما "بن غوريون" رئيس حكومتهم فيؤكد المقولات السابقة قائلاً(5): "أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل". ولم يكتفِ اليهود وزعماؤهم بترداد تلك المقولات الزائفة والكاشفة عن شخصيتهم العنصرية وميولهم العدوانية، بل أنهم بمجرد احتلالهم لمدينة القدس عام 1967م شرعوا باستخدام أساليب اجرامية جديدة من شأنها أن تؤدي فيما لو نجحت إلى هدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم.

* الاجراءات العدوانية:
قام اليهود بعد احتلالهم للقدس باعتداءات عديدة أهمها:

1- اقتحم حاخام الجيش الإسرائيلي وزمرته المسجد ونفخ في بوقه داخله وأقام الصلاة في جمع من كبار الضباط ورجال الدين اليهود داخل الحرم وذلك بعد دخولهم القدس في حزيران من العام 1967.

2- أقدم الصهاينة في 21 آب 1969م على إحراق المسجد الأقصى بخطة محكمة حيث أتت النيران على سقف ثلاثة أروقة من المسجد وعلى المنبر الحلبي القديم منذ العهد الأيوبي، وكادت أن تؤدي إلى إحراق المسجد كله، لولا تدخل العناية الإلهية وهمة السكان العرب مسلمين ومسيحيين لإطفاء النيران بما تيسر من أدوات، سيما بعد أن تعمدت السلطات الإسرائيلية إبطاء عمليات الإطفاء، ثم ألصقت التهمة بشاب وجرت محاكمته ثمَّ تبرئته بحجة أنه مريض عصبياً، وقُيدِّ الملف ضدّ مجنون؟! ثم أقدموا مرة أخرى على إحراقه وذلك بتاريخ 30 آب 1973.

3- عمل الصهاينة دائبين لتغيير معالم مدينة القدس وإزالة معالمها العربية والإسلامية، وضم القدس (العربية) إلى الكيان الغاصب وبناء الأحياء اليهودية فيها لايجاد غالبية يهودية فيها ليسهل في المستقبل تنفيذ مخططاتهم المشؤومة.

4- قام بعض اليهود إثر الاحتلال برفع قضية أمام محكمة العدل العليا بالقدس يدّعون فيها ملكيتهم للمسجد الأقصى والأرض المحيطة به، ولكن الزعماء المسلمين رفضوا المثول أمام المحكمة شاجبين تلك المزاعم الباطلة.

5- أرسل شخصان أمريكيان يمثلان محفلاً ماسونياً برسالة إلى الهيئة الإسلامية بالقدس، طلبا فيها الإذن ببناء محفلٍ ماسوني في الحرم القدسي لقاء 100 مليون دولار.

6- قام اليهود بعد احتلالهم القدس، بعمليات هدم وتدمير لحي المغاربة ولأكثر من 150 عقاراً من الأبنية الأثرية والدينية وأملاك الوقف الإسلامي، للكشف عن 200 متر من حائط البراق(6) المبكى بدل الثلاثين ياردة الظاهرة منه.

7- قام اليهود بأعمال الحفر في مواضع مختلفة تحت الحرم الشريف، بحجة البحث عن آثار تدل على وجود الهيكل لكن دون جدوى، وأخطر تلك الحفريات تلك التي قامت في الجزء الجنوبي من الحرم وتحت المسجد الأقصى بالذات، حتى تؤدي تلك الحفريات إلى تشقق المسجد الأقصى وتصدعه.

وهكذا لم تهدأ الهمجية الصهيونية في اعتداءاتها المتكررة على المسلمين ومقدساتهم بل تطورت مع الوقت متوسلة أساليب عدوانية جديدة لضرب الروح الإسلامية في أقدس مقدساتها، وليست انتفاضة الأقصى الأولى والثانية إلا رداً معبراً من أصحاب الأرض على ما يحاك لتلك البقعة الطاهرة من أرض الرباط، وعندما سألت مجلة تايم الأميركية المؤرخ اليهوديّ إسرائيل الداد حول اعادة بناء هيكل سليمان، وماذا سيكون مصير المسجد الأقصى؟ أجاب مبتسماً: "طبعاً إنه موضوع بحث، ولكن من يدري؟! فقد تحدث هزَّة أرضية!". وختاماً إن ما يحدث في فلسطين من اجرام وقتل للأطفال والنساء والشيوخ وهدم المنازل وتلف المزروعات لحريٌّ أن يُحدث هزَّة عند المسلمين، فينتفضون مع المنتفضين ويضحّون مع المضحّين، عندها تنقلب المؤامرة على المتآمرين، ويعود لنا الأقصى وفلسطين...


 (1) منجد الأعلام، دار المشرق، بيروت، الطبعة الرابعة والثلاثون، ص‏532.
(2) دائرة المعارف البريطانية، طبعة 1926، المجلد 28 - 27، ص‏987 - 986.
(3) مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني عليها.
(4) مأساة القدس والمسجد الأقصى المبارك بين تمادي اليهود وسكوت المسلمين، منشورات المؤتمر الإسلامي، محرم 1390هـ، ص‏14.
(5) نفس المصدر.
(6) حائط المبكى بدعة ابتدعتها الصهيونية العالمية لربط اليهود بمركز يبكون فيه على ما وراءه، بغية تجميعهم لاعادة بناء الهيكل.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع