إعداد: محمود دبوق
الكاتب: آية اللَّه محمد رضا مهدوي كني.
الناشر: دار الهادي.
قليلةٌ هي الكتب التي إذا ما اتسع حجمها وكثرت تفاصيلها، تجد لها قارئاً مأخوذاً بالمضمون الذي تحويه، لكن هذا الكتاب وبحقيقة مجرّدة هو من بين هذه الكتب المميّزة وهو مقسَّم إلى جزئين، ويتفرد بمتانة المقدّمة والمدخل الأساسيين اللذين تسنح فيهما الفرصة للقارئ أن يصبح جاهزاً لفهم ما يقرب من أربعمائة وخمس وستين صفحة تتشكّل منها عناوين البدايات في الأخلاق والتي تعتبر روح الكتاب لناحية التفاصيل حيث تعرّض فيها آية اللَّه كني لمجموع الأخلاقيات العملية.
* الأخلاقيات والصفات الروحية:
يقول الكاتب: إنَّ علماء الأخلاق يقسّمون الأخلاقيات والصفات الروحية والنفسية للإنسان إلى نوعين:
1- فطرية وطبيعية.
2- مكتسبة واختيارية.
ثم يقدّم عناوين خاصة تنسجم مع وجهات نظر مختلفة للقضايا الأخلاقية وهي ثلاث:
1- الأخلاق النظرية أو فلسفة الأخلاق.
2- الأخلاق التطبيقية أو الأخلاق المقارنة.
3- الأخلاق العملية أو الأسلوب الأخلاقي، "وهي الأخلاق التي ينهض هذا الكتاب بدراستها".
* البعد القيمي في الأخلاق العملية:
يقوم الكاتب تحت هذا العنوان بعملية ربط بين علم الأخلاق وعلوم أخرى منها علم الفقه وعلم تجريبي آخر كعلم النفس، ثم يشرح بتفصيل هام متعلقات كل نوع من هذه العلوم بنفس الإنسان بما تحمله من فعل وانفعالات أو علاقة متبادلة بين الجسم والروح وحركة النفس التكاملية لتكون كل تلك العلاقات أساساً للدراسات القيمية والأخلاقية. ويؤكد إن الثقل القيمي هو الذي يضفي الطابع الأخلاقي على العمل وليس الجانب الغيبي أو العملي: "ومن هنا قد يتحلّى فردٌ ما بالكثير من الفضائل دون أن يكون بإمكانه تقديم تعريف منطقي للفضيلة والكرامة من وجهة النظر العملية، وبالعكس أيضاً، قد يكون بمقدور شخص ما معرفة الاصطلاحات العملية على الوجه الصحيح، دون أن يتسم بشيء من الفضيلة والورع".
* دور الأخلاق في توجيه الغرائز:
يبدأ حديثه عن أهمية النية وارتباط مصائر الأفراد والأمم بما لديهم من نوايا ومقاصد، ويُظهر دور الأخلاق في توجيه الغرائز لا في قمعها كما يعتقد أتباع بعض الديانات الأخرى وهي إذا ما قُمعت فإنها ستجمح في يوم ما وتنفجر وتُخضعُ المرء لإرادتها، ونرى أنه في هذا الموقع بالذات يعطي تفصيلاً آخر لعلم الأخلاق فيقول: "علم الأخلاق عبارة عن معرفة الغرائز والبواعث، وأسلوب ترويضها وتوجيهها نحو أهداف الخلقة العليا وأهداف خلقة الإنسان بشكل خاص". بعد ذلك يبيّن أن هذه الدراسة العلمية للأخلاق تنطلق من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مع الاستعانة بكلمات العلماء والفقهاء والفلاسفة والمفسّرين والمؤرّخين اللغويين.
* كيف يمكن للإنسان أن يهذب نفسه؟
يطرح آية اللَّه كني سؤالاً، "كيف بإمكان الإنسان أن يهذّب نفسه؟" ويجيب من خلال التعرّض لخمس نقاط أساسية:
1- أن الرياضة وجهاد النفس ضروريان لصقل النفس.
2- البدء بالقليل ثم الارتقاء شيئاً فشيئاً في تربية الروح.
3- الاستمرار في الرياضة النفسية على قاعدة الحديث الشريف "قليلٌ مدومٌ عليه خيرٌ من كثيرٍ مملولٍ منه".
4- أداء الواجبات وترك المحرمات فالخلط بين الصالح والطالح لا يوصل إلى نتيجة لأنه ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: 27).
5- الإخلاص في النية وحضور القلب، ويعرج الكاتب من خلال هذه النقطة على موضوع الفناء في اللَّه ويحذّر فيها من الأخذ والانخداع بادعاءات البعض لهذه المطالب التي تحتاج في تفسيرها إلى أهلها.
* البداية في الأخلاق العملية:
واحدٌ وعشرون عنواناً هي الجزء الثاني والواسع من الكتاب وهي مجموع المواضيع التي رتّبها الكاتب وفقاً لاستقراءاته ويرتبط العديد منها ببعضها بلحاظ معين وتفترق بلحاظ آخر، ويستطيع القارئ أن يتناولها كلاًّ على حدة، على أن تُقرأ بالترتيب الوارد إذا أمكن ذلك، وهي ما أطلق عليه البداية في الأخلاق العملية، ونحن بعد ذكر عناوينها، نقدّم منها نموذجاً واحداً للاطلاع بشكل موجز على طريقة معالجة آية اللَّه كني لهذه المواضيع وهي:
1- معرفة النفس.
2- اليقظة.
3- التذكر.
4- التفكير والتدبر.
5- الحب والبغض في اللَّه.
6- العلم بالشرائع والأحكام.
7- انتخاب الرفيق الوفي والابتعاد عن غير الصالحين.
8- الابتعاد عن المحرمات.
9- التوبة والاستغفار.
10- أداء الفرائض والواجبات.
11- الالتزام العملي بالنوافل والمستحبات وترك المكروهات.
12- المشارطة والمراقبة، والمحاسبة، والمعاقبة.
13- النية والإخلاص وتجنّب الشرك والرياء والنفاق.
14- الرياضة ومجاهدة النفس.
15- النظام والانضباط، وتقسيم الأوقات.
16- اغتنام الفرص.
17- خدمة عباد اللَّه.
18- التوكل على اللَّه.
19- حسن السلوك مع الناس.
20- الزهد.
21- القناعة.
* حسن السلوك مع الناس:
هذا العنوان هو من ألطف العناوين وأجملها التي وضعها "آية اللَّه كني" ضمن هذه الموسوعة الأخلاقية، وقد عدَّ فيها سنناً وآداباً اجتماعية في الحقوق والأخلاق الإسلامية، يقف المرءُ عند كلِّ واحدةٍ منها ليغترف من هذا المعين الجاري، وهي أربع عشرة سنّة أو أدباً أتجاوز عن تعدادها آملاً بأن يطالعها القارئ الكريم، لكننا نوجز منها موضوع "المزاح" وهو فرعٌ من "آفات اللسان" التي تقع في المرتبة الخامسة من الأربع عشرة سنّة "المذكورة". يقول: "ينبغي على المرء السيطرة على لسانه من خلال المزاح، وأن يأخذ بنظر الاعتبار جانبيه الإيجابي والسلبي... وأن يعلم بأن لكل مقام مقالاً".
* استنتاج
ثم يخلص إلى استنتاج مفاده، "إنَّ حُسنَ المزاح وقبحه أمرٌ نسبي وليس بالإمكان إعطاء رأي مطلق في المزاح، وعلى صعيد آخر لا بدَّ للمسلم أن يكون بشوش الوجه وطلِقَ المحيا خلال تعامله ومعاشرته للآخرين، كما لا بدَّ له أن يكون مؤدباً وجاداً أيضاً، ومراعاة هذين الأمرين عملية سهلة ممتنعة في ذات الوقت لأن المؤدب بالآداب الدينية والعارف بحدود الكلام، يجب أن لا يكون جامداً في علاقاته بحيث يبعث على سأم الآخرين واستيائهم من جهة، ولا مازحاً بحيث يسحقُ بمزاحه غير الحميد ولا المؤدب وكلماته الركيكة شخصيتهُ ويسيء إلى الآخرين من جهة أخرى". وتجدر الإشارة إلى أن المعالجات في شتى المواضيع والعناوين الواردة في الكتاب بعيدة كل البعد عن الملل والرتابة، وهو فعلاً بحق كتابٌ يستحق المطالعة، وهو بالتأكيد ذو فائدة عظيمة لمن يريد فعلاً أن يكون على جادة الصواب وخلوقاً بكل ما للكلمة من معنى.