مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إسلاموفوبيا Islamo Phobia..

جبهة سيكولوجية في مواجهة الحضارة الإسلامية

موسى حسين صفوان‏


إذا سلَّمنا جدلاً أن الحروب المعاصرة مدفوعة بأهداف سياسية ومشاريع سيادية، ومصالح اقتصادية، بمعنى أنها خالية إلى حد بعيد من الأهداف الحضارية، فإن هذا لا يعني أن المعنيين باتخاذ القرارات الحاسمة في مسألة الصراع، متحررون من كافة النوازع العقائدية، هذا من جهة، وأنهم من جهة ثانية لا يعمدون إلى زج العناصر الأيديولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية كافة في عملية الصراع، وذلك من أجل تحقيق أهدافهم التي يمكن اختزالها، للأسف، بعدة صفقات تجارية، رغم أن أثمانها تكون في غالب الأحيان باهظة التكاليف، بدءاً من هيروشيما وناكازاكي، وحتى استخدام أسلحة الدمار الشامل في العراق...

واليوم، في ظل التطور المذهل لوسائل الاتصال، تشن دوائر الاستكبار الغربية حرباً ثقافية لا هوادة فيها مستهدفة البنية السيكولوجية والسوسيولوجية للحضارة الإسلامية، لخلق ما يمكن أن يطلق عليه رهاب الإسلام أو الـ(إسلاموفوبيا) Islamophobia بهدف إثارة الضباب الإعلامي في وجه الخطاب الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، والتعتيم على النداءات الإنسانية التي تحاول الاستنجاد بالضمير الإنساني للحد من غلواء الاستشراس الغربي، والنهم الاستكباري لخيرات المسلمين والعرب، وبالتالي تعمل هذه الدوائر على ما يمكن تسميته؛ تبخيس الحجج الإسلامية، وتهميش الحركة الدبلوماسية المدافعة عن حقوق الشعوب العربية والإسلامية وإفقاد المنطق السليم والحجج العقلية قيمتها أمام التعاطي العصابي الذي تخلقه وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة كل يوم، بحيث تخلق حالة لا مبالاة وربما حالة تشفي إزاء سفك دماء الشعوب المقهورة في العالم الإسلامي والعربي، خاصة في فلسطين والعراق، بدل أن تخلق حالة من التعاطف الإنساني الذي يمكن أن يتحول إلى مواقف سياسية تترجم في صناديق الاقتراع...

* رهاب الإسلام (إسلاموفوبيا)
معلوم أن حالة الرهاب phobia يتم تصنيفها في مجموعة الأمراض السيكولوجية، وهي تعني الخوف الشديد غير المبرر منطقياً من شي‏ء معين أو حالة معينة، وبهذا يصعب إقناع المريض بالوسائل المنطقية والبراهين والحجج، فالذي يعاني مثلاً من رهاب الظلام، يكاد يكون من المستحيل إقناعه بأنه لا يوجد في الظلام شي‏ء يدعو إلى الخوف... وفي حالة الرهاب من الإسلام، يصبح من الواضح أن الحجج والبراهين والشروحات والتفاسير، وكل الأساليب التي يستخدمها عادة المدافعون عن الإسلام سواء من الناحية الثقافية والحضارية، أو من الناحية السياسية التي تعنى بمشروعية وعدالة وحقّانية القضايا التي يدافع عنها المسلمون في العالم، كل ذلك يصبح غير ذي قيمة، لأن المنطق والدليل والحجج تصبح في حالة الرهاب هذه غير ذات قيمة، وتصبح القيمة والفعالية للأحاسيس والمشاعر التي تمت تربيتها على مدى عقود وربما قرون من التثقيف العدواني المتوارث من جيل إلى جيل...

* لماذا الإسلام هو المستهدف؟
ويمكن لسائل أن يسأل، لماذا الإسلام هو المستهدف في هذه الحرب السيكولوجية ذات التداعيات السوسيولوجية وليس الشعوب مثلاً؟ والحقيقة أنه مرّت فترة من الزمن كان المستهدف هو الشعب العربي الذي عملت الدوائر الاستكبارية على إلصاق صورة إنسان البداوة والتخلف به، ونزع أي صورة من صور الحضارة عنه، ثم مرّت فترة الحرب الباردة حيث كان الرهاب حينها يتخذ طابع الرهاب الشيوعي، مما خفف من حدّة الصراع الغربي الإسلامي، حتى كنا نجد الغرب يقف بحماس شديد للدفاع عن قضايا إسلامية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي، قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وتحول أفغانستان إلى إحدى دول محور الشر. من هنا يمكن الإجابة على السؤال الآنف الذكر... فالإسلام هو المستهدف بالدرجة الأولى، لأن الطروحات السياسية البديلة لم تثبت جدارتها، وبالتالي لم يتبق في ساحة الصراع في وجه المستكبرين إلا الإسلام، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وطرحها مشروعها الحضاري القائم على الثقافة الإسلامية القادرة على فهم عناصر الحضارة الحديثة وصهرها في مشروع إسلامي إنساني منفتح وجاد. لقد بات الإسلام يشكل حائلاً بين الدوائر الاستكبارية ومشاريعها الهيمنوية وبين ثروات المسلمين وأراضيهم وسيادتهم... هذا من جهة، وبات يشكل من جهة أخرى، تهديداً حضارياً للمشروع الحضاري الغربي بما يحمله من منظومة ثقافية، وتجربة عملية وسلوكية، وحلول منطقية وعقلانية، وبما ينطوي عليه من تقديس واحترام الإنسان، وحفظ حقوقه وكرامته بحيث ظهر في العقود الأخيرة خاصة بعد إعلان العديد من فلاسفة القرن العشرين إسلامهم بديلاً يكاد يكون حتمياً للمشروع الحضاري الغربي، القائم على أسس براغماتية وميكيافيلية، تعتمد الصراع من أجل البقاء، وتهدر دماء وكرامة الإنسان من أجل الهيمنة والسيطرة... فضلاً عمّا تعانيه من اختلال في موازين القيم بحيث انحدرت في سحيق عميق من الرذيلة التي أدّت إلى ما يطلق عليه أمراض الحضارة؛ من تعاطٍ للمخدرات، وشذوذ، وجريمة وانتهاك حرمات وأمراض مستعصية وسمت الحضارة الغربية التي نزعت لباس الفضيلة وغرقت في بحور الشهوات الدنيئة.

* تطويق رهاب الإسلام‏
ومن الطبيعي أن لا يتسع المجال هنا لمعالجة تفاصيل هذا الرهاب الذي بات يشكل جزءاً من الجبهة الاستكبارية المفتوحة في مواجهة المشروع الحضاري الإسلامي، ولكن يمكن تحديد بعض العناصر التي تساهم في تحصين الأمّة الإسلامية من جهة، واختراق الضباب المصطنع حول الشخصية الإسلامية من جهة أخرى، ومن أهم تلك العناصر:

أولاً: توحيد الخطاب الإسلامي، بحيث تظهر الأمة الإسلامية أمّة واحدة متماسكة معافاة من التنازع الذي يؤدي إلى الفشل.

ثانياً: عصرنة الخطاب الإسلامي، وطرحه بلغة مفهومة، والحقيقة؛ لم يطرح نبي من أنبياء اللَّه الدين إلا بلغة عصره لتقوم بذلك الحجة على العباد.

ثالثاً: المسلكية الإسلامية، سواء على مستوى الأفراد أو الشعوب، ينبغي أن تكون تجسيداً عملياً للإسلام، وترجمة صادقة لمفاهيمه المدونة في بطون الكتب.

رابعاً: توحيد المرجعية الإسلامية أو على الأقل الحفاظ على حد أدنى من التفاوت بين المرجعيات السياسية ونبذ التطرف والتشدد والعصبية فإن الإسلام كان وما يزال دين الوسطية، والمسلمون كما قال سبحانه وتعالى عنهم هم الأمّة الوسط.

خامساً: تفعيل العمل الجهادي وتطويره بحيث يتمكن من مواجهة المشاريع الاستكبارية على الجبهات العسكرية والسياسية والاجتماعية والسيكولوجية والثقافية كافة، ومحاولة نزع ذرائع الاستكبار كافة في محاولة لتطويق ما يطلق عليه اليوم الرهاب من الإسلام أو الـ(إسلاموفوبيا) فمعلوم أن الأمة المنتصرة تستطيع إذا كانت تحمل القيم التي يحملها الإسلام، أن تبسط بلا شك ثقافتها على نواحي الأرض وتغسل ما كان أصابها من أدران كما فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد فتح مكة حيث غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وما كان صنعه المشركون حول شخصيته الكريمة مما يشبه الرهاب...
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع