زينب الطحان
"نيو" هو المخلّص الوحيد لشعب "زيون"، على التل حشود غفيرة تنتظره بفارغ الصبر، يطل عليهم بقامته الطويلة وكتفيه العريضتين وجبهته السوداء ليخاطبهم: "أكثر من مئة سنة ونحن نحارب هذه الآلات. وأتذكر أنه بعد قرن من الحرب ما زلنا هنا. الليلة دعونا نهز هذا الكهف، دعوا هذه القاعات المجبولة بالتراب والصخر ترتعد. دعونا نجعلهم يتذكرون بأن هذه "زيون" ونحن لسنا خائفين". وتعلو الهتافات وتموج القاعة بالرقص العاري... فيلم "MATRX RELOADED"، ثلاثية تتحدث عن فكرة المخلص للشعب اليهودي في آخر الزمان، بعدما تجتمع كل أمم الأرض ضدهم بغرض إبادتهم. يصورون فيها بقية الشعوب مجرد آلات لا عقل لها، وهم وحدهم يسعون إلى تحرير الإنسان من نير العبودية!! والأمين على تحقيق النبوءة "مورفيوس" مؤمن جداً بمجيء المخلص، حتى يجده وهو "نيو" شاب في مقتبل العمر، وتتميز شخصيته بالكثير من الخصائص التي يعتبرها مورفيوس صفات "المختار المنتظر". وتجري سلسلة أحداث ليبدأ الصراع للسيطرة على العالم في معركته الأخيرة بين الآلات و"جماعة نيو".
* المدرسة اليهودية أكثر حنكة وذكاء
عجيب أمر اليهود الصهاينة في العالم، فهم ينددون بكل فيلم يتحدث عن المسيح وآلامه، والتي كان آخرها فيلم "آلام المسيح" للممثل والمخرج الأميركي ميل غيبسون، في المقابل لا نرى أو نسمع بأية ردة فعل غاضبة أو على الأقل معترضة على العديد من الأفلام التي يصنعها دعاة اليهودية متهمين فيها العالم بأفظع الجرائم، والتي يعبرون فيها عن تصوراتهم حول المسيح المخلص الخاص بهم. ليس هناك سر رهيب تقف وراءه القضية إنما كل ما في الأمر أن دعاة المسيح عليه السلام يروجون للعقيدة المسيحية بكل ما تحمله من مفاهيم ورموز وأبعاد عن الخير والشر في إطار "السينما الواقعية". أما أتباع الصهيونية فيلجأون للترويج عن اعتقادهم بالمسيح اليهودي المخلص، ويلجؤون إلى أساليب الخيال العلمي والرمزية في فضاء سريالي من القصة والحبكة والأداء في عالم السينما. وهنا يكمن الفرق الكبير بين الرؤيتين. ذلك النمط من الواقعية والذي يتضمن أشكالاً من المباشرة في السرد والخطاب، لا يحتمل الكثير من التأويل والتفسير حول ما يقصد كاتب السيناريو أو المخرج من الرسالة التي عمل على إيصالها من خلال الفيلم. وهذا هو موطن الضعف عند العقائديين الذين يصنعون الأفلام عن المسيح عامة أمام الرمزية القصصية التي يستعملها اليهود في صناعة الفيلم المؤدلج، أي الناطق باسم إيديولوجية ما.
* زيون الكيان الصهيوني
فيلم MATRX RELOADED وإن كانت فكرته غارقة في الخيال العلمي إنما تمكن من تشكيل رؤية فلسفية أعادت إلى العالم الغربي التفكير بشكل مغاير حول فكرة المخلص في آخر الزمان. تحدث جميع النقاد عن الجزء الأول بأن هناك فلسفة تتصل بعلم الأنثربولوجيا تعالج مشاكل الإنسان العصرية برؤية عميقة الجذور لأصول الإنسان وآماله في الحياة وتعلمه كيف أن معرفته لنفسه هي مفتاح الحل الأسلم والأفضل له وللآخرين. وهذه المعرفة هي التي تحفِّز نيو "المخلّص" للاهتداء إلى قدراته الخارقة التي ينكرها ويرفض تصديقها فعلاً، وأهمها بأنه هو المختار!! وساد الاعتقاد بأن الفيلم يعالج بفلسفة رائعة كيف يجب أن يتخلص الإنسان العصري من تحكم التكنولوجيا به، ولكن بعد عرض الجزء الثاني في صالات السينما عام 2003 والجزء الثالث في 2004، بدأت الصورة تصبح أكثر وضوحاً، حول الهدف الذي تجري حوله أحداث الثلاثية. فزيون المدينة العالقة في وسط عالم الآلات المتحكمة بحياة الناس وأرواحهم والتي بقيت تواجه هذه السيطرة بكل ما أوتيت من قوة على مدى مئة عام خلت، ما هي سوى "إسرائيل" المحاطة بالعالم العربي. وأعضاء البرلمان فيها منهم المتدين المؤمن "بقدوم المخلص"، ومنهم الذي لا يؤمن سوى بالقدرات والإمكانيات التكنولوجية المتطورة لتحقيق الحلم. وفي مقارنة سريعة بين "الكيان الصهيوني" والحركة الصهيونية السياسية التي أُنشئت منذ ما يقارب المئة عام وبين أحداث الثلاثية، سنلاحظ النماذج الثلاثة للقومية والتي كان قد أوجدها المؤرخ الروسي "سلمون دوفنوف" صاحب فكرة "القومية الصهيونية" أو "قومية الشتات" كحل توفيقي لتبرير هذه القومية. الأول: النموذج القبلي واللصيق بالطبيعة والأرض، وهنا نرى ممَّ تتكون "زيون": مجتمع قبلي متطور لصيق بالكهف حيث الصخور والتراب والأرض. والثاني: النموذج الإقليمي والسياسي، وهو أقل ارتباطاً بالأرض وأكثر ارتباطاً بالدولة الحديثة، وهو بالضبط الكنيست المتنوع بالعلمانيين والمتدينين والأنظمة والقوانين التي تسير عليها مدينة "زيون". أما الثالث: النموذج الروحي، فهو المستند على الوعي بالذات التاريخية، وهذه هي القومية الصهيونية، وهذا النموذج لا ينطبق إلا عليها.
* يسوع اليهودي في صورة نيو
كان منهج هرتزل العلماني، متمازجاً مع المذهب اليهودي بمسلَّمته الرجعية حول "شعب اللَّه" وتعاليم الحاخامين عن الاختيار الإلهي لليهود، والدعوة إلى "سيادة الروح اليهودية" وإقامة آلية دولية تقف فوق "جميع الشعوب واللغات" بالإضافة إلى أن هذا كله لا يحتل المكان الأخير في ظهور وتكون الصهيونية فالوحي الإلهي الذي ورد في الكتب المقدسة، والذي فسر على أيدي حكماء التلمود يستخدم لدى السياسيين الصهاينة في النظرية العرقية حول تفوق اليهود على جميع الإنسانية الباقية، واحترام نيران التعصب والسيطرة على إرادة الآخرين وترسيخ حالة "القدسية" حول الكيان الصهيوني. وهذا في الحقيقة ما يفسر سر كيفية إنتهاء الجزء الثالث من الفيلم، حيث ينتهي الصراع بتضحية "نيو" بنفسه كي ينقذ "شعب زيون" من الموت الحتمي الذي حاصرها من كل الجهات من قبل مجتمع الآلات في اللحظات الأخيرة بعدما استنفدت كل الأسلحة للدفاع عنها. فموت "نيو" المخلِّص أو المختار وسبب موته يُجسَّد في الفيلم على طريقة صلب السيد المسيح، وفي هذا دلالة قوية على ما يدعونه من ارتباط بين اليهودية والمسيحية أو المسيحية المتصهينة. وتبدو هذه الخاصية جداً واضحة في الفيلم ففي الجزء الثاني عندما تهبط سفينة "نيو" في المدينة يجد بانتظاره جمعاً كبيراً من الناس المحتشدين يحملون القرابين وتقترب منه النسوة طالبات منه شفاء مرضاهن... وهذه الخاصية في الفيلم تذكرنا بالنبي عيسى عليه السلام أو يسوع المسيح وبمعجزته شفاء المرضى وإعادة الموتى إلى الحياة وفي الجزء الثاني يعيد نيو إلى الحياة "حبيبته ترنيتي" بعدما تموت وهي تواجه عميلاً للآلات. وهناك الكثير من المفارقات المهمة في الفيلم لا يمكننا في هذه العجالة تناولها جميعاً لكن أكثر ما يثير بخصوص هؤلاء اليهود أنهم يركزون على قصص التوراة في أفلامهم ويتعاطون معها بشيء من القداسة في حين ينكرون على غيرهم ذلك ويتهمون الإنجيل بالكذب "لم ينزل مصاغاً بشكله النهائي من السماء ومحاطاً بإطار من ذهب" كما تجرأ بعض الصحفيين اليهود واتهمه بالعداء للسامية أيضاً!! والمستغرب أكثر لماذا المسيحية والإسلام يتركان الساحة لهم في عالم السينما وكلاهما يؤمن بالمخلص في آخر الزمان؟!! ألم يئن الأوان بعد في ظل التحضيرات الكبرى التي تقوم الصهيونية العالمية بها لتغير العالم مع قيادة بوش الابن؟!!