بعد سنوات طويلة أمضاها في الكتابة والتأليف، متميزاً بفكره الصادق وأدبه الناصع المفعم بالإيمان رحل الأديب سليمان كتاني عن عمر يناهز 92 عاماً مخلّفاً وراءه آثاراً مهمة خصّص العديد منها لأهل البيت عليهم السلام فكانت ثمرة عطاءاته الأدبية المتوجة بأناقة الكلمات وعذوبة التعابير الزاخرة بمعاني الخير والهدى. ووفاءً لعطاءاته وتقديراً لخدماته العلمية والأدبية، وخصوصاً مؤلفاته القيّمة في التاريخ الإسلامي كانت قد أقيمت للأديب الراحل تكريمات عديدة في السنوات الأخيرة من حياته حيث كان مركز الإمام الخميني الثقافي قد أقام له في العام 2000 حفلاً تكريمياً حاشداً في قصر الأونيسكو برعاية رئيس المجلس السياسي في حزب اللَّه سماحة السيد إبراهيم أمين السيد.
وكانت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت قد أقامت له تكريماً واسعاً في العام 2003 تخللته كلمة للرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي أكد أن سليمان كتاني واحد من القلائل الذين أبدعوا بوحي من إيمانهم الراسخ بصدق ما اعتقدوا به، وهو الذي تعدّ آثاره معلماً خالداً للنزاهة الفكرية وروعة الأدب. وتحية إلى الأديب الراحل تستعيد مجلة بقية اللَّه بعض من حديث له تكلّم فيه حول طريقته في الكتابة ومعرفته بأهل البيتو واهتمامه بسيرتهم:
"بأناقةٍ في الكلمة التي تحترم القيمة الروحية للفكر كتبت، كان قصدي وما زال تجميل الحروف كي تتجمع ثوباً لائقاً بعظمة الفكر. منذ كنت في العشرين من عمري بدأت رحلة الكتابة لمجتمع أراه عظمةً ونُبلاً في إنسانيته، وكان اهتمامي الفطري بالقضايا الإنسانية الكبيرة ورجالها أهم العوامل المساعدة على اتخاذي هذه الوسيلة للتعبير لا الجو الطبيعي الجميل الذي يحيطني كما يحلو للبعض أن يتصور". وعن أهل البيت عليهم السلام قال: "ما كنت أعرف آل البيت قبل كتابتي عن عميدهم، عن علي أمير المؤمنين والذي ما كنت أعرفه قبل أن يطلب مني الكتابة عنه، حتى النبي الأعظم ما كنت أعرفه. ولا أخفي أنني ما استطعت الكتابة عنهم إلا بعد أن قرأتهم ملياً في الكتب والتاريخ، وبعد القراءة أكبرت الرجال، وبعد التعرُّف أكبرت الأئمة، أكبرت العظمة في الأهداف. لم تكن لملمة أمةٍ مشرورةٍ على هذه المساحات الغبراء مسألة سهلة وقد قام بهذا محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام. أما الغوص في عوالمهم فهو غوص في عالَمَيْ الصدق والبطولة. والسِّباحة ما بينهما لا تعني إطلاقاً أنني أسبح عكس تيَّاري إذا كان المقصود في هذه العكسية مسيحيَّتي فأنا لا أتردد في القول: كلنا مسلمون للَّه. ثمة إسلام مطلق لعيسى عليه السلام وإسلام آخر لمحمد صلى الله عليه وآله، لذلك أقول. جاء إسلام محمد صلى الله عليه وآله عناقاً لإسلام المسيح عليه السلام الذي يكبره بأربعمئة أو خمسمئة من السنين، وكان المسيح مثالاً للرجال العظام وللأنبياء الكرام المجسَّدين في محمد وعلي والزهراء عليها السلام". وعن أعظم القيم التي حرَّكت شهيته للكتابة عن علي عليه السلام: "صدقه ونصاعته في الفكر. وتركيزه على الحق في كلمةٍ تحمل السيف وتقاتل قتاله. علي هو هو، منذ المبتدأ إلى المنتهى صدق وإخلاص في رفع قيمة القضية، هو ساعد النبي اليمنى الاجتماع بكُلِّيته، بعظمته موجود في علي".
* سليمان كتاني في سطور
مواليد العام 1912، تناول دروسه الابتدائية في مدارس بسكنتا ونال شهادة الفلسفة من معهد الحكمة سنة 1923، متزوج من إيلان قرباش من ذوق مكايل منذ العام 1941، انخرط في سلك التعليم سحابة عشرين عاماً، مدرّساً مادة الأدب العربي، بعد ذلك توقف عن التعليم ليتفرغ للتأليف وأصدر الكتاب تلو الكتاب، في أدب أنيق وفكر عميق ومعالجات وفيرة الصدق، محفوفة بالرصانة، مما جعله يحرز العديد من الجوائز في لبنان وإيران والعراق.
* من مؤلفاته
أمل ويأس "تمثيلية" (1932).
لبنان على نزيف خواصره (1964).
الإمام علي نبراس ومتراس (1967).
فاطمة الزهراء وتر في غِمد (1968).
محمد شاطئ وسحاب (1970).
يسوع أبدُ الإنسان (1973).
جبران خليل جبران في مداره الواسع (1973).
مي زيادة في بحر من ظمأ (1984).
الجذور (1985).
الإمام الحسن الكوثر المهدور (1989).
ميخائيل نعيمة بيدرُ مفطوم (1990).
الإمام الحسين في حلّة البرفير (1990).
الإمام زين العابدين عنقود مرصع (1993).
الإمام الباقر نجيّ الرسول (1995).
الإمام الخميني شرارة بسم اللَّه... واحترق الهشيم (1996).
الإمام جعفر الصادق ضمير المعادلات (1997).
الإمام الكاظم ضوء مقهور الشعاع (1999).