الشيخ محمد خشفة الجبعي
* الروضة الحسينية:
تتألف الروضة الحسينية من الصحن الشريف والبهو والرواق والروضة الداخلية، وفي وسطها يقوم المرقد الشريف للإمام الحسين عليه السلام وتعلو القبة فوق الضريح وتحف بها مئذنتان مطليتان بالذهب، وقد تفننت اليد المعمارية في البناء والزخرفة وأصبح بحق آية من آيات الفن المعماري الإسلامي.
* تاريخ الروضة الحسينية:
إن الحديث عن تاريخ تشييد الروضة الحسينية الطاهرة على ما هي عليه الآن يعود إلى حديث جليل من تاريخ طويل يمتد إلى أربعة عشر قرناً بحسب إجماع المؤرخين فقد دفنت الأجساد الطاهرة في 13 محرم 61ه على يد قبيلة بني أسد ومعهم الإمام علي بن الحسين عليه السلام حيث وضعت علامات لتبيان مرقد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأبي الفضل العباس وتعتبر تلك العلامات أول بناء للروضة الحسينية المطهرة. وتتالت الأحداث والتعمير للمرقد الحسيني فقد وضعت سقيفة فوق الضريح ما بين سنة 61ه و65 ه حتى وُلي المختار بن أبي عبيد الثقفي على الكوفة وأجمع على الثأر للحسين د من قتلته. فبنى مرقده الشريف سنة 65 للهجرة وشيد له قبة من الآجر والجص وهو أول بناء فعلي للمرقد المطهر. واستمر بناء الروضة الحسينية ما بين سنة 65 ه و132ه حين سقوط دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين يشهد تحسناً وتوسيعاً رغم الكثير من المضايقات والخوف من قبل الزوار، ولم تسجل أي تحسينات قوية لبقية المقامات الملحقة بالروضة الحسينية سوى إضافة سقيفة للتظليل. بعد قيام دولة بني العباس عام 132ه حدثت جملة من الأحداث في المرقد الشريف وحوله...
فقد بدأت حركة توجيهيه لهدم المقام الشريف وما حوله من المعالم لعدة أسباب، فتم تهديم المسجد في حرم الحسين عليه السلام وأخيه العباس عليه السلام وخربت دور وأبنية ومعالم أثرية، وقطعت شجرة السدرة التي كانت نبتت عند قبر الحسين عليه وحيل ما بين زوار الحسين عليه السلام بقطع للطرق وسبي ونهب وكل ذلك حتى سنة 193ه. في عام 193ه تسلم المأمون الخلافة العباسية فهادن محبي آل البيت عليهم السلام وعقد ولاية العهد للإمام علي الرضا عليه السلام وأمر ببناء قبر الحسين عليه السلام وفسح المجال للزوار بالتنقل وزيارات قبور أئمتهم عليهم السلام وكان البناء للمقام الشريف في عهد المأمون بناء شامخاً وبقي على هذه الحال حتى سنة 232ه حيث جاء دور المتوكل العباسي، الذي هدم قبر الحسين عليه السلام خلال فترة حكمه أربع مرات، حيث لم تقم عمارة لذلك المقام. وأجرى ماء الفرات على الحضرة الطاهرة وزرع ما حوله بشجر لتغيير المعالم. ومع ذلك فإن زوار الحسين عليه السلام لم ينقطعوا عن زيارة المرقد المقدس لشهيد كربلاء، ولو بالخفية وفي سواد الليل وأيام المطر والحر الشديد ومع المطاردة والملاحقة التي استمرت حتى رحيل المتوكل سنة 247ه.
تولى في العام 247 ه سدَّة الخلافة المنتصر الذي عمَّر المقام، وحتى سنة 273 كانت عمارة البناء للحضرة الحسينية موجودة وفي 9 ذي الحجة من العام نفسه وفي أجواء زيارة عرفة التي يحتشد فيها الزوار عند الحضرة الشريفة، سقطت القبة المطهرة على جمع غفير من الزوار وبطريقة غامضة، وأصيب القبر بالإنهدام وصار مكشوفاً وبقيت إعادة عمارته حتى عهد المعتضد العباسي سنة 283ه حيث انتهت العمارة سنة 289ه فشيد حينها محمد بن زيد بسبب علاقته الوطيدة بالمعتضد قبة عالية لها بابان ومن حوله سقيفتين وعمَّر السور حول الحائر وأمام المساكن وأجزل العطاء على ساكني كربلاء ومجاوري الروضة المقدسة. انتقل عهد العباسيين إلى البويهين فاهتموا بالتشييد للحضرة المقدسة بهدف يريدونه، فزين الضريح بالساج والديباج وغلف بالخشب وجلبت القناديل والثريات المضاءة بالشمع لتنير الروضة المقدسة وبني الرواق والمسجد وكان ذلك ما بين سنة 369 407ه. في العام 407ه شب حريق كبير بسبب مفتعل على ما يبدو. والتهمت النار الستائر والسجاد وامتدت للقبة الطاهرة وحول الضريح الشريف بقي سالماً من الحريق وقسم من الحرم ورواق داخلي يدعى برواق إبراهيم المجاب. وبقي ترتيب أثار الحريق مدَّة من الوقت حتى سنة 412ه حيث تولى الحسن بن المفضل بن سهلان تجديد العمارة للحائر الحسيني الشريف والسور وإزالة آثار الحريق الكبير كلياً، واستمر العمل بالتشييد الذي بدأه حتى خلافة المسترشد باللَّه العباسي سنة 526ه حيث عاد الإرهاب من جديد على زوار الحسين د فأصدر قراره الأول: (أن القبر لا يحتاج إلى خزينة وأموال) فوضع يده على كل الأموال التي تنفق من الزوار في الحضرة الشريفة. لكنه لم يأمر بالهدم بل بالتضييق فقط.
في العام 620ه تولى مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم الكندي الذي يعود نسبه إلى المقداد بن الأسود الكندي فأمر بترميم حرم الحسين وأصلح ما تهدم وأكسى الجدران والأروقة المحيطة بالحرم بالخشب الساج، ووضع صندوقاً على القبر من الخشب نفسه وزينه بالديباج والطنافس الحريرية. وأعمر مقام الحسين عليه السلام وباقي العتبات المقدسة في العراق، ووضع الكتابات وأسماء الأئمة الطاهرين وآيات وسوراً قرآنية كريمة. وبقي ما بني في ذلك العهد ممتداً ومحافظاً عليه حتى كان حكم حفيد هولاكو ببغداد فقد تولى معز الدين أويس بن حسن الجلائري من أحفاد هولاكو سلطنة بغداد عام 757ه وأضاف عمارات عليها وأقام على الضريح المطهر قبة نصف دائرية تحيط بالأروقة ترتكز على أربعة دعائم كبيرة عند زوايا الروضة الأربع، وأصبح الشكل البنائي للروضة الحسينية شكلاً هندسياً بديعاً يعطي فكرة حسنة عن التقدم الفني الزخرفي والبناء المعماري، وأكمل ابنه أحمد بن أويس عام 786ه البناء مضيفاً بعض الإضافات المعمارية المزخرفة. ورصَّعه بأحجار من الرخام الناصع يخيل للناظر أنها مرايا وأن المآذن المذهبة من اللون القاشاني الصابوقي هي أشبه بلالىء تلمع ليلاً ونهاراً. بقي ذلك البناء والعمارة المزخرفة لضريح الإمام الحسين عليه السلام حتى تعرضت كربلاء لهجوم (من قبل الوهابيين) عام 1226ه فهدم ما هدم ولم يعمر شيء وتخلخل ما تخلخل... وجاء حكم العثمانيين وجددت عمارة المقام دون تحسينات تضاف وذلك عام 1227ه وفي عام 1232ه جدد السلطان فتح علي شاه بعض الزينة والإضافات للديوان والقبة. والحق يقال فقد تتالت العمارات على الروضة الحسينية منذ ذلك العهد حيث كانت تشهد فتوراً لظروف معينة وشدَّة في ظروف أخرى حتى سنة 1400 للهجرة حيث كان للأوقاف العراقية التابعة لجهاز الدولة في حكم صدام حسين الاشراف على العمارة للمقام وبقيت الحال عادية دون أي تحسين حتى عام 1412ه 1992م حيث وبأمر من الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين (ولهدف ما) جرى تهديم كل الدور من حول وأمام واتجاه مرقد الحسين عليه السلام وعمل على جرف كامل البيوت دون تعويض وأقام حدائق ووسَّع ما بين مرقد الإمام الحسين عليه السلام والسيد أبي الفضل العباس عليه السلام.