نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: الدعاء مظهر العبودية لله تعالى‏


إنَّ الدعاء يعتبر مظهر العبودية لله تعالى، والهدف منه تقوية صفة العبودية عند الإنسان. وإنَّ الاتّصاف بهذه الصفة، والإحساس بها مقابل الله تعالى، كان هدف جميع أنبياء الله بدءاً بأوَّلهم وانتهاءً بآخرهم ويظهر ذلك من خلال تعاليمهم ومساعيهم. إذاً، فإنَّ هدف الأنبياء هو إحياء صفة العبودية عند الإنسان.

* تحطيم روح التكبر والأنانية
إنَّ المنبع الرئيسي لجميع الفضائل الإنسانية، والأفعال الحسنة التي يتمكّن الإنسان من القيام بها سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو الاجتماعي هو الإحساس بالعبودية مقابل الله تعالى. وإنَّ النقيض من ذلك، الشعور بالتكبّر والأنانية والعجب؛ لأنَّ الأنانية هي منشأ جميع الآفات الأخلاقية التي تصيب الإنسان، وما يترتب عليها من آثار ونتائج على مستوى السلوك العملي. إنَّ منشأ جميع الحروب والمذابح التي تحدث في العالم، والظلم الذي يقع، والفجائع التي حدثت على مرّ التاريخ التي قرأتم عنها أو سمعتموها أو تشاهدونها في هذه الأيام هو الشعور بالأنانية والتكبّر والعجب، الذي يعتبر المنبع الأساسي للفساد والتدهور الموجود في حياة بعض المجتمعات البشرية.

إنَّ العبودية تقع على طرفي النقيض من الأنانية والتكبّر والعجب. ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي يجعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدي ذلك إلى ظهور حالة الطغيان؛ مما يجعله طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا بني الإنسان يمكن له أن يجعل من نفسه لا سمح الله طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشئته وتربيته.

إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى، يؤدي إلى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان. فإن كان هذا التكبّر على النَّاس، فسيؤدّي إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك. وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي إلى التفريط بالبيئة الطبيعية؛ أي أنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعتبر عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعي للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبّر والأنانية التي نقوم بها إزاء الطبيعة، والدعاء مخالف لكل ذلك.

إننا عندما ندعو ففي الحقيقة إننا نقوم بإيجاد حالة الخشوع في أنفسنا، وتحطيم روح التكبّر والأنانية فيها، الذي سيؤدي بدوره إلى حفظ عالم الوجود وبيئة الإنسان الحياتية؛ نتيجة لفقدان حالة الطغيان والتجاوز من قِبَل المتكبّرين على حقوق الإنسان والطبيعة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: "الدّعاء مخُّ العبادة"(1).

* خشوع القلب‏
إنَّ الهدف من العبادة هو: تقوية صفة التسليم عند الإنسان لله تعالى وخشوع القلب مقابل عظمته. وإنَّ هذه الطاعة والخشوع مقابل الله تعالى ليست من قبيل تواضع وخضوع الناس بعضهم للبعض، بل بمعنى التواضع والخضوع مقابل الخير، والجمال، والحسن، والفضل المطلق. ولهذا فإنَّ الدعاء، والفرصة التي نحصل عليها للقيام بالدعاء، تعتبر من النِعَم، ففي وصية أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ورد هذا المعنى: "إعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك وتكفّل لإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك"(2).

إنَّ العلاقة والارتباط مع الله التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، "وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه"(3). فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك. في أي وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان. إنَّ أهم خواص الدعاء التي تحدّثنا عنها مقداراً في ما سبق هو الارتباط بالله والإحساس بالعبودية في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعو الله فيستجيب دعوتنا.

إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزَّ وجلَّ، تتحقق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نُمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصٍ، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعو به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً.

* بركات الدعاء
إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة عليهم السلام هو: أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجاة الشعبانية، ودعاء أبي حمزة الثمالي وبقية الأدعية الواردة الأخرى كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عما يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط مع الذات الإلهية المقدّسة. إنَّني أؤكد في وصيّتي للشباب، على الاهتمام بقراءة هذه الأدعية، فإنَّ دعاءَي عرفة وأبي حمزة الثمالي، طافحان بالمعارف، وكذلك دعاء كميل الذي نقرأ فيه: "اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء" أو "تُنزل النقم"، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا بني الإنسان نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً تؤدِّي الى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحياناً تصدر منَّا بعض الذنوب التي تجلب لنا البلاء.

وفي بعض الأحيان تقع بلايا عامة وشاملة؛ نتيجة لبعض الذنوب، وبالطبع، لا يُنبَأ عن السبب الذي أدّى الى وقوع هذا البلاء، إلا أنَّه عندما يفكِّر العارفون ويتدبّرون في ذلك؛ يدركون السبب الذي أدّى الى وقوع البلاء على هذه الأمَّة.
إنَّ بعض آثار الأعمال سريعة، وبعضها يحتاج إلى بعض الوقت، وهذا ما يخبرنا به الدعاء أيضاً. ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: "معرفتي يا مولاي دليلي عليك، وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليلي بدلالتك، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك"(4).

لاحظوا إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء. إنَّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى، ويمكنكم أن تدعوا باللغة الفارسية، أو أي لغة أخرى، وتطلبوا كل ما تحتاجونه منه، وهذا هو معنى الدعاء. في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة رغم تعدد واختلاف حوائجه بل يريد الاستئناس بالقرب من الله، وأحياناً يحتاج الى رضى الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوعاً من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه.إنَّ الطلب من الله أي شي‏ء وبأي لغة أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبودية.
طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة عليهم السلام، وعليكم معرفة أهميتها، والاستعانة بها.


(1) بحار الأنوار: ج‏90، ص‏300.
(2) بحار الأنوار: ج‏4، ص‏203.
(3) المصدر السابق.
(4) بحار الأنوار: ج‏95، ص‏83.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع