مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آداب افتتاح الدعاء بشكل عام ودعاء الافتتاح بشكل خاص‏

الشيخ إسماعيل حريري‏

 



قال اللَّه تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (الفرقان: 77) وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (سورة غافر: 60).وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186).هناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة، التي تحدّثت عن الدعاء، ما بين حاثٍّ عليه ومؤكده ومبيّن لشروط تتوقف عليها استجابة الدعاء وقبوله من اللَّه ذي المعالي.

واعلم، أن الدعاء هو التكلم مع قاضي الحاجات، وعرض الحوائج عليه، فلا بد أن يفهم الإنسان معنى الدعاء، وأن يدعو مع حضور القلب، وليُراعِ على الأقل الآداب التي يراعيها في طلب الحوائج من مخلوق مثله في العجز وعدم القدرة، فليراعها في طلب الحوائج من اللَّه العظيم الخالق الرازق والمالك لجميع الأمور، فإنّ مراعاتها معه في طلب الحاجة، أولى وأجدر من مراعاتها مع المخلوق العاجز المحتاج، فإنّ الحاجة إلى الغني دائمة وقوية، بينما الحاجة إلى الممكن آنية وضعيفة. بل، من رجع في حاجته إلى القوي العزيز والغني المطلق، لم يكن بحاجة إلى سواه كما في دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام السجاد عليه السلام: "الحمد للَّه الذي لا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، والحمد للَّه الذي لا أرجو غيره ولو رجوت غيره لأخلف رجائي..."(1). ولهذا كانت مراعاة الآداب في افتتاح الدعاء قبل طلب الحاجة أمراً لازماً، وهذا ما نطقت به الأدعية المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى من آله عليهم السلام، وأكدته الروايات الكثيرة الواردة عنهم عليهم السلام. هذا، وقد ذُكرت للدعاء آدابٌ كثيرة، بحيث يجب على الداعي أن يكون ملتفتاً إليها ومستحضراً لها، كي يثمر دعاؤه استجابةً لمطلوبه وتحقيقاً لمرغوبه.

* آداب افتتاح الدعاء:
إذا انصرف الإنسان إلى ربّه داعياً طالباً قضاء حوائجه من قاضي الحاجات، فمضافاً إلى لزوم أن يكون دعاؤه بتضرع وخشية وإلحاح وغير ذلك مما ذكر من آداب الدعاء، عليه أن يبتدئ قبل كل شي‏ء بجملة أمور تُعتبر مفتاحاً للدعاء وولوجاً إلى باب طلب الحاجة وقضائها، وهي:
الأول: البسملة، فإنّ الابتداء بها هو ابتداء باسم اللَّه عزَّ وجلَّ، فقد ورد في خصوص الدعاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قوله: "لا يردّ دعاءٌ أوّله بسم اللَّه الرحمن الرحيم"(2). بل، إن الابتداء بالبسملة مطلقاً أمر مطلوب ومحبوب، فقد رُوي عنه صلى الله عليه وآله قوله: "كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم أقطع"(3) وقوله صلى الله عليه وآله: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللَّه فهو أبتر أو أجذم"(4). وأيّ أمر ذي بال أهم من الدعاء ومخاطبة المنعم المحسن ذي الجلال والاكرام!؟ كيف لا يكون الدعاء ذا بالٍ وهو مخ العبادة، وسلاح الأنبياء، وأفضل العبادة بعد القرآن كما ورد عنه صلى الله عليه وآله!؟(5).

الثاني: تمجيد اللَّه تعالى كما ورد عن نبيه صلى الله عليه وآله قوله: "إن كل دعاءٍ لا يكون قبله تمجيد فهو أبتر"(6) أي مقطوع، والدعاء المقطوع ناقص غير مستكمل لشروط الإجابة. وفي موثق ابن بكر، عن محمد بن مسلم قال: "قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: إنّ في كتاب أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه: إنّ المدحة قبل المسألة، فإذا دعوت اللَّه عزَّ وجلّ فمجّده، قلت: كيف أمجدّه؟ قال: تقول: يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد، يا فعالاً لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من هو ليس كمثله شي‏ء"(7). ويثني على اللَّه تعالى بأحسن الثناء ويمدحه بأحسن المدح، ويجعل ذلك بين يدي دعائه، ففي الصحيح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: "إذا طلب أحدكم الحاجة فليثنِ على ربّه وليمدحه، فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللَّه العزيز الجبَّار، وامدحوه واثنوا عليه..."(8).

الثالث: الصلاة على النبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: "صلاتكم عليَّ إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم"(9). وورد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: "لا يزال الدعاء محجوباً عن السماء حتى يصلّى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله"(10). ومن الواضح أن الدعاء ما دام محجوباً عن السماء، فهو غير مضمون الإجابة، بل لعلّه في بعض الأحيان مقطوع عدم الإجابة. نعم، إذا وقعت الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله في ابتداء الدعاء، كان للإجابة أقرب، وللقبول أسرع، بل إن كرم اللَّه تعالى كفيل حينئذٍ باستجابة هذا الدعاء، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "إذا كانت لك إلى اللَّه سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي وآله، ثم سلْ حاجتك، فإنّ اللَّه أكرم من أن يُسأل حاجتين يقضي إحداهما ويمنع الأخرى"(11).

أقول: من الواضح أنه إذا تمّت هذه الأمور في ابتداء الدعاء ثم دخل الداعي في طلب حاجاته وسؤالها، تكفّل اللَّه تعالى بقضائها وإعطائها، وإلا كان الداعي قد عاجل ربّه، وأمره متروك إلى اللَّه، فقد ورد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام أنه قال: "إذا أردت أن تدعو، فمجّد اللَّه عزَّ وجلَّ واحمده وسبّحه وهلّله واثنِ عليه وصلِّ على محمد النبي وآله، ثم سلْ تُعطَ"(12). وهذا ما نلاحظه جلياً في الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام أجمعين.

* افتتاح دعاء الافتتاح‏
لنلاحظ في هذا الصدد دعاء الافتتاح المروي عن مولانا الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه بطريق السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري، حيث قد ابتدأ الدعاء بالثناء والحمد للَّه تعالى فقال: "اللهم إني أفتتح(13) الثناء بحمدك وأنت مسدّد للصواب بمنّك" أي أبدأ بالثناء عليك، والثناء أفتتحه بحمدك، ذلك أنَّك المحمود على كل شي‏ء، وكل شي‏ء راجع إليك، فلا بد أن يكون الحمد لك وحدك دون سواك، وهذا تسليم بمرجعية اللَّه تعالى في الأمور كلها. ولمّا كان اللَّه هو المرجع في الأمور كلها، فالعبد الراجع إليه تعالى يمنّ اللَّه تعالى عليه بأن يسدّده لفعل الصواب وقول الصواب.

ثم بعد أن يبيّن الإمام عليه السلام رحمة اللَّه الواسعة بحيث يكون أرحم الراحمين، وشدة عقوبته للمستحقين بحيث يكون أشد المعاقبين، يبدأ ببيان حمد اللَّه الذي أجمله في افتتاح الدعاء فيقول: "الحمد للَّه الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذي وكبّره تكبيراً" وهو حمدٌ يبيّن فيه تنزيه اللَّه تعالى عن الولد والشريك وأنه الواحد الأحد الفرد الصمد.

ثم ينتقل إلى حمده على نعمه كلها بجميع محامده، وهنا يبلغ ذروة الحمد بقوله (بجميع محامده كلها)، وموضحاً أنّ النعم التي بين أيدينا والتي تحوطنا من جميع الجهات وفي جميع الحالات والأحوال، هي منه تعالى، فيستحق أن نحمده حمداً كثيراً عليها، لأنه أهل لذلك. لكن، لمّا كنّا نحن الضعفاء إلى اللَّه غير قادرين على بلوغ حمده بما يستحقه، نقول (بجميع محامده كلها)(14). ثم يعود عليه السلام إلى حمده تعالى والثناء عليه بنفي الشريك عنه، لكن في الخلق، بينما في نفي الشريك سابقاً كان في الملك، فاللَّه تعالى ليس هو الملك الواحد فقط، بل في الخلق أيضاً هو الواحد الأحد، فلا مالك سواه ولا خالق غيره. كما أنه تعالى لا يشبهه أحد من خلقه في العظمة، لأنه عظيم العظماء، وكل عظيم دونه.

ويختم عليه السلام سلسلة الحمد في أول الدعاء ببيان كرم اللَّه تعالى وجوده الذي بسطه على خلقه دون أن تنقص خزائن الكرم عنده، ودون أن تؤدي كثرة العطاء إلى إمساك يده عن الجود، بل لم تزده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً. هكذا ابتدأ الإمام عليه السلام بافتتاح دعائه، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، حيث إن الملائكة في هذا الشهر تسمع الدعاء وتستغفر لصاحبه.

 


(1) مفاتيح الجنان، ص‏231.
(2) بحار الأنوار، ج‏90، ص‏313 عن دعوات الراوندي.
(3) كنز العمال، ج‏1، ص‏193، ح‏2497.
(4) أرسله الفخر الرازي بهذا اللفظ حول البسملة في الجزء الأول من تفسيره الكبير.
(5) بحار الأنوار، ج‏90، ص‏300، ح‏37 عن دعوات الراوندي.
(6) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏1171، ح‏5621.
(7) الكافي، ج‏2، ص‏484، ح‏2.
(8) الكافي، ج‏2، ص‏485، ح‏6.
(9) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏1172، ح‏5623.
(10) بحار الأنوار، ج‏90، ص‏312، ح‏16 عن أمالي الطوسي.
(11) المصدر السابق، ص‏313، ح‏18 عن نهج البلاغة.
(12) الكافي، ج‏2، ص‏485، ح‏5.
(13) ولهذا سمّي هذا الدعاء بدعاء الافتتاح لمناسبةٍ مع أول جملة فيه، وكل دعاء يسمّى لمناسبة كما في تسمية دعاء كميل باسم راويه الصحابي الجليل كميل بن زياد صاحب أمير المؤمنين عليه السلام.
(14) الإمام عليه السلام يدعو بلساننا وإلا فهو العالم بحقيقة الحمد وذروته.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع