نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

موقع الغيب عند أصحاب المعتقدات غير الإسلامية


الشيخ حاتم إسماعيل‏


* الغيب في اللغة:
كلمة الغيب تعني في اللغة الغياب والبعد، في مقابل الحضور والشهادة، وهي تدل على ما غاب وبعد عن الحواس الظاهرة، فيقال غاب عن عيني بمعنى بعد ولم أعد أراه، ونحو ذلك، سواء أدركه العقل والقلب أم لم يدركاه.

* في المفهوم الديني:
لا تختلف دلالة كلمة الغيب في المفهوم الديني عنها في اللغة، إلا أن القضايا الدينية تولي المصاديق الحقيقية لمفهوم الغيب اهتماماً بالغاً، تبعاً لأهمية الموضوع الذي تعالجه. وتقف في هذا المجال حقيقة الذات الإلهية المقدسة في رأس الاهتمامات الدينية، لأنه تعالى محور الوجود وأساسه، الذي تتعلق به الموجودات كافة وترنو إليه، وهو تعالى يحقق لسائر الموجودات كيانها ووجودها وحقائق ذاتها. ومن المسائل الهامة المرتبطة بعالم الغيب مسألة الآخرة والبعث والخلود، وعالم الملائكة والجن وغير ذلك من المسائل التي تحدد مصير النوع الإنساني في هذا العالم، بل تحدد مصير كل موجود وكائن.

* في فطرة الإنسان:
مما لا شك فيه أن الإنسان مفطور على الإيمان بالغيب، ومحاولة استشرافه، والعمل على استكشافه واستحضاره، ولولا ذلك لفقدت الحياة الإنسانية معناها، وانتفى الطموح إلى حياة أفضل، والبحث عن سعادة مرجوة. وما الاكتشافات العلمية، والتطور التقني، والنظم الاجتماعية سوى مؤشرات إلى هذا الإيمان الفطري بعالم الغيب.

* الدين والغيب:
يشكل الاعتقاد بالغيب الركيزة الأساسية، التي يقوم عليها أي دين من الأديان، حتى الديانات الوثنية. والتي تتخذ من الأصنام أرباباً لها، لا يمكنها أن تتنكر لحقيقة الغيب وواقعه، ولذلك نراهم يزعمون أن عبادتهم لهذه الأصنام عبادة للأرواح التي تحل فيها، أو تحكي عنها، من قبيل قولهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (الزمر: 3). وقال تعالى، حكاية عن بعض الناس: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (سبأ: 40 - 41).

* التوراة والغيب:
إن مسألة الذات الإلهية المقدسة، وعدم إمكان إدراكها بالحواس الظاهرة، وكذلك تجرد الملائكة والجن، من المسائل التي حفلت التوراة بذكرها والتعرض لها، وانطبعت آثارها بطابع الشخصية اليهودية، فتراهم يخافون الملائكة والجن على نحو لافت. ولكن الإيمان باليوم الآخر، وحياة ما بعد الموت، والجنة والنار، لم تتعرض لها التوراة إلا نادراً، وفي بعض النصوص المعدودة والمتأخرة جداً عن زمان موسى عليه السلام، كسفر الجامعة. وانعكس هذا الإجمال أو الإهمال في ذكر الآخرة، على إنكار بعضهم الاعتقاد بها، وأطلق عليهم اسم "الصدوقيون"، ولكن أكثر اليهود يعتقدون بيوم الحساب والخلود في الجنة أو في النار.

* الإنجيل والغيب:
لقد أولى السيد المسيح عليه السلام مسألة الإيمان أهمية خاصة، بحسب نصوص الأناجيل. ويبدو أن ذلك ناشئ عن شدة ابتعاد اليهود عن هذه الاعتقادات، ومدى تعلقهم بعالم المادة، حتى أنهم أوّلوا مختلف النصوص التي تتحدث عن عالم الغيب تأويلات تنسجم مع ما يطمحون إليه في هذا العالم، حتى وصل بهم الأمر حداً افترضوا فيه الذات الإلهية المقدسة مجسمة على صورة الإنسان، وأطلقوا عليه اسم "يهوه" الذي ينزل إلى الأرض ويقاتل معهم. وقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة، في قوله تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ (الأعراف: 138)، فعمل السيد المسيح عليه السلام على إرجاعهم إلى الحق والصواب، وجاهد في سبيل إصلاح رؤيتهم وتصويب نظرتهم إلى عالم الغيب، وربطهم بحقائقه السامية.

* الغيب عند اليهود:
 
أما عند اليهود، فإنه على الرغم من أصل اعتقادهم بعالم الغيب، ولكن هذا الاعتقاد لم يرق إلى مستوى الإيمان، على نحو يكون تحركهم في هذه الحياة الدنيا انعكاساً لهذا الإيمان، وما ذلك إلا لشدة ارتباطهم بعالم المادة وسكونهم إليه. ولهذا نرى ظاهرة التمرد على القوانين الإلهية، بل على كثير من مقتضيات الفطرة الإنسانية، فترى ظاهرة الجريمة بحق الأنبياء فضلاً عن سائر الناس، وكذلك ظاهرة الخداع والكذب والفتنة، والبحث عن ترف الحياة الدنيا، والركون إليها، والعزوف عن عالم الآخرة، وإعطائها الأهمية التي تستحقها، كل ذلك يتجلى فيهم بأوضح صوره وأجلى معانيه، بل يمكن القول على العموم أن كل فساد وانحراف في هذه الأرض، وكل ضلال وباطل في الجماعة الإنسانية تجد له جذوراً في الشخصية اليهودية. وقد امتلأت نصوص التلمود وبروتوكلات حكماء صهيون، إضافة إلى بعض نصوص التوراة، بهذه المخازي والشرور، وما كل ذلك إلا لأنهم لم يتخذوا من الإيمان بالغيب ومراقبته في السر والعلن ركيزة وأساساً في حياتهم العملية، ولذلك يحرص اليهودي على هذه الحياة بأي ثمن ويخشى الموت ويهابه.

* الغيب عند المسيحيين:
أما المسيحيون فعلى الرغم من أن المسيحية قد أولت مسألة الإيمان بالغيب أهمية خاصة، إلا أن جماعات منهم قد نظروا إليها نظرة تجريدية خالصة، أدت إلى إبعاد عالم الغيب عن واقع الحياة بالمرة. كما نأوا به عن المدركات العقلية، وافترضوا أن الأمور المرتبطة بالحقائق الدينية عبارة عن أسرار لا يمكن الولوج إليها واقتحامها، ما جعلهم يفصلون الدين عن واقع الحياة فصلاً تاماً، واستندوا في هذا الفصل إلى مجموعة مقولات نسبت إلى السيد المسيح عليه السلام من قبيل قوله "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للَّه للَّه" وقوله "مملكتي ليست من هذا العالم"، وأمثال ذلك من مقولات تبعد الدين عن جوهره وغايته. وهكذا فقدت الأناجيل كل تأثير مباشر في هذا العالم، وصار عالم الغيب مجرد حالة اعتقادية مليئة بالأسرار والرموز، يجب على المسيحي أن يذعن لها بدون تدبّر، بدعوى أن العقل عاجز عن إدراكها والتفاعل معها إلا بالتسليم والاذعان. وهذا ما أدى في المحصلة النهائية إلى أن يلجأ المسيحيون إلى اعتماد القوانين الوضعية في تنظيم حياتهم، وإبعاد كل ما له علاقة بالدين عن واقع الحياة. ومع التطورات اللاحقة، وتطاول المدة للديانة المسيحية، عاد الإيمان بالغيب، ليكتسي ثوب المحسوس من جديد، فظهرت معالم التجسيد، ومقاربة الغيب من خلال المحسوسات، ما جعله أسيراً لها عبر دعوى أن الذات الإلهية المقدسة قد حلّت بشخص السيد المسيح عليه السلام.

وشيئاً فشيئاً انتشر ما يسمى بالأيقونات المقدسة، الأمر الذي أدى إلى انكفاء الغيب إلى عالم المحسوسات، من دون أن ينعكس إيجاباً في واقع الحياة العملية عند المسيحي. ومما أكد على حالة الانفصام والانفصال بين عالم الغيب وعالم المحسوس، مجموعة من النصوص الواردة في الإنجيل، على لسان السيد المسيح عليه السلام، والمخالفة للفطرة، والفاقدة لإمكانية التطبيق العملي، من قبيل قوله "لا تقاوم الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين"، وأمثال ذلك من وصايا لا يمكن أن تجد لها سبيلاً إلى التطبيق، ولهذا لم يحدث التاريخ عن أحد من أقطاب المسيحية التزم بمضمون هذه الوصايا، سواء من رجال الكنيسة أو غيرهم. وهكذا فقد الاعتقاد بالغيب أثره وفعاليته في حياة غير المسلمين العملية، من أتباع الديانات السماوية، فضلاً عن الديانات الأرضية، وأفرغ من محتواه الواقعي وذلك رغم أن هذه الديانات جميعها تزخر بالمعتقدات الغيبية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع