نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: السيِّد أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت‏

السيد علي محمد جواد فضل الله‏

 



إن المترجَم له هو أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت صاحب كتاب (الياقوت في علم الكلام). وقبل أن نتكلم عن كتابه هذا، نلاحظ أنه من اللافت في المقام، أن كتب التراجم والتاريخ لم تأتِ على ذكر لإبراهيم بن نوبخت بالرغم من كونه من متكلمي الشيعة الكبار، وهذا ما يظهر لنا من خلال ما تركه في علم الكلام وبعض لطيف المقال. هذا، وقد وقع الخلاف بين الأعلام فيما يتعلق بمؤلف كتاب الياقوت فقد ذهب العلامة الحلي إلى أنه أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت وذلك في مقدمة كتابه (أنوار الملكوت في شرح الياقوت) حيث قال ما نصه: "وقد صنف شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت قدس الله روحه الزكية ونفسه العلية مختصراً سماه الياقوت"(1). ولكن الميرزا عبد الله أفندي الأصفهاني ذهب إلى خلاف ذلك(2) وقد وافق السيد الصدر الميرزا عبد الله أفندي في رأيه(3). وممن وافق العلامة الحلي في كون المؤلف هو إبراهيم بن نوبخت العلامة المجلسي في بحار الأنوار وهنا يعلق محمد إقبال الأشتياني بقوله: "ونستبعد أن يكون العلامة المجلسي أقل اطلاعاً من صاحب رياض العلماء في هذا المجال، وهو الذي كان مطلعاً اطلاعاً واسعاً على كتب الشيعة ومصادرها"(4). وهكذا، فالظاهر أنه لا دليل عند من ذهب إلى كون مؤلف كتاب الياقوت هو غير أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت، بل الظاهر من القرائن خلاف ذلك، فتبقى دعوى بلا مؤيد ولا دليل، وعليه فما اختاره العلامة المجلسي هو المتبع حتى يثبت العكس.

* الياقوت في علم الكلام‏
وعلى كل حال، فإن كتاب (الياقوت في علم الكلام) يُعد أقدم كتاب كلامي إمامي وصل إلينا(5). والملاحظ أن هذا الكتاب مع اختصاره الشديد فإنه قد انطوى على أمهات المسائل الكلامية ورؤوس ما يعتقده الإمامية، وذهب (هنري كوربن) إلى أن أبا إسحاق هو أول من نظم الفلسفة الإسلامية في كتاب الياقوت في حدود سنة 350 ه 961م وتبعه خواجة نصير الدين الطوسي وأتم فعله(6). إضافة لما تقدم فإن هذا الكتاب يمتاز بالإيجاز ووعورة الفهم وقد أشار العلامة الحلي إلى ذلك في شرحه على الياقوت في كتابه المسمى (أنوار الملكوت في شرح الياقوت)، يقول العلامة: "... وقد احتوى من المسائل على أشرفها وأعلاها، ومن المباحث على أجلها وأسناها، إلا أنه صغير الحجم كثير العلم، مستصعب على الفهم في غاية الإيجاز والاختصار، بحيث يعجز عن حله أولو الأنظار، فرأينا أن نضع هذا الكتاب الموسوم بأنوار الملكوت في شرح الياقوت على ترتيبه ونظمه، موضحاً لما التبس من مشكلاته مبيناً لما استبهم من معضلاته، مع زيادات لم توجد في هذا الكتاب"(7). إلى هذا، فإن محقق الياقوت يرى أن المقارنة بين المباحث الكلامية المطروحة في كتابي الياقوت ونهج المسترشدين للعلامة الحلي ترشدنا إلى أن العلاّمة كان وإلى حد كبير متأثراً بابن نوبخت وأسلوبه البياني في كتاب الياقوت (8). وكذلك فقد كان هذا الكتاب وحسب الأشتياني من النماذج التي احتذاها كل من الشيخ المفيد قدس سره، والشريف المرتضى قدس سره والشيخ الطوسي قس سره في كتبهم الكلامية(9. إلى هذا، فإن أول شارح لكتاب الياقوت كان عبد المجيد بن محمد المدائني المعروف بابن أبي الحديد(10)، وتلاه العلامة الحلي في (أنوار الملكوت في شرح الياقوت) والسيد عميد الدين الأعرجي الحلي، ثم شرح كتاب الياقوت الشيخ شهاب الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحسين العاملي وسماه (أرجوزة في شرح الياقوت)(11). إلى ذلك فقد كان لأبي إسحاق كتاب آخر في أحد المباحث الكلامية هو كتاب (الابتهاج).

* عصر أبي إسحاق النوبختي:
إلى هذا فقد وقع النزاع بين المحققين في العصر الذي عاش فيه الشيخ أبو إسحاق النوبختي، فقد ذهب الأشتياني في كتابه (آل نوبخت)(12) إلى أنه قد عاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وقد اشتهر هذا القول عنه بين المستشرقين. وقد عرض الأشتياني أدلته التي استقاها من خلال مطالعته لكتاب (الياقوت)، ولكنه اعتبر أن هذه الأدلة لا تدلنا على عصر المؤلف إلا على وجه التخمين وليس اليقين. إلى هذا، فإن بعض الباحثين الغربيين (ولفرد مادلونغ) ذهب إلى أن زمن تأليف كتاب (الياقوت) يجب أن يكون القرن الخامس أو بعده، وذلك بعد إجرائه مقارنة بين أقوال بني نوبخت في كتاب (أوائل المقالات) للمفيد وبين كتاب الياقوت فوجد أن الأفكار التي نسبها المفيد للنوبختيين لا تتناسب مع تلك الموجودة في الياقوت(13). ومن هنا، فقد ذهب بعض المحققين(14) إلى أن عصر المترجَم له يجب أن يكون بين النصف الثاني من القرن الخامس والنصف الأول من القرن السابع، وانطلاقاً مما أفاده (ولفرد مادلونغ) يرى هذا المحقق أنه لا تناسب كذلك بين الأفكار التي نسبها السيد المرتضى في كتابه (الذخيرة) للنوبختيين وكذلك الشيخ الطوسي في كتابه (تمهيد الأصول في علم الكلام) وبين الآراء المطروحة في كتاب (الياقوت)، ومما استدل به على مدعاه أن أبا إسحاق قد ذهب إلى أن مناط حاجة الممكن إلى العلة هو الإمكان، وقد قال خواجة نصير الدين الطوسي في كتابه (تلخيص المحصَّل): "القائلون بكون الإمكان علة الحاجة هم الفلاسفة والمتأخرون من المتكلمين، والقائلون بكون الحدوث علة لها هم الأقدمون منهم".

والجدير بالذكر أن الطوسي ولد سنة 597ه ومات سنة 672ه وهذا يدل على أن أبا إسحاق كان معاصراً لنصير الدين الطوسي. ومما استدل به هذا المحقق أيضاً أن ابن أبي الحديد المعتزلي هو ممن شرح كتاب الياقوت وقد مر معنا أنه أول من شرح هذا الكتاب والمعروف أن ابن أبي الحديد مات سنة 656ه، وهذا يعني أن زمن تأليف الياقوت لا يكون بعد النصف الأول من القرن السابع، وكذلك فإن المقارنة بين كتاب (الياقوت) وكتاب (محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين) لفخر الدين الرازي (ت 606ه) تكشف لنا أن كتاب (الياقوت) قد ألف على ترتيب كتاب الرازي، والمؤلف أبو إسحاق النوبختي قبل بعض آراء الرازي ورد على البعض الآخر.

ويمكننا القول هنا في هذا المقام إنه من المحتمل القريب كون عصر تأليف كتاب (الياقوت) وبالتالي عصر مؤلفه بطبيعة الحال متأخراً عن النصف الأول من القرن الخامس الهجري وذلك لأن هذا المؤلَّف (الياقوت) لم يأت على ذكره أصحاب التراجم المعروفون كابن النديم والشيخ الطوسي والشيخ النجاشي وغيرهم ممن عاش في القرن الرابع الهجري أو تقدم عليه، إذ ليس من المعقول أن يهمل جميع الأعلام ذكر هذا المؤلف على قيمته وأهميته لو كان موجوداً بين أيديهم، وعدم ذكره يدفعنا إلى القول باحتمال عدم تأليفه في عصرهم. أضف إلى ذلك أنه من المستبعد أن يبقى مثل هذا المختصر دون شرح أو تعليق طيلة فترة امتدت قروناً عدة وذلك على القول بأن عصر المؤلف هو منتصف القرن الرابع الهجري، بالرغم من وجود كل الوسائل والمحفزات والدوافع التي تملي على العلماء الاهتمام بهذا الكتاب تحقيقاً وشرحاً وتعليقاً، وخصوصاً أن الاهتمام بمثل هكذا كتب مختصرة كان موجوداً في ذلك العصر، وكمثال على ذلك شرح شيخ الطائفة الطوسي للقسم النظري من كتاب (جمل العلم والعمل) للشريف المرتضى وذلك في كتاب (التمهيد)، أضف إلى ذلك أن تلك الفترة القرن الرابع الهجري كانت من أخصب الفترات في تاريخ الحضارة الإسلامية وعلى مختلف الصعد، ومن بينها علم الكلام، الذي شهد نقلة نوعية ورواجاً كثيراً وخاصة عند الشيعة الإمامية التي كان زعيم طائفتها ومرجع أمورها لا يأخذ هذا اللقب إلا عند كونه متكلماً، وقبل أن يكون فقيهاً أو محدثاً أو أصولياً أو غير ذلك. وعليه فهل يعقل وبعد ما تقدم أن ينتظر مثل هذا الكتاب كل تلك القرون حتى يأتي ابن أبي الحديد المعتزلي في القرن السادس الهجري ويقوم بشرحه ويتبعه في نهاية ذلك القرن أو في القرن السابع الهجري العلامة الحلي في (أنوار الملكوت)؟ لا أقل من أن ذلك يحتاج إلى فسحة تأمل وتدبر.


(1) أنوار الملكوت في شرح الياقوت، العلامة الحلي، انتشارات الرضى، ص‏2.
(2) رياض العلماء، ج‏6، ص‏38.
(3) السيد حسن الصدر، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، ص‏364 365.
(4) آل نوبخت، ص‏201.
(5) هذا بناء على من ذهب إلى أن مؤلفه عاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري.
(6) الياقوت، ص‏16 17.
(7) أنوار الملكوت، ص‏2.
(8) الياقوت، ص‏20.
(9) آل نوبخت، ص‏203.
(10) روضات الجنات، الخوانساري، ج‏5، ص‏21.
(11) الياقوت، ص‏200.
(12) آل نوبخت، ص‏201 203.
(13) الياقوت، ص‏17.
(14) الياقوت، ص‏17 18، والمحقق هو: علي أكبر ضيائي محقق كتاب الياقوت.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع