الشيخ علي حجازي
يحتاج الولد إلى رعاية وتربية صالحة من حين ولادته. ويقوم بعض المعنيين (كالأب والأم) بإرشاد الولد وتوجيهه بشكل صحيح وسليم. ولكن قد تستلزم التربية أحياناً استعمال الضرب كوسيلة من وسائل التأديب. وللضرب ضوابط شرعيّة يجب على المؤدّب مراعاتها وتطبيقها، فلا يجوز أن يسبّب الضرب احمراراً، ولا خدشاً ولا كسراً ولا إدماءً وغير ذلك من الآثار المحرّمة. وهذه المقالة تلقي بعض الضوء على الضرب وبعض آثاره.
1 ـ ضرب البالغ
إذا بلغ الصبيّ أو بلغت البنت يسقط جواز الضرب للتأديب، فلا يجوز ضرب الولد بعنوان التأديب إذا صار بالغاً، فالضرب التأديبيّ منحصر بغير البالغ. نعم يجوز ضرب البالغ إذا تخلّى عن واجب عمداً مع إصراره، أو فعل الحرام عمداً مع إصراره على فعله، يعني يختصّ ضرب البالغ بباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز الضرب هنا مع كفاية غير الضرب في الردع.
فالضرب جائز بشروط عديدة، منها:
أ ـ أن لا تنفع أيّ مرتبة أخرى في الردع عن المعصية.
ب ـ أن يكون الضرب مؤثّراً ولو على نحو الاحتمال، مع إصرار المذنب على ذنبه وتعمّده له.
ج ـ أن لا يحتمل الآمر الضرر على نفسه. ويشترط أن لا يكون الضرب مبرّحاً إلّا في ظروف خاصّة يُراجع فيها الحاكم الشرعيّ. وتفصيل ذلك في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2 ـ إذن الوليّ
لا يجوز أن يُضرب الولد من قِبَل غير الوليّ إلّا بإذن الوليّ، فلو وجد مدير المدرسة أو الناظر أو المعلّم ونحوهم مصلحة في ضرب الولد لتأديبه فيحرم عليهم الضرب إلّا بإذن وليّه، ودون إذنه لا يجوز الضرب للتأديب.
3 ـ إذن الوليّ للأم
لا يجوز للأم أن تضرب الولد للتأديب دون إذن وليّه، فإذا أجاز لها الوليّ جاز الضرب للتأديب، وإذا لم يسمح فلا يجوز لها أن تضربه. وهكذا لا يجوز الضرب بغير إذن الوليّ للعمّ والخال والأخ وغيرهم.
4 ـ الضرب أمام الناس
يجوز ضرب الولد للتأديب أمام الناس إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة. ومع ترتّب مفسدة فلا يجوز. وتشخيص ترتّب المفسدة بيد المكلّف.
5 ـ تخويف الولد
يمارس بعض الناس أسلوب التخويف، من خلال التهديد والوعيد وغيرهما، وهو قد يؤدي إلى مشاكل نفسيّة أو جسديّة عند الولد. وتخويف الولد حرام، سواء أكان بقصد التأديب أم غيره. ولا فرق في حرمة التخويف بين أن يكون في البيت أو المدرسة أو غيرهما.
6 ـ شروط الضرب
يشترط لجواز الضرب عدّة شروط، إذا توفّرت جميعها يجوز الضرب، وإذا اختلّ شرط أو أكثر منها يحرم الضرب جزماً. وهذه الشروط خمسة، هي:
الأول: أن يكون الضرب للتأديب فقط، فلا يجوز الضرب لأيّ سبب آخر (فشّة خلق مثلاً). وهو حرام شرعاً، فكما أنّه يسيء إلى نفسيّة الولد، قد يسيء إلى عقله. ومشكلة الضارب أنّه سيقف بين يدي الله تعالى ليُسأل عمّا فعله، ويحاسب عليه. لأنه لا يحصل به التأديب.
الثاني: أن يكون من قِبَل الوليّ، أو بإذنه.
الثالث:أن لاتوجد أيّ وسيلة أخرى غير الضرب تفيد في تأديب الولد، فإذا أمكن التأديب بغير الضرب فلا يجوز الضرب للتأديب، بشرط أن تكون الوسيلة الأخرى ناجعة. ومع عدم وجود وسيلة مفيدة أخرى، يجوز الضرب.
الرابع: أن يقتصر المربّي على المرتبة الأدنى المفيدة والناجعة، فلا يجوز التعدّي إلى مرتبة أعلى إلّا مع عدم نجاعة المرتبة الأدنى. فلو كانت الضربة الواحدة كافية للتأديب فلا تجوز الثانية، وإذا كانت الضربة الخفيفة ناجعة فلا تجوز الأشدّ منها، وهكذا.
الخامس: أن لا يكون الضرب مبرّحاً بحيث يؤدّي إلى الاحمرار أو الاخضرار أو الخدش أو الجرح أو الكسر أو نحوها.
7 ـ الدية
إذا أدّى الضرب إلى آثار محرّمة كالاحمرار وغيره فيكون جناية محرّمة، وتجب الدية على الجاني. وهي تُصرف لمصلحة الولد المجنيّ عليه. وهذه الدية تجب على الجاني سواء أكان المجنيّ عليه صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، بلا فرق بين العمد والخطأ. وسواء أكان الجاني هو الوليّ أم غيره، بإذن الوليّ أو دونه. والجناية أنواع، أقتصر في المقالة على بعضها، والباقي تُراجع فيه الكتب المفصّلة.
8 ـ الجناية على الوجه
إذا كانت الجناية على الوجه بغير خدش أو جرح أو كسر أو نحوها ففيها ثلاث صور، لا فرق في وجوب الدية فيها بين بقاء الأثر مدّة أو لا.
الأولى: إذا اسودّ الوجه فديته ستّة دنانير، وهي تساوي (21.60) غراماً من الذهب، من العيار الأعلى، تدفع ذهباً أو ما يعادلها من النقد المتداول.
الثانية: إذا اخضرّ (أو ازرقّ) من دون اسوداد فديته ثلاثة دنانير، وتساوي (10.80) غرام من الذهب ذي العيار الأعلى.
الثالثة: إذا احمرّ فديته دينار ونصف (5.40 غرام من الذهب ذي العيار الأعلى).
9 ـ الجناية على الرأس
لم يُحدّد رقم معيّن في الجناية على الرأس في هذه الصور الثلاث، بل يُرجع إلى أهل الخبرة والاختصاص، لتحديد حكومة ذلك، والمقصود بالحكومة هو دفع أرش خاص، ولكلّ حالة ديَة خاصّة.
10 ـ الجناية على البدن
إذا كانت الجناية على البدن بحسب الصور الثلاث فالدية نصف ديَة ما على الوجه. وتوضيحها بما يلي:
الأولى: إذا اسودّ البدن فديته ثلاثة دنانير (10.80 غرام من الذهب ذي العيار الأعلى).
الثانية: إذا اخضرّ فديته دينار ونصف (5.40 غرام من الذهب ذي العيار الأعلى).
الثالثة: إذا احمرّ فديته ثلاثة أرباع الدينار (2.70 غرام من الذهب ذي العيار الأعلى).
11 ـ سرعة زوال اللون
تتحقّق الجناية بما يوجب الدية فيما لو حصل اللون بواسطة الضرب، سواء أبقي اللون مدّة أم زال بسرعة، ففي هاتين الحالتين تجب الدية، فلذلك لو لطم الجاني شخصاً فاحمرّ وجهه بسبب اللطمة، ثمّ زال الاحمرار بسرعة يجب على اللاطم الجاني أن يدفع الدية.
نعم لو حصل الاحمرار ـ مثلاً ـ بسبب الضغط الخفيف على الجلد وزال بسرعة فلا يوجب الدية، لأنّه لم يتحقّق عنوان الضرب.
12 ـ مسامحة المجنيّ عليه
تبرأ ذمّة الجاني إذا دفع الدية إلى المجنيّ عليه إذا كان بالغاً راشداً، أو إلى وليّ غير الراشد. ولو أبرأ المجنيّ عليه الجاني وسامحه، فثلاث صور:
الأولى: إذا كان المجنيّ عليه بالغاً راشداً يصحّ منه إبراء ذمّة الجاني. وإذا لم يبرئ ذمّته فتبقى مشغولة بوجوب دفع الدية.
الثانية: إذا كان المجنيّ عليه صغيراً غير بالغ فلا يصحّ منه إبراء ذمّة الجاني، فذمّة الجاني تبقى مشغولة بالدية سواء أكان المجنيّ عليه الصغير قد أبرأ ذمته أم لا.
الثالثة: إذا كان المجنيّ عليه بالغاً غير راشد فيكون كالصغير، لا يصحّ منه إبراء ذمّة الجاني.
والراشد هو من يميّز بين الحسن والقبيح والخير والشرّ، ولا يُخدع بسهولة.
13 ـ مسامحة الوليّ
لو سامح وليّ الصغير الجاني بأن أبرأ ذمّة الجاني من الدية، فإذا كانت المسامحة على خلاف مصلحة الصغير، فلا تجوز، وله المطالبة بها بعد بلوغه.