السيد علي عباس الموسوي
تظهر أهميّة المعتقد الذي يسكن عقلَ الإنسان وقلبه من خلال النظر إلى تأثير هذا المعتقد على السلوك. فالارتباط وثيقٌ جداً بين الأفكار التي تشكِّل قناعات الفرد أو المجتمع وبين المظاهر السلوكيّة الفرديّة والاجتماعيّة.
وقد أكّد الإسلام على ضرورة البناء العقائديّ والفكريّ الصحيح كدعامةٍ أساس لبناء سلوكٍ وفعلٍ اجتماعيّ سليم، يضمن وصول الإنسان إلى الغايات التي خُلق لأجلها.
ومن هنا نفهم سرّ الارتباط بين المعتقد والرؤية الكونيّة من جهة وبين التصرّفات والمواقف والأفعال الصادرة عن الإنسان من جهة أخرى. فالاستقامة في الأولى تؤدّي إلى الاستقامة في الثانية وكذلك حال الانحراف في الأولى فإنّها تؤدّي بالثانية إلى الانحراف أيضاً.
هذا فيما يرجع إلى أصل الارتباط. ولكن قوّة هذا الارتباط واستحكامه ـ سواء أكان في خط الاستقامة أم الانحراف ـ يرتبط بمدى نفوذ المعتَقَد في النفس ومدى تمكّنه من السيطرة على القلب، فإذا كانت الصفة التي تُطلق على الإيمان العقليّ الاقتناع، فإنّ الطمأنينة هي الصفة التي تُطلق على الإيمان القلبيّ في الاصطلاح القرآنيّ.
هذه الطمأنينة تشهد لقوّة المعتقد واستحكامه في الفرد، حتّى يشكل ظاهرةً يقف علماء النفس الغربيون عاجزين أمام تفسيرها وتحليلها. فالطمأنينة أو الرضا تجعل الإنسان يمتاز حتّى عن غيره ممن يشاركه في المعتقد، ويتجلّى ذلك بنموذجين:
أحدهما، نوع العمل الذي يُقدم عليه، والثاني، طريقة إقدامه عليه.
أمّا في النموذج الأول نلحظ صاحب الروح الاستشهادية الذي لا يقدم على القيام بواجبه الاستشهادي إلا نتيجة حالة من طمأنينة النفس ورضا القلب، بنحو يصبح إيمانه هذا هو الذي يقوده إلى القيام بأخطر ما يمكن أن يقدم عليه إنسان في حياته كلها.
وأمّا في النموذج الثاني ـ أي طريقة العمل وكيفيته ـ فالعبادة والعمل الصالح يصدران عن كل الناس بمستوى واحد، بل العبادة التي تصدر عن طمأنينة تكون أقرب لنيل مقام القرب من العبادة التي تفتقد لهذا العنصر الداخلي.
ولو أردنا أن نلحظ الطرف المقابل أي أهل الدنيا فإنّهم هم على صنفين أيضاً:
الصنف الأول هو الذي يحب الدنيا ويرغب بها، ويتجاوز هذا الحبّ إلى الرضا والطمأنينة بها، والركون إليها، وهذا لا يضع في حسابه للآخرة حساباً، بل تكون الدنيا هي أكبر همِّه. وبهذا يتجرأ على التفلّت من كلّ القيود الدينية، بل وحتّى من القيود الأخلاقية ويستحوذ عليه الشيطان تماماً.
والصنف الثاني هو الذي يحب الدنيا ويرغب بها ولكنه لا يطمئن إليها، وتقف علاقته بالدنيا في حدود نيل متاعها، ولكنه يضع للآخرة حساباً في بعض الأحيان، فيقع أحياناً ويحترز أخرى.
والله عز وجل كما حذّر الناس من أن يكونوا من النموذج الثاني كان تحذيره لهم من أن يكونوا مصداقاً للنموذج الأول أشدّ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون َ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (يونس: 7 ـ 9).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.