نسرين إدريس
5/ 2 / 1976 متأهل وله ولد
13 / 7 / 1985 عازب
اسم الأم: نجلة حسن الشامي
رقم السجل: 151
محل الولادة: صريفا
تاريخ ومحل الاستشهاد: صريفا 21 / 7 / 2006
وهناك، تحت أشجار الزيتون، أمسك فادي بيد أخيه الصغير محمد. ومحمد ربيب تلك اليد التي حفرت بعنادها صخر الأيام لأجله ولأخوته.. كان محمد قد هيأ أوراقه وجواز السفر إلى قطر، حيث يمكن أن يبدأ بمهنة جديدة تساعده على تأمين مستقبله. ولكن هذا الشاب العشريني، وقبيل سفره لبّى نفير الحرب، ليكون إلى جانب أخيه فادي.. وإذا تحدّث الأهلُ والأخوة عن فادي، فإن لواعجَ القلب تحكيه. فهو الابنُ الذي ربّى، وتحمّل مسؤولية عائلته إلى جانب والده قبل أن يبلغ الحلم، تاركاً وهو في الحادية عشر من عمره مركب أحلامه على الشاطئ، ليشق عباب الحياة بساعديه.. فها هو الولد الصغير يقود "الجرافة" ويتعلم مهنة تمديد وتصليح الكهرباء، وكلما رأته أمه التاع قلبها خوفاً عليه، فيجيبها صاحب المصلحة أن لا تقلق ف"فادي" رجل ولا كل الرجال.. وهو بحقٍ، كذلك؛ فقد اختزل فادي نفسه من الحياة، ليكرّسها لأهله وأخوته. فهو الأب الحنون الذي يخاف على أطفاله من لفح النسيم، والمربي الذي يُرشد إلى الصراط المستقيم. وكان الالتزام بالأحكام الشرعية أساساً عنده. فلا شيء يمكن أن يؤلمه كما رؤيته لأحد إخوته يخطئ، أو أن يرافق أصحاباً لا يمكن أن يؤثروا في تنمية الروحية الإيمانية. فعندها يغضب، ويعيد الحديث ويكرره من دون مللٍ أو كلل، حتى تصير الأمور وفق ما يريد.. وقد كان شخصاً متسامحاً، كما أن دقتّه في التعاطي، جعلت الجميع، الأهل والأصدقاء، يحسبون له حساباً. فهو يريد كل شيء في مكانه مرتباً ونظيفاً. ولكل كلمة تُقال حساب. وبكل صراحة ترافقها لطافة القول ينتقدُ أي خطأ يصدر من إخوته، كما يبادر إلى الاعتذار عن أي هفوة تصدر عنه.
وقد رأى محمد، منذ نعومة أظافره، هذه الشخصية التي تركت الأثر العميق في روحه. فكان يراهُ يصلي صلاة الصبحِ ويفتح كتاب الدعاء ليسافر في كلماته، فحذا حذوه، وصار الفتى الصغير يمسك بيد أخيه الكبير ليرافقه إلى المسجد، وليشاركه في إحياء الشعائر الإسلامية، ومن ثمّ في تنظيم الاحتفالات. وقد رأت الوالدة في ابنها الصغير محمد، المدلل في العائلة، هيئة الرجولة. فقد كان يحبّ الحياة الاجتماعية، والمرح، فيجمع الرفاق في البيت ليملأه ضجيجاً. وعلى الرغم من روحه المرحة، فإن شعوراً غامضاً بالشفقة كان ينتابها ناحيته. وإذا كانت لم تسأل نفسها عن سبب ذلك، إلا أنها عزته لكونه الصغير.. ولا ريب أن تلك الرجولة التي تميّز بها محمد منذ صغره، هي نتاج تربية فادي وتأثره الكبير به. فالبيئة التي تربّى فيها فادي، لم تكن ملتزمة، فتأثر به رب عمله، وتعرف على الأحكام الشرعية التي ربّى أخوته عليها. وإزاء مسؤوليته عن معيشتهم، فقد رباهم تربية على جادة الإسلام الأصيل. فأداء الصلاة في وقتها في المسجد، والمواظبة على قراءة القرآن والدعاء، سُنّة لم يخالفها لا هو ولا محمد في يومٍ من الأيام.
بدأ فادي حياته الجهادية في صفوف كشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ليلتحق في العام 1994 بأول دورة عسكرية له، محيطاً كل تنقلاته بسرية تامة. وقد التحق بوحدة الهندسة في المقاومة الإسلامية بعد خضوعه لعدة دورات تأهيلية، فكان أحد مجاهديها البواسل، مشاركاً في العديد من المهمات الجهادية المختلفة. وكما كان مثلاً لأخوته، كان قدوة للأخوة المجاهدين الذين اعتبر بعضهم أنهم تخرّجوا من منزل الشهيد فادي.
أما محمد الذي حذا حذو أخيه، فكان ينقلُ سجادة صلاته وسبحته معه إلى أي محور كان، وفي أي مهمة جهادية توكل إليه. فقد كان سبّاقاً للمشاركة في أي عملٍ يطلب إليه. وهو قد ترك الدراسة باكراً ليعمل في بناء المنازل، وفي السنة الأخيرة امتهن مهنة "الالمينيوم" إلى جانب تحضيره لأوراق السفر..
لقد تعب فادي وكدّ كثيراً في الحياة، فاشترى أرضاً وبنى منزلاً، وفتح محله الخاص، واهتم بشؤون الناس وشجونهم، وقد مدد صوتيات المسجد إلى كل حارات صريفا، حتى يُسمع الأذان في أرجائها. ورأى الناسُ فيه رجلاً فريداً، وعاملاً متميزاً بعمله، وذا أخلاقٍ عالية في تعاطيه. وساهم عمله بالكهرباء في مدّ شبكة واسعة من العلاقات بينهم، فكل منزلٍ في صريفا وجوارها يعتبره ولداً من أولاده. ولم يكن يتأخر عن خدمة أحد، وخصوصاً العجّز، إلا اذا كان هناك عمل خاص بالمقاومة، فالأولوية عنده للجهاد، وعند وقوع خلاف ما في القرية يكون هو المبادر لتهدئة النفوس وإصلاح الأمور.. كان فادي يردد أنه لن يرتاح، إلا إذا رأى جميع إخوته قد تزوجوا واستقرّوا في بيوتهم ، وخصوصاً أخاه الصغير محمد. فقد أراد أن يبني له منزلاً، وهو الذي آثرهم بكل شيء، حتى في شراء ثياب جديدة.. قبل خمسة عشر يوماً من بدء عدوان تموز، تزوج فادي، وطوال فترة تجهيز منزله ردد أكثر من مرة: "أشعر بأني لن أعيش فيه".. وكان الثاني عشر من تموز. ترك العريسُ منزله ليلتحق بمركز عمله. وبقي محمد مع مجموعة من المجاهدين، بعد أن تم توزيع المجموعات والمهام. كان كل واحد منهم يقوم بعمله في مكان مختلف. وفي يوم، توجه فادي لإنجاز مهمة مع رفيقه، فتعرضا لغارة قريبة جداً، ولكنهما لم يتراجعا وأكملا عملهما. وبعد عودتهما، قبّل فادي رفيقه في جبهته وطلب إليه أن يسامحه، وسرعان ما تعرضا لغارة ثانية ما أدى إلى اصابة رفيقه الذي غاب عن الوعي، ولم يستيقظ إلا في اليوم التالي وصوت فادي يردد له اسمه وهو يعالجه، بعد أن انتشله من تحت الركام، وقد نقل فادي ثلاثة جرحى من رفاقه إلى المستشفى على دراجته..
أما محمد فقد نجا بأعجوبة من مجزرة صريفا التي حصلت في التاسع عشر من شهر تموز، وارتفع فيها للمقاومة الإسلامية خمسة شهداء، وكان قد رأى التراب والأحجار تتهاوى عليه، حيث حبس تحت الركام مُصاباً برضوض منعته عن الحراك، إلى أن سحبه أحد المجاهدين في الليلة ذاتها.. مرّت أيام صعبة على المجاهدين، وانقطع الطعامُ عنهم ثلاثة أيام، ولكن عزيمتهم في مقارعة العدو لم تهن. وكما كان فادي يصوم أشهر رجب وشعبان، بدأ بصيام تلك الأيام المباركة، التي ملأتها نفحاتُ شجاعة وقوة أمير المؤمنين عليه السلام.. عرف فادي بأمر إصابة أخيه، فأسرع للاطمئنان عليه. كان يجلس بالقرب منه ويحنو عليه حنو الأم على ولدها. وأثناء وجوده هناك، طُلب إلى المجموعة أن تغادر مكانها، فأمسك فادي بيد أخيه، وساعده على المغادرة تحت عيون طائرات الاستطلاع، وبين صواريخ الطائرات الحربية، إلى أن وصلا إلى بستان زيتون..
وهناك؛ تحت أشجار الزيتون، تطاير غبار التراب إثر سقوط صاروخ من طائرة حربية عليهما.. وبقيتْ يدُ فادي تشدّ على يد محمد، وقد تحولا إلى أشلاء.. استشهد فادي ولم يعرف أن زوجته حامل، وقد أنجبت صبياً أسمته "فادي"، تيمناً باسم والده البطل، الذي فدى الوطن بنفسه وبمن هو أحبّ إليه من نفسه أخيه محمد، في سبيل القضية التي آمنا بها، وكانت هي الحقُ والصدق.