مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قرآنيات‏: المشهد التصويري في سورة العاديات‏

د. سامر شري‏

 



﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا.

مناسبة السورة: فتح مبين لحملة عسكرية خطرة، نجح بها قائد الحملة، مما استوجب نزولها.

* الآمر بالحملة: رسول الله صلى الله عليه وآله.

* قائد الحملة: وزير رسول الله، علي بن أبي طالب عليه السلام.

* المنطلق: المدينة.

* الهدف: حصن ذات السلاسل.

* المسافة: على بعد خمسة إلى عشرة أميال من المدينة.

* الزمان: السنة السابعة أو الثامنة للهجرة(1).

* الغاية: حفظ المدينة، وغزو العدو بغتة، وعرض الإسلام عليه.

* المشهد الروائي: أُخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أن مجموعة كافرة عزمت على غزو مدينة رسول الله للقضاء عليه، فبعث ثلاث حملات عسكرية متتالية إلى وادي الرمل، لضربهم في عقر دارهم. وأمّر لكل حملة صحابياً ومعه جنده. غير أن القادة الثلاثة فشلوا في تحقيق النصر وعادوا خائبين.

* المشهد التصويري: عقد النبي لعلي عليه السلام، وأمره وجهزه وشايعه ودعا له. ثم انطلق القائد بمجموعته، ورايات النصر بين يديه. في مسيره، ترك علي جادة الطريق، وأخذ بالسريّة في الأودية بين الجبال، يسير ليلاً متخفياً عن العدو، ويكمن نهاراً(2). وفي عتمة الليل، صعد علي وجنده الجبل الصخري، وأصبح مشرفاً على حصن الأعداء من جهته الخلفية، تاركاً الجهة الأمامية، حيث الحرس وعيون العدو تُشرف على السهل الرملي. كمن علي ليله قرب الحصن، وأشرف على تنفيذ تفاصيل الخطة الخطرة والصعبة بعناية ودقة. قرر أن يهجم من جهة الجبل. ورصد ساحة المعركة، وأمكنة وجود الحرس، واستغلال الثغرات للنفاذ منها. وقرر لهذه الغاية، أن يباغتهم بكامل القوة والتحفز والتصميم والجرأة والعزم. ولتحقيق عنصر المباغتة، وتوسط العدى لزرع الرعب فيهم وتشتيتهم، كان لا بد له من كمِّ أفواه الخيل حتى لا تصهل، فيلتفت جند الكافرين فيُفشلوا الحملة أو يعرقلوها.

* كل شي‏ء بات جاهزاً للمعركة
ولما بدأت شقائق الفجر تنبلج، نادى علي بالصلاة، وصلى بهم جماعة، ودعا الله بالنصرة. وما إن أسفر الصبح، حتى ركب علي وجنده الخيل على اسم الله، ثم انطلق مسرعاً إلى الحصن. أطلقت الخيل عنان قوائمها، ومدت رقابها، ناظرة إلى هدفها. وكلما اقتربت من الحصن، زادت من سرعتها، ففتحت مناخرها تعبُّ الهواء عميقاً، ثم زادت من سرعتها، فارتفعت أصوات أنفاسها، ثم زادت من قوة اندفاعتها، فتطاير شرر النار من تحت سنابكها وهي تصطك على الصخر، والمجاهدون يقبضون على لجامها خشية سقوطها أو كسر عظامها من عثرة بسبب حصاة أو صخرة تحت قوائمها.

وبهذه العزيمة، والاندفاعة السريعة المنسقة بين المجموعات القتالية، والأيادي القابضة على مشهور سيوفهم، اقتحموا الحصن، وتوسطوا الأعداء في قلبهم. ومع إرادة لجم الخيل وإيقافها عن سرعتها فجأة بين وخلال جند العدى، نشر الغبار العالي أرض الحصن المفروش بالرمل، فبُهت الذين كفروا وتضعضعوا. وخلال فترة وجيزة، انتهت المعركة بقتل بعض صناديدهم، وأسر آخرين بشدهم بالحبال.  ونزلت من فورها آيات البشارة على النبي صلى الله عليه وآله، فأمر بالصلاة جامعة، وقرأ سورة لم يسمع بها المصلون. فلما انتهى النبي، سأله صحابته عن آيات لم يعلموا بها، فأخبرهم أن جبرائيل نزل الليلة عليه بسورة العاديات، وأخبره أن أسد الله الغالب، قهر أعداء الله ورسولِه، فعمّت الفرحة أرجاء المدينة. وفي بيت أم سلمة، انتبه النبي فجأة فزعاً، مما أثار أم سلمة وأقلقها، وقال لها: هذا جبرائيل يخبرني أن علياً قادم. ثم خرج إلى الناس، فأمرهم أن يستقبلوه. وقام المسلمون صَفّين ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله يرقب الحدث ببشراه. فلما لاحت طلائع المجاهدين، علت الوجوه نضرة العزة والفخار، وإذ بعلي يبصر نبيه، فيترجل عن فرسه، ويركض إليه معانقاً. ومن ثَمَّ أهوى إلى قدميه يقبلهما. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: اركب، فإن الله ورسوله عنك راضيان. فبكى علي عليه السلام فرحاً(3).

لاحظوا صورة اللقاء جيداً. علي يُقِبل مسرعاً يعانق ابن عمه. ما أروع وأعمق مشهد عناق النبوة للإمامة، أي تواضع هو هذا؟! أية تربية ترباها على يدي سيد ولد آدم؟! ولاحظوا ثانية كيف امتزجت ضحكة الإمامة ببكائها، البكاء فرحاً وشوقاً، فرح النصر وشوق اللقاء إلى معشوقه محمد؟! نعم، أنهى علي مهمته الجهادية، وخلع عنه لباس الحرب. لكن، ما لم يخلع عنه أبداً، هو تلك الكرامة التي أسبغها الله عليه مدى دهر القرآن. فأي فخر وعز ناله علي وقد نزلت السورة به وبجهاده؟! هو يعلم أن القسَمَ الإلهي بأنفاس الخيل وهي تضبح، وبأقدامها التي توري قدحاً بشرر ونار، هو شرف لها. لكنه يعلم أيضاً أن الشرف الذي أراده الله، هو شرف علي عليه السلام، إذ هو فارس وراكب تلكم الأفراس والموجّه لها، فتكون الآيات نازلة به على الخصوص، وللمجاهدين معه على العموم. هكذا تكون ثمرة كل مجاهد في جهاده إذا أخلص، شرفاً وعزاً أو قتلاً في السبيل وجنة نعيم.


(1) عمدة القاري، العيني، ج‏18، ص‏12، نيل الأوطار، الشوكاني، ج‏1، ص‏324.
(2) الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج‏1، ص‏167 168.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي، ج‏1، ص‏382 383.
:

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع