مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام علي عليه السلام في معركة بدر

الشيخ حاتم إسماعيل

 



تحتل معركة بدر الكبرى موقعاً مفصلياً في التاريخ الإسلامي. وكان لها أثر كبير على المسلمين، على المستوى النفسي والميداني، واستعادة الثقة بالله تعالى وبأنفسهم، حيث كانوا إلى ذلك الحين قلة قليلة، يتعرضون لألوان العذاب والتنكيل. والمهاجرون منهم على وجه الخصوص، كانوا لا يزالون واقعين تحت تأثير الخروج من ديارهم وأهليهم بغير حق، ولا يملكون حيلة، ولا وسيلة، للخروج من هذه المحنة، مما زاد في مشكلاتهم، إذ من المعلوم أن الإنسان ربما يضحي بنفسه في سبيل عياله وأولاده، إن كان له أمل في إنقاذهم والذود عنهم. ومما زاد الأمر حراجة، أن قريشاً أرادت قطع دابرهم في دار هجرتهم، فلحقت بهم إلى المدينة المنورة، ولم يستقروا بعد فيها، أو يؤسسوا لطريق العودة، فكانوا في أشد الحاجة إلى ما يرفع معنوياتهم، ويعيد إليهم الأمل، ويخرجهم من حالة الذل التي كانوا يعيشونها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة، بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران: 123).

* المدد الإلهي:
ولما كان المسلمون على هذه الحال من الضعف والمذلة، فلا بد من إمدادهم وتقوية قلوبهم بنحو خفي وظاهر، فكان أن أمدهم بالملائكة، قال تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِه (آل عمران: 124 126). وأما الإمداد الظاهر فكان علي بن أبي طالب عليه السلام، فعلى الرغم من صغره في السن، وحداثة تجربته في الحرب، بحسب المقاييس الخارجية، إلا أنه شكل المثل الأعلى، والقدوة الحسنة للمسلمين في الحرب وفنونها، فكان له الأثر الأكبر في تغيير المعادلة، وإعادة الثقة إلى المؤمنين بأنفسهم، والقناعة بإمكانية الإنتصار، رغم قلة العدد والعدة، إن هم أعاروا الله جماجمهم، وأخلصوا له دينهم.

* أسطورة تفوّق قريش:
لم تكن معركة بدر أول تحرش للمشركين بالمسلمين، فقد عملت قريش ومن ورائها اليهود ومشركو العرب، على بث الرعب في قلوب المسلمين، من خلال إبراز تفوقهم على المسلمين، وأنه ليس للمسلمين حول ولا قوة أمامهم، وكان للدعاية والإعلام أثر ظاهر في ذلك. إلا أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، استطاع بحكمته وحسن تدبيره، أن يُفشل كل هذه المخططات ويجهض إعلامهم، من خلال إرسال بعض السرايا لقطع الطريق على قوافلهم، وإفهامهم أنه والمسلمين بالمرصاد. وبذلك، استطاع صلى الله عليه وآله أن يقوي عزيمة المسلمين، ويشد من أزرهم، ويقطع شريان الخوف من نفوسهم إلى حد بعيد. وقد كان لعلي عليه السلام في هذه السرايا دور هام وخطير، وظهر أمام الملأ أن لعلي عليه السلام شأناً في هذا الدين الحنيف.

* علي عليه السلام في المعركة:
من الثابت تاريخياً أن معركة بدر قد نشبت في شهر رمضان المبارك، وأن المسلمين كانوا في حالة صيام وتعبد، وهذا يزيد من إرهاقهم وضعف بنيتهم، بحسب المعطيات المادية للأحداث، يضاف إلى ذلك قلة العدد والعدة، مقارنة بقريش، فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يقابلهم تسعمائة وخمسون رجلاً من قريش، وفي العتاد والعدة كان مع المسلمين فَرَسان وسبعون بعيراً، بينما كان مع المشركين مائتا فرس، وقيل أربعمائة وسبعمائة بعير(1). ولا يخفى أن لهذا الاختلال الكبير في موازين القوى أثراً كبيراً في معنويات المقاتلين، إذ من غير الممكن بحسب المقاييس المادية، أن يكون النصر حليف المسلمين، ولهذا، كان لا بد من إظهار قدرة الله تعالى فيهم، رغم قلة عددهم وعدتهم، وهو ما لا يمكن أن يتحقق بدون علي عليه السلام، وفي ذلك بيان مقامه الشريف، وتأييد الله تعالى له، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "نادى منادٍ من السماء يوم بدر يقال له: رضوان "لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلا علي""(2)، نظراً لشدة نكايته بالمشركين وفريه لرقابهم. دخل رجل من بني كنانة على معاوية فقال له: هل شهدت بدراً؟ قال نعم، قال فصف ما رأيت، قال: رأيت علي بن أبي طالب غلاماً شاباً ليثاً عبقرياً يفري الفري، لا يثبت له أحد إلا قتله، ولا يضرب شيئاً إلا هتكه، ولم أر أحداً من الناس يحمل حملته ويلتفت التفاته، وكان له عينان في قفاه وكأن وثوبه وثوب وحش وعلي عليه السلام هو الذي قتل أصحاب الألوية من قريش، وكان كلما تكتل جماعة من قريش يحمل عليهم ويقتل منهم(3).

وقد بلغ عدد قتلى المشركين في معركة بدر اثنين وسبعين رجلاً. واشتهر بين المؤرخين أن علياً عليه السلام وحده قتل نصفهم وشارك المسلمين في النصف الآخر، إلا أن الأمر المهم في المقام، هو أن الذين قتلهم علي عليه السلام هم وجوه القوم وأبطالهم(4).

* لواء المسلمين:
من المعلوم أن للواء أهمية كبرى في الحروب، فهو الذي يحرك المقاتلين، ويدفعهم إلى الاستماتة في سبيله، فما دام اللواء مرفوعاً وخفاقاً، قاتل المحاربون أمامه، وأما حينما يسقط فقد حان موعد إعلان الهزيمة والإستسلام. وعلى هذا الأساس، ينبغي لحامل اللواء أن يتمتع بالشجاعة والقوة والعزيمة، كما لا بد وأن يكون على جانب من الإخلاص والتفاني في سبيل المبدأ. من هذا المنطلق، يمكن تفسير إعطاء لواء المسلمين في بدر لأمير المؤمنين عليه السلام، وهو لم يزل في العشرين من عمره، وقد كانت في المعركة ألوية أخرى للفرق والكتائب الخاصة، أعطيت لبعض الصحابة على اختلاف بين المؤرخين، فبعضهم ذكر أنها كانت مع مصعب بن عمير، وبعض آخر أنها مع سعد بن معاذ، وثالث أنها مع رجل من الأنصار. إلا أن ما لا خلاف فيه، أن الراية العظمى كانت مع علي عليه السلام، مما يشير إلى أن القيادة العامة للمقاتلين كانت بيده عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله(5).

وفي ذلك إشارة مهمة إلى قدرات علي عليه السلام وموقعه في الإسلام، وأنه يشكل الملاذ الآمن للمسلمين نظراً للبلاء الذي أبلاه في وقعة بدر، ومدى اطمئنان النبي والمسلمين لقيادته رغم صغر سنه. ومما يشير إلى هذا المعنى أيضاً، أنه عند بداية الحرب استهان المشركون برجال المسلمين، فنادوا يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، وإلا فلا نقاتلكم، استهانة بهم واستكباراً، فأمر النبي‏عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فسألهم عتبة بن ربيعة عن أنفسهم، فعرفهم الحمزة بنفسه، فقال عتبة كفؤ كريم، ولما عرفه بعبيدة وعلي عليه السلام قال: كفوءان كريمان. وهذا أيضاً، يشير إلى أنهم كانوا يرون علياً عليه السلام كفؤاً لقتالهم، وقبلوا منازلته، الأمر الذي يثبت أهميته لنزال الأبطال قبل ذلك، وهو ما أثبته ميدان المعركة أيضاً. والحاصل، أن معركة بدر وضعت علياً عليه السلام في مركز الصدارة بين المسلمين، وأنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله، سواء على مستوى الميدان، أم ما يتمتع به من حكمة وصواب ورأي، أم من جهة قدرته وتفانيه في سبيل المبدأ، وأنه لولاه، لم تكن نتائج الحرب في صالح المسلمين.


(1) في رحاب أئمة أهل البيت، السيد محسن الأمين، ج‏1، ص‏171.
(2) سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسيني، ج‏1، ص‏205.
(3) نفس المرجع السابق.
(4) نفس المرجع السابق، ص‏203.
(5) في رحاب أئمة أهل البيت، ج‏1، ص‏171.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع