مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نفحات: .. إنه ميقات الشوق

آمال جمعة

 


"إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها" رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن لكل عمل من الأعمال العبادية تأثيراً معيناً على روح الإنسان، وهو مفتاح للقرب من الباري تعالى. لذا، اقتضى التشريع الإلهي أن يكون لبعض هذه العبادات هيئات صورية مختلفة تتناسب مع حالة الإنسان المادية الجسدية، والتي تساعده أن يترقى إلى كماله المنشود كل بحسب حاله، فكانت المناسبات وأعمالها من أبواب التقرب، إلى الله والتي شرّعها برحمته لنيل هذا المطلب.

وشهرذي الحجة شهر عظيم، لما فيه من مواقف ومناسبات لا بد للإنسان وبحكم العبودية أن لا يدخلها مع الغفلة حتى لا يضيّع حرمتها، بل عليه أن يراقبها قبل حضورها(1). العشر الأوائل من ذي الحجة من هذه المواقف العشرة الأوائل من ذي الحجة، فهي الأيام المعلومات التي وردت في قوله تعالى: ﴿... وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ (الحج: 28). والذكر لا يجتمع مع الغفلة، لأن تمام الذكر أن يكون الله تعالى حاضراً في روحه وعقله وقلبه . فلكل مناسبة من مناسبات هذا الشهر ذكر خاص. ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: "ما من أيام أزكى عند الله تعالى ولا أعظم أجراً من عشر الأضحى، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله، قال صلى الله عليه وآله: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"(2) ومن أعمال هذه الأيام المباركة الصلاة ركعتين في الليالي العشر الأوائل من ذي الحجة مع الدعاء(3)، والتي ثوابها ثواب من شارك الحجاج حتى ولو لم يحج.

ميقات الحج:
ومن المواقف الجليلة التي ينتظرها المؤمن في هذا الشهر ميقات الحج، فهو ميقات الشوق والقرب من الباري تعالى، والشوق بحقيقته يصوّره الإمام الصادق عليه السلام في قوله: "المشتاق لا يشتهي طعاماً، ولا يلتذ شراباً ولا يستطيب رقاداً، ولا يأنس حميماً، ولا يأوي داراً، ولا يسكن عمراناً، ولا يلبس ثياباً ولا يقرّ قراراً، يعبُد الله ليلاً ونهاراً راجياً بأن يصل إلى ما يشتاق إليه، ويناجيه بلسان الشوق معبّراً في سريرته، كما أخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام في ميقات ربه "وعجلت إليك ربيّ لترضى"(4). والذكر في ميقات الحج يختلف عن غيره من الأذكار في العبادات الأخرى، لجهة أن الإنسان فيه يسعى ببدنه وجوارحه وقلبه للقاء الله، مع ما يترافق ذلك من هجرة للدنيا وأنسها، هجرة الأهل والولد والديار التي تألفها النفس إلى ميقات القرب من الله تعالى(5)، الذي جعل الكعبة الشريفة بيتاً لنفسه وأذن للناس زيارة هذا البيت الذي هو من جنس عالمهم، وشرع لهم مناسك وعبادات وقرباناً ليزيدهم من الأجر والمغفرة.

يوم عرفة يوم الدعاء:
أما يوم عرفة، فخلاصة الكلام عن الدعاء فيه ما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه سمع سائلاً في يوم عرفة يسأل الناس، فقال له: "ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يُرجى فيه للأجنة في الأرحام أن يعمّها فضل من الله فتسعد؟!". ومن أهمية الدعاء في هذا اليوم أنه ورد منع من يضعّفه الصوم عن الدعاء عن الصوم فيه(6)، مع أن في بعض الأخبار الصحيحة المعتمدة أن صومه كفارة تسعين سنة. أما زيارة الإمام الحسين عليه السلام في هذا ا، فتزيده شرافة وفضلاً كما جاء في كثير من الروايات، منها ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "من أتاه في يوم عرفة عارفاً بحقه، كتب له ألف حجة وألف عمرة مقبولة، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل"(7) وفي مصباح المتهجد(8) عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوّار قبر الحسين عليه السلام، ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفعهم في مسائلهم، ثم يأتي أهل عرفات فيفعل بهم ذلك".
 

وليس من الغرابة أن يكون للإمام الحسين عليه السلام مثل هذه الكرامة العظمى عند الله الأكرم الأرحم. فالحسين عليه السلام بذل نفسه وماله وولده وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام في سبيل الله والإسلام العزيز فليس عزيزاً أن يجعل الله تعالى لزائريه هذا الجزاء فيكرمهم ويتفضل بقبول دعواهم، كرامة لمكانة الإمام عليه السلام والتي نالها بدمائه المقدّسة فداء وحباً لله والدين الحنيف. أما مناسبات عيد الأضحى والغدير ويوم المباهلة، فلها مقامات جليلة وأعمال خاصة أُفردت لها صفحات في أبواب المجلة. ونختم بذكر اليوم الأخير من ذي الحجة، وله عمل مرويّ يفتح الله تعالى به طريق النجاة لتدارك ما فات والاستغفار مما ابتلي به في أيام سنته(9).

ومسك الدعاء في هذا المقام، عن الإمام علي عليه السلام: "اللهم نورّ ظاهرنا بطاعتك، وباطننا بمحبتك، وقلوبنا وأرواحنا بمشاهدتك"(10).


(1)المراقبات، الميرزا التبريزي، ص422.
(2)وسائل الشيعة، ج14، ص273.
(3)الصلاة والدعاء واردة في كتب الأدعية، مفاتيح الجنان، ص373.
(4)بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج67، ص24.
(5)ورد في الحديث القدسي "لا تسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن".
(6)الشيخ المفيد، ص376.
(7)أمالي الصدوق، ص143.
(8)ص715.
(9)العمل هو صلاة ودعاء مذكورة في كتب الأدعية، مفاتيح الجنان، ص414.
(10)الذريعة، ج13، ص247.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع