نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كتاب الحياة في الدارين

الشيخ محمد توفيق المقداد

 


عندما نريد الحديث عن القرآن الكريم، فنحن لا نتحدث عن كتاب قصصي أو تاريخي أو علمي أو أدبي، وإنما عن كتاب أنزله الله عزَّ وجلَّ على نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وآله، ليكون هذا القرآن كتاب النور والإيمان والهداية والإرشاد للإنسان إلى يوم القيامة. ولذا تعهد الله بحفظ هذا القرآن من التزييف والتحريف، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 9). ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله للبشرية جمعاء يراد منه الأخذ بيد الإنسان نحو ما فيه خيره ونجاته في الدنيا والآخرة، ولذا طلب منا رب العزة عزَّ وجلَّ "التدبر" في أمر هذا القرآن، وأن لا نغفل عنه في حياتنا، كما قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟! (محمد: 24). وهذه الآية تشير بوضوح إلى ضرورة أن لا يُهْمِل المسلم أمر القرآن، بل عليه أن يتعهده بالرعاية والعناية، وأن يلتزم بما ورد فيه من مفاهيم وأحكام وقوانين، حتى يضمن لنفسه منزلة ومكانة عند الله سبحانه وتعالى.

* مجالسة القرآن زيادة أو نقصان؟
وقد ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "إن أردت عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والأمن يوم الخوف، والنور يوم الظلمات، والظل يوم الحرور، والري يوم العطش، والوزن يوم الخفة، والهدى يوم الضلالة، فادرس القرآن، فإنه ذكر الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان"(1). وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدِّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان من عمى"(2). وإذا كانت المواصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام في هذين الحديثين بهذا المقدار من المكانة والأهمية في حياة الإنسان، فإنهما يدلان كذلك على أن هذا القرآن هو أشرف الكتب وأنفعها للإنسان في حياته الدنيا، لأنه يُخرج الإنسان من طرق الضلال إلى طرق الهداية، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الشر إلى الخير، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الإعوجاج إلى الاستقامة، وماذا يطلب الإنسان المريد للنجاة عند الله يوم القيامة أكثر من هذا؟ وشرف الشي‏ء يمكن الاستدلال عليه من خلال منافعه وفوائده، فكلما كانت الفوائد والمنافع كبيرة ومهمة ولها تأثيرها البالغ في حياة الإنسان معنوياً أو مادياً، كلما كان شرف الشي‏ء أكبر وأعظم، ولا يمكن أن نتصور أنه يوجد كتاب أكثر نفعاً من القرآن في الدنيا والآخرة، ولذا كان أشرف الكتب وأعظمها فيما لو تمسك به، وأكثرها خطراً على الإنسان فيما لو أهمله وتخلى عنه ولم يعمل به.

* منافع القرآن في الدنيا:
وأما منافع القرآن في الدنيا والآخرة، فيمكن الحديث حول ما يلي منها:
أولاً المنافع الإيمانية في الدنيا:

1 تجارة رابحة مع الله عزَّ وجلَّ: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (فاطر: 29).
2 الحديث مع الله عزَّ وجلَّ: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا أحب أحدكم أن يحدِّث ربه فليقرأ القرآن"(3).
3 جلاء القلوب: عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن"(4).
4 القرآن حياة القلوب: عن النبي صلى الله عليه وآله: "يا بني، لا تغفل عن قراءة القرآن، فإن القرآن يحيي القلب، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" الرواية عن كثير بن سليم(5).
5 القرآن والتذكير بالجنة والنار: "كان الإمام الرضا عليه السلام  في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار، بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار"(6).
6 كيفية التعامل مع آيات القرآن: "إن القرآن نزل على خمسة وجوه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال، ودعوا الحرام، واعملوا بالمحكم ودعوا المتشابه واعتبروا بالأمثال" والحديث وارد عن النبي صلى الله عليه وآله(7) وعنه أيضاً: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، آمر وزاجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومَثل"(8).
7 أعظم آية وأعدلها وأخوفها وأرجاها في القرآن: عن النبي صلى الله عليه وآله: "أعظم آية في القرآن آية الكرسي، وأعدل آية "إن الله يأمر بالعدل والإحسان..."، وأخوف آية "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وأرجى آية في القرآن "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً""(9).
8 الاستماع إلى القرآن: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف: 214) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (الإسراء: 107 109).

* منافع القرآن في الآخرة:
ثانياً المنافع الإيمانية الأخروية للقرآن:

وأما منافع القرآن في الآخرة، فهي لا تقل أهمية عن منافعه في الدنيا، بل هي مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً لأنه لا انفكاك بين منافع القرآن الدنيوية الإيمانية والمنافع الأخروية. لأنه من لم يستفد من المنافع الإيمانية للقرآن في الدنيا لن يستفيد من منافع القرآن الأخروية، فمن ضيَّع القرآن في الدنيا أضاعه القرآن في الآخرة.

1-الأجر والثواب: "من استمع آية من القرآن خير له من تبير ذهباً"، والتبير اسم جبل عظيم باليمن. الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله(10). وعنه صلى الله عليه وآله: "يُدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويُدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة"(11)، وعنه صلى الله عليه وآله: "من استمع إلى آية من كتاب الله كُتبت له حسنة مضاعفة. ومن تلا آية من كتاب الله، كانت له نوراً يوم القيامة"(12).

2-القرآن قرة العين يوم القيامة: عن النبي صلى الله عليه وآله: "ما من عين فاضت من قراءة القرآن إلا قرّت يوم القيامة"(13).

3-القرآن أمان من العذاب يوم القيامة: عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "عليك بقراءة القرآن فإن قراءته كفارة للذنوب: وستر في النار، وأمان من العذاب"(14) وعنه صلى الله عليه وآله: "إقرؤوا القرآن واستظهروه، فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن"(15) وعنه صلى الله عليه وآله: "لا تغرنكم هذه المصاحف المعلَّقة، إن الله تعالى لا يعذب قلباً وعى القرآن"(16).

4-أجر تعليم القرآن: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "ألا من تعلَّم القرآن وعلَّمه وعمل بما فيه، فأنا له سائق إلى الجنة ودليل إلى الجنة"(17) وعنه صلى الله عليه وآله: "من علَّم ولداً له القرآن، قلده قلادة يعجب منها الأولون والآخرون يوم القيامة"(18).

5-أجر قارئ القرآن: عن النبي صلى الله عليه وآله: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شي‏ء معه منه"(19). وما ذكرناه من المنافع للقرآن في الدنيا والآخرة هو غيض من فيض. والشرط الأساس للاستفادة من منافع القرآن التي ذكرنا بعضها هو الالتزام التام به والعمل بمضامينه والوقوف عندما أمرنا بالوقوف عنده، فلا نتجاوزه ولا نفسره وفق أهوائنا ورغباتنا وشهواتنا. وقد ورد النهي الصريح عن تأويل القرآن وتفسيره بما يتناسب مع الرغبات والأهواء، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث قدسي "قال الله جلَّ جلاله: ما آمن بي من فسَّر برأيه كلامي"(20).

وعن النبي صلى الله عليه وآله "من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار"(21). وعنه صلى الله عليه وآله: "من قال في القرآن بغير ما علم، جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار"(22). وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من فسَّر القرآن برأيه فأصاب، لم يؤجر. وإن أخطأ، كان إثمه عليه"(23). وكذلك من تعلم القرآن ولم يعمل به ولم يهتدِ بهديه ويلتزم بتعاليمه ويعمل بأحكامه، وإنما كان هدفه طلب الدنيا ونعيمها وزخارفها، فمثل هذا الإنسان يكون قد أضاع الفرصة على نفسه يوم القيامة، وسيكون حسابه عسيراً، لأنه تعامل مع أشرف كتاب وأنفعه في غير موضعه وهدفه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: "من قرأ القرآن يريد به السمع والتماس شي‏ء، لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ووجهه مظلم ليس عليه لحم. ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة أعمى فيقول: "ربِّ لم حشرتني أعمى...""(24).


(1) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏2521، عن كنز العمَّال.
(2) نهج البلاغة، ج‏2، ص‏91.
(3) الجامع الصغير، ج‏1، ص‏58، ح‏360.
(4) الدعوات للراوندي، ص‏237، ح‏662.
(5) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏2525 عن كنز العمَّال.
(6) بحار الأنوار، ج‏3، ص‏94.
(7) مستدرك الوسائل، ج‏4، ص‏234، ح‏9.
(8) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏2533 عن كنز العمَّال.
(9) المصدر السابق، ص‏2536 عن كنز العمَّال.
(10) بحار الأنوار، ج‏89، ص‏19.
(11) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏2531، عن كنز العمَّال.
(12) المصدر السابق.
(13) المصدر السابق، ص‏2529 عن كنز العمَّال.
(14) بحار الأنوار، ج‏89، ص‏17، ح‏18 عن جامع الأخبار.
(15) مستدرك الوسائل، ج‏4، ص‏245، ح‏1 عن جامع الأخبار.
(16) ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏2522 عن كنز العمَّال.
(17) المصدر السابق.
(18) المصدر السابق.
(19) المصدر السابق، ص‏2521 عن كنز العمَّال.
(20) الأمالي للصدوق، ص‏55، ح‏3.
(21) بحار الأنوار، ج‏3، ص‏2232، ح‏14.
(22) المصدر السابق، ج‏89، ص‏112، ح‏20.
(23) مستدرك الوسائل، ج‏17، ص‏334، ح‏29.
(24) بحار الأنوار، ج‏73، ص‏365.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع