الشيخ علي ذوعلم
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"(1). لا تتحقق السعادة الأخروية والحياة الخالدة من دون زاد. وهذه الدعوة من الأمور الواضحة التي أرادها اللَّه تعالى منّا: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (البقرة: 197). ولعل الذين يظنون إمكانية الوصول إلى رضا اللَّه ونعيمه من دون السعي للتزود هم في ضلال. واللَّه تعالى وعلى أساس عطفه ورحمته قد يقبل الزاد الناقص الذي يبيّن سعي العبد في التزود للآخرة ويجعله سبباً للحصول على النعيم الأبدي.
* أفضل الزاد
إنّ أفضل ما يمكن التزود به للآخرة هو خدمة عباد اللَّه في سبيل اللَّه. إذ رغم أن العبادات المؤثرة والمفيدة والكبيرة غير محدودة بخدمة الخلق فقط، إلا أن خدمة الخلق هي واحدة من أهم وأفضل العبادات، فمن خلالها يتم تحقيق حاجات ومتطلبات الناس وحلّ مشاكلهم، وترتقي هذه العبادة عندما تختص بالمؤمنين والمحرومين. وعندما تكون الخدمة في سبيل اللَّه وليس لأجل هدف دنيوي. أما مصاديق خدمة خلق اللَّه فكثيرة، ابتداءً من أداء حقوق المحتاجين منهم، والسعي في سبيل تعليمهم وتربيتهم، وحل مشكلات المجتمع، وتقديم الخدمات الصحيّة والسّعي في تدبير أمورهم. كل هذه الأمور إذا كانت في سبيل رضا اللَّه تعالى فهي من العبادات الهامة التي كثُر ذكرها في الروايات الإسلامية.
* أسوأ الزاد
توجد أمور تعد من أسوأ ما يتزود به الإنسان للآخرة منها: معاداة عباد اللَّه وإلحاق الضرر بهم وأذيتهم، وعدم الحفاظ على سلامة المجتمع، وترويج الفساد والانحراف الفكري والأخلاقي وكل الأمور التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بسعادة الناس في حياتهم المادية والأخروية. ويعتبر إمساك حق الناس أكثر المسائل صعوبة وإشكالاً من عدم أداء حق اللَّه. لقد أكد الإسلام أن أصعب المشكلات التي يصادفها الناس في عالم المحشر مصدرها حقوق الناس التي لم تؤدَّ بشكل صحيح.
إنّ عباد اللَّه هم في الواقع العباد الذين يعملون من أجل الرّشد والكمال، ولذا فهم يمتلكون حقوقاً خاصّة يعتبر عدم أدائها من الذّنوب والمعاصي. إذ يعتبر الإسلام أنّ كرامة الإنسان تشمل كل فرد من أفراده، وعندما يقرر الإسلام بعض العقوبات على المجرمين إنما يقوم بذلك بهدف إصلاح المجتمع. أما الحكمة من وجود الأحكام القضائية والجزائية في الإسلام من قبيل الحدود، الديات، التعزيرات والقصاص، فهي خدمة المجتمع وإصلاح المخالفين ومنع الجرائم والمشكلات وكل الأمور التي تلحق الضرر بسعادة الإنسان. فعندما يواجه الإنسان المؤمن الكفار لا يعارضهم، ولا يعاديهم لأسباب شخصية أو لأجل الانتقام أو ما شابه ذلك، بل على أساس أن إجراء حدود اللَّه تعالى هو خدمة للمجرمين أنفسهم ومحاولة لإصلاح المجتمع. بناءً على هذا، فإنّ معاداة عباد اللَّه من وجهة نظر الإسلام، هي من الذنوب التي تمنع استجابة الدعاء وقبول الأعمال العبادية من الفرد. أما بعض التّصرفات الشّخصية كالغيبة، والتّهمة، والتّجسس فجعلها الإسلام من الذّنوب والمعاصي ومن مصاديق الاعتداء على حقوق النّاس.
* إرادة الخير.. للجميع
يحمل كلّ مسلم مسؤوليّة إرادة الخير للجميع، وهي يجب أن لا تقتصر على الأقارب والجيران، بل يفترض أن تكون إرادة الخير هذه شاملة لجميع أفراد النوع البشري. فمسؤولية المسلم الإحسان إلى الآخرين وحلّ مشكلاتهم قدر الاستطاعة. وعليه يكون أسوأ زاد للآخرة عدم إرادة الخير، والحقد، والعداوة، والخصومة مع الآخرين. لقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم رسولَ الرّحمة والرّأفة أسوة المسلمين وكل محبي الخير إلى أيّ دين أو قوم أو طائفة انتموا، فهو لم يعادِ أحداً لأسباب شخصية. وشكلت دعوته وجهاده ضد الأعداء المثال الأبرز لمحبة الآخرين حيث كانت دعوته وكان جهاده من باب الهداية وإرادة الخير للآخرين. وكذلك لم يكن جهاده بهدف توسيع السلطة السياسية أو الاستعمار والاستثمار أو لتأمين المصالح الشخصيّة أو العائليّة أو القوميّة أو المذهبيّة. ولعلّ ما يقلق أصحاب الضمائر الحيّة في هذا العصر الذين يعتبرون الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم أسوتهم هو ابتعاد أهل هذا العصر عن الصّراط المستقيم والانحراف عن طريق الهداية والكمال.
1.نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 4، ص 49، حكمة 221.