نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سيماهم في وجوههم

الشيخ عبّاس إبراهيم
 


"كُلْ على ذوقك والبس على ذوق الناس". اشتهرت هذه المقولة كمثلٍ يؤسّسُ لثقافة اجتماعيّة تقضي بجعل "إعجاب الناس ورأيهم" المعيارَ في تحديد السلوك المتعلّق بالمظهر والشكل. وهذا ما لا يقبله الإسلام؛ إذ إنّ المعيار في رسم نمط سلوك المسلم هو الدور والهدف الذي خُلِق الإنسان من أجله.

•لا للباس الشهرة
إنّ الأدوار هي التي تحدّد الأنماط السلوكيّة، وسموّ الجوهر هو الذي يفرض طبيعةَ الشكل والمظهر. ومن هنا حرّم الإسلام لباس الشهرة -وهو كلّ لباس لا يليق بصاحبه، ويجعله في معرض الإشارة إليه بالبنان، وفي معرض الاستهزاء والازدراء داخل بيئته ومجتمعه- لأنّه لا ينسجم مع جوهر المؤمن وباطنه؛ فالمؤمن سِمَتهُ الثبات، وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقلّ منه، والمؤمن لا يستقلّ من دينه شيء"(1)، فكلُّ لباس أو مظهر يوحي بالخفّة وعدم الرصانة، لا يقبله الإسلام ولا يرتضيه؛ لأنّه يعكس خلاف جمال الجوهر ويحكي عدم لياقة الشخص للقيام بالدور المُلقى على عاتقه، وهو قيادة المسيرة البشريّة، كما يُستفاد من قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

•الظاهر انعكاس الباطن
فالإسلام يريد أن يكون ظاهرُ الفرد المسلم مرآةً تعكس جمال باطنه، كما يريد لباطنه الذي هو جوهره أن يكون سامياً بسموّ المشروع الإلهيّ الذي ينتمي إليه. فالمسلمُ كزجاجة عطر باطنُه رحيق وظاهرُه أنيق. ولكي يضمن الدين هذا التناسب الجماليّ بين سموّ الأدوار والأهداف، وبين استقامة أنماط الحياة ولياقة الشكل وضع برنامجاً سلوكيّاً وعباديّاً يتماهى فيه البعدان -باطن خاشع وظاهر ناصع- وهما معاً يشكّلان صورة الإنسان الرساليّ.

•بناء السلوك الرياديّ
وفي هذا السياق، يندرج ما ورد في النصوص الدينيّة بما يرتبط بصناعة السّلوك الرياديّ لدى الإنسان المؤمن. فالإسلام يريد من المؤمن أن يكون قائداً إلى الخير بشكله، وفكره، ومضمونه، وسلوكه ومنطقه؛ ولهذا نهاه عن اقتراف الكذب: "إيّاك والكذب، فإنّ الكذب يُسوّد الوجه"(2)، وعن الغيبة والنميمة والسُّباب؛ إذ السبّاب لا يسود ولا يقود صاحبه؛ لأنه ينفِّر عن اتّباعه بسوء لفظه وقوله، والنمّام وصاحب الغيبة لا أمان لهما وهما مرآة تعكس الشرّ؛ ومن كان كذلك لا يليق به أن يُتّبع أو أن يهدي إلى البرّ والتقوى.

فالمؤمن الذي يريده الإسلام "وقور عند الهزائز، ثبوت عند المكاره، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، الناس منه في راحة، ونفسه منه في تعب"(3).

•المؤمن مُلهمٌ إلى كلّ خير
المؤمن إنسانٌ مُلهِم؛ فعن الإمام الباقر عليه السلام: "رحم الله عبداً من شيعتنا حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم"(4)، وكذلك ورد: "رَحِمَ اللهُ امْرَءاً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَيْنَا"(5)، فالمؤمن عندما يُسرج في قلبه قنديل الإيمان والوعي والتديّن، ويُلبس ظاهره بُرْدَةَ الرصانة والريادة والاتّزان، يصبح زهرةً فوّاحةً تجذب بعطرها وسحر مظهرها كلَّ باحث عن الجمال والوقار، لكنّها إذا ما زُرعت في غير موضعها، تذبل ويقلّ روّادها، ويعرض عنها ذوو الذوق الرفيع، وكذلك المؤمن إذا ما وضع نفسه حيث لا يليق به، ضاع جماله، وتشتّت عبيره، وفقد دوره.

•صُن نفسك عن الذبول
ومن هنا، حرّم الله تعالى أن يضع الإنسان نفسه في موطن الشبهة والازدراء، ونهاه عن معاشرة أصدقاء السوء الذين يشوّهون جماله بمعاشرتهم؛ فإنّ "صحبة الأشرار تُكسب الشرّ، كالريح إذا مرّت بالنتن حملت نتناً"(6)؛ ولذلك فـ"اصحب من إذا صحبته زانك"(7) كما ورد عن الإمام الحسن عليه السلام، و"اختر المجالس على عينيك"(8) كما في وصيّة لقمان الحكيم؛ أي بدقّة ووعي؛ فلا يليق بالمؤمن أن يضع نفسه في مكانٍ لا يناسب شأنه ودوره.

•ملامح شخصيّة المؤمن
هذا وقد رسم الإسلام بريشة الجمال الرصين ملامح شخصيّة المؤمن كلّها، ووضع أبعادها على مستوى الظاهر والباطن، وصانها من كلِّ انقياد إلى ثقافات لا تتّخذ الإسلام شعاراً وهويّة، وفي الحديث: "أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه قل للمؤمنين: لا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"(9).

•الزيّ تابع للهدف
لذلك على المؤمن أن يكون رساليّاً في شكله ومظهره، بعيداً عن "تقليد المشاهير" ومحاكاة "الموضة" التي لا تمتّ إلى ثقافته الرساليّة بصلة، وأن لا يشوّه جسده بالوشم وبالرسومات والعبارات -التاتو- وكأن الله تعالى لم يخلقه في أحسن تقويم!

•كونوا زيناً لنا
ولأنّ المؤمن داعٍ إلى الله تعالى بلسانه وجوارحه، عليه أن يجسّد قول الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شَيناً علينا"(10)، فعلينا أن نكون بكلّ تفاصيلنا زيناً لهم؛ بكيفيّة قصّ شعرنا، وتسريح لحيتنا، ونوع ثوبنا، وطريقة كلامنا وجلوسنا، بل حتّى في محتويات صفحاتنا الافتراضيّة، ومَن نختاره صديقاً على تلك المواقع؛ ففي ذلك كلّه نحن مكلّفون بتجسيد جمالهم عليهم السلام، وهذا الجمال لم يتركه أهل البيت عليهم السلام مبهماً غامضاً تابعاً لأذواق الأفراد والأشخاص، بل تحدّثوا عنه بوضوح وتفصيل، ونحن نستعرض بعضاً من ذلك:

1- ما يرتبط بُحسن الإطلالة:
أ- من المعلوم أنّ الابتسامة رسول محبّة وألفة، والاعتناء بالأسنان يصون جمال هذه الابتسامة، مضافاً إلى كون الفم طريق القرآن؛ لذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "السواك مرضاة الله، وسُنّة النبيّ، ومطهرة للفم"(11).

ب- ورد التأكيد على الاهتمام بالشعر وتسريحه بما يعكس جمال المؤمن ورقيّه، وإلّا فعلى المؤمن جزّه؛ لأنّ تركه في صورة الإهمال لا يليق بالمؤمن المأمور بالنظافة والترتيب؛ ومن ذلك ما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من اتّخذ شعراً فليُحسن ولايته، أو ليجزّه"(12)، وفي الرواية سُئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31)، قال: "من ذلك التمشّط عند كلّ صلاة"(13).

ج- وورد الحثّ على تدوير اللحية، وتسريح العارضَين والحاجبَين وغير ذلك من شعر الوجه والرأس، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "تسريح العارضين يشدّ الأضراس، وتسريح اللحية يذهب بالوباء، وتسريح الذؤابتين يذهب ببلابل الصدر، وتسريح الحاجبَين أمان من الجذام، وتسريح الرأس يقطع البلغم"(14).

2 - ما يرتبط بجمال سائر البدن:
أ- الثوب: حثّ الإسلام المؤمنين على ضرورة الاهتمام بنظافة الثوب، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من اتّخذ ثوباً فلينظّفه"(15).

ب-الهيئة الحسنة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزيّن للغريب الذي يحبّ أن يراه في أحسن الهيئة"(16).

ج-التختّم: أمر بالتختّم في كثير من الروايات، وأن يكون ذلك في اليد اليمنى واختيار الأحجار الكريمة.

د- تقليم الأظافر: اهتمّ الإسلام بتقليم الأظافر: "من السنّة تقليم الأظفار"(17).

هـ- التطيّب: اهتمّ الإسلام بالتطيّب؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطيّب لله تعالى، جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر"(18)، وبشكلٍ عام "إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال عليه السلام: ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويحسّن داره، ويكنس أفنيته..."(19).

•أهميّة الأهداف والأدوار
وفي الختام، من يقرأ تعاليم الإسلام فيما يرتبط بمظهر المسلم وشخصيّته، يدرك بوضوح أنّها تندرج في سياق جعل الأدوار والأهداف هي الأصل والمعيار في تحديد العادات والأنماط السلوكيّة التي ينبغي أن يتّصف بها المؤمن، والتي تعينه في رساليّته، وتعزّز دوره كقدوة وملهم من خلال شكله وزيّه، فضلاً عن فكره وفعله.


1.الكافي، الكليني، ج2، ص241.
2.تحف العقول، ابن شعبة الحرّاني، ص14.
3.بحار الأنوار، المجلسي، ج75، ص27.
4.الكافي، (م.س)، ج8، ص229.
5.الأمالي، الصدوق، ص159.
6.عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص304.
7.بحار الأنوار، (م.س)، ج44، ص139.
8. مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج5، ص289.
9.مجموعة ورام، ورام بن أبي فراس، ج1، ص23.
10.بحار الأنوار، (م.س)، ج75، ص199.
11.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج2، ص8.
12.(م.ن)، ج2، ص129.
13.الكافي، (م.س)، ج6، ص441.
14.وسائل الشيعة، (م.س)، ج2، ص124.
15.(م.ن)، ج6، ص441.
16.(م.ن)، ج6، ص440.
17.(م.ن)، ج6، ص490.
18.المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني، ج8، ص105.
19.وســائل الشيعــــة، (م.س)، ج5، ص107.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع