الشيخ علي حجازي
إنّ تقوى الله تعالى هي أساس فلاح الإنسان، قال تعالى ـ: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ (البقرة: 5). والتقوى تحتاج إلى عقيدة صحيحة وسلوك عمليّ سليم، يرضي الله تعالى ـ، ويصلح شأن التقيّ. ومن السلوكيّات الموصلة إلى التقوى اجتناب الأطعمة والأشربة المحرّمة. وحتّى يستطيع الإنسان اجتناب الحرام فعليه أن يتعرّف إليه أوّلاً. وفي هذه المقالة يتتابع الكلام عن الأطعمة والأشربة، وقد وصلنا إلى غير الحيوان.
1ـ الأعيان النجسة
لا يجوز أكل جميع الأعيان النجسة، فلا يجوز تناول الدم والبول والغائط والميتة ونحو ذلك من الأعيان النجسة.
2ـ الأعيان المتنجّسة
الأعيان المتنجّسة نوعان:
الأوّل: ما لم يكن قابلاً للتطهير، كالزيت المتنجّس، فلا يجوز تناوله أصلاً.
الثاني: ما كان قابلاً للطهارة، كما لو تنجّست قطعة تفّاح، وفيها صورتان:
الأولى: يحرم تناولها قبل تطهيرها.
الثانية: يجوز تناولها بعد تطهيرها.
3ـ الأعيان المضرّة
أ- يحرم ولا يجوز أكل أو شرب كلّ ما يضرّ بالبدن. وما يسبّب الضرر أنواع، منها:
أوّلا: ما يوجب الهلاك، كتناول السموم القاتلة، وكشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين.
ثانياً: ما يوجب فقد بعض الحواسّ الظاهرة أو الباطنة.
ثالثاً: ما يكون تناوله مسبِّباً لانحراف المزاج. ونحو ذلك.
ب- قد يكون المكلَّف مريضاً تضرّه بعض الأطعمة والمشروبات في حالة مرضه، فلا يجوز له تناول هذه الأطعمة والأشربة. مثلاً: هناك أطعمة ومشروبات تضرّ مرضى السَّكريّ، ومرضى الضغط المرتفع مثلاً ـ، ففي حالة كهذه يحرم تناول كلّ ما يسبّب الضرر، ولو كان التناول في غير حال المرض غير مضرّ، فيكون في حال المرض حراماً.
ج- يحرم أكل أو شرب ما يوجب التهلكة (الموت) في حالة العلم والظنّ بذلك. وكذا يحرم مع احتمال الإيصال إلى الموت إذا كان احتمال الضرر معتدَّاً به عند العرف والعقلاء، بحيث يوجب الخوف عندهم.
د- الأحوط وجوباً حرمة تناول المضرّ بما دون الموت بلا فرق بين العلم والظنّ والاحتمال المعتدّ به الموجب للخوف.
4ـ ما يضرّ كثيره
ما كان من الطعام والشراب يضرّ كثيره دون قليله، فيحرم كثيره، ولا يحرم قليله.
5ـ أكل الطين والمدر
يحرم أكل الطين والمدر. والطين هو التراب المبلّل بالماء قبل أن يجفّ. والمدر هو الطين اليابس.
6ـ طين قبر الحسين عليه السلام
يجوز تناول طين قبر سيّدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بشرطين:
الأوّل: أن يكون بقصد الاستشفاء، ولا يجوز أكله لغير الاستشفاء.
الثاني: أن لا يكون أزيد من قدر حبّة الحمّص المتوسّطة.
7ـ أكل التراب والمعادن
إنّ أكل التراب والرمل والأحجار والمعادن فيه صورتان:
الأولى: إذا كان مضرّاً فيحرم أكله.
الثانية: إذا لم يكن مضرّاً فيجوز أكله.
8ـ شرب الخمر
يحرم شرب الخمر، وقد ورد في الأخبار التشديد العظيم في تركها، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الخمر أمّ الخبائث، ورأس كلّ شرّ، يأتي على شاربها ساعة يُسلب لبّه فلا يعرف ربّه، ولا يترك معصية إلّا ركبها، ولا يترك حرمة إلّا انتهكها، ولا رحماً ماسّة إلّا قطعها، ولا فاحشة إلّا أتاها"(1).
9ـ كلّ مسكر
يحرم تناول كلّ مسكر، سواء أكان جامداً أم مائعاً. وما أسكر كثيره دون قليله يحرم تناول كثيره وقليله.
10ـ الفقّاع (البيرة)
يحرم تناول الفقّاع، سواء أسبّب الإسكار أم لا.
11ـ عصير العنب
أ-يجوز شرب عصير العنب ما لم يغلِ. فإذا غلى فصورتان:
الأولى: إذا غلى ولم يذهب ثلثاه فيحرم تناوله، ولكنّه طاهر. فلو أنّ قِدْراً وضع فيها عصير عنب، وكان ارتفاع العصير في القدر مثلاً 9 سم، فإذا بقي العصير أكثر من 3 سم فشربه حرام.
الثانية: إذا غلى وأُبقي على النار حتّى ذهب ثلثاه يحلّ شربه. فلو بقي في القدر ارتفاع 3 سم أو أقلّ، فيكون الذاهب 6 سم، وهو الثلثان.
12ـ العنب
لو وضعت حبّة عنب في الماء الذي يغلي فصورتان:
الأولى: لو غلى العصير في جوفها فيحرم تناوله.
الثانية: لو لم يغلِ العصير في جوفها فلا تحرم.
ومجرّد كون الحبّة تعلو وتسفل في الماء المغلي لا يوجب غليان جوفها، فما لم يحصل العلم بغليان العصير في جوفها فالحبّة حلال.
13ـ عصير الزبيب
لا يحرم تناول العصير الزبيبي وإن غلى بالنار باعتبار أنه ليس للزبيب عصير، فإذا حصل في جوف الزبيب ماءٌ فالظاهر أن ما فيه ليس من عصيره فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغلي.
14ـ الطعام المحترق
إذا احترق طعام ما (كالبصل والخبز) فصورتان:
الأولى: إن كان يسبّب الضرر فيحرم تناوله.
الثانية: إن لم يكن مسبّباً للضرر فيجوز تناوله.
15ـ مال الغير
لا يجوز تناول مال الغير بدون إذنه ورضاه، ولا بدّ من إحراز إذنه ورضاه قبل تناوله.
16ـ الضرورة
يجوز تناول جميع المحرّمات المذكورة حال الضرورة في صور عديدة منها:
الأولى: إذا توقّف حفظ النفس وسدّ الرمق على تناول المحرّم.
الثانية: إذا كان ترك التناول مؤدّياً لعروض المرض الشديد الذي لا يُتحمّل عادة.
الثالثة: إذا كان تركه مؤدّياً إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى المرض الشديد الذي لا يُتحمّل عادة.
الرابعة: إذا أدّى تركه إلى الجوع والعطش اللّذين لا يُتحمّلان عادة.
الخامسة: إذا أدّى تركه إلى الخوف على نفس أخرى (غير الآكل والشارب)، على أن تكون النفس محترمة غير مهدورة الدم، كالحامل لو تركت تناول المحرّم تخاف على جنينها، والمرضعة تخاف على رضيعها.
السادسة: إذا أدّى تركه إلى خوف طول المرض الذي لا يُتحمّل عادة، وغير ذلك.
والقاعدة في الجميع: يجوز تناول المحرّم مع الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ، بل الحاصل بالاحتمال الذي له منشأ عقلائيّ، أي أن لا يكون مجرّد وسوسة وتوهّم بلا مبرّر.
17ـ الضرورات تقدّر بقدرها
إذا اضطرّ المكلّف إلى تناول المحرّم فيجب الاقتصار على مقدار الضرورة، ولا تجوز الزيادة عن مقدار الضرورة.
18ـ التداوي بالحرام
يجوز التداوي بالمحرّم لمعالجة الأمراض، بشرط أن ينحصر العلاج بالحرام، ومع عدم الانحصار فلا يجوز.
19ـ الأكل على مائدة الخمر
لا يجوز الأكل والشرب على مائدة يُشرب عليها شيء من الخمر، أو غيرها من المسكرات، أو البيرة.
(1) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 25، ص 317