إعداد: إبراهيم منصور
• من غريب القرآن
ـ تُبْسَلُ، في قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ (الأنعام: 70)، أي: تُحرَمُ الثواب. والبَسْلُ هو الحرام، قال عزّ وجلّ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ﴾ (الأنعام: 70)، أي: حُرِموا الثواب. ومن معاني البَسْل: ضَمُّ الشيء، فاستُعيرَ لتقطيب الوجه (العُبوس)، فقيل: هو باسل، أي منقبض الوجه، عبَّاس!(1).
• من أجمل ما قيل
قال الفيلسوف الإسلامي المتصوِّف أبو حامد الغزالي، في كتابه (المنقذ من الضلال): "العاقل من يقتدي بسيِّد العُقلاء عليٍّ عليه السلام، حيث قال: لا تَعْرِفِ الحقَّ بالرجال، إعرِفِ الحقَّ تَعْرِفْ أهلَه"!(2).
• الرجوع إلى الحقّ
جاء في كتاب (كيف ترجعُ كما ولدتك أُمُّك)(3): "ومن لطيف ما رُوِيَ حول الحجر الأسود، أنّ عمر بن الخطاب مرَّ عليه فقال: والله، يا حجر، إنّا لنعلمُ أنَّك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنفع، إلا أنَّنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله يُحبُّك، فنحن نحبُّك. فقال أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام: كيف، يا ابن الخطاب؟! فوالله ليبعثنَّه الله، يوم القيامة، وله لسانٌ وشفتان، فيشهد لمن وافاه، وهو يمينُ الله عزّ وجلّ، في أرضه، يبايعُ بها خَلْقَه. فقال عمر: لا أبقانا الله في بلدٍ لا يكون فيه عليّ بن أبي طالب"!
• من أجمل الشعر
ما أبدعه أديب لبنان الكبير، جبران خليل جبران، في كتابه (المواكب)، ناقماً وناعياً عدالة البشر، حيث يقول:
العدلُ في الأرض يُبكي الجِنَّ لو سمِعوا |
به ويستضحكُ الأمواتَ لَوْ نظروا |
فالسجن والموتُ للجانين إن صَغُروا |
والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كَبُروا |
فسارقُ الزهرِ مذمومٌ ومُحتَقَرٌ |
وسارقُ الحقلِ يُدعى الباسلُ الخطِرُ |
وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتِهِ |
وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ! |
• من أمثال العرب
"النَّزائعَ لا القرائب": النزائع: جمع نَزيعة، وهي الغريبة. والقرائب: جمع قريبة. وقد نَصَبوا "النزائعَ" على تقدير "تزوَّجوا"، وهو فعل أمر، وما بعده منصوبٌ به.
ومن هنا، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "اغتَربوا لا تُضْوُوا"، أي: تزوَّجوا في البِعادِ الأنساب، لا في الأقارب، لئلّا تَضْوَى أولادُكم. وقيل: معناه انكِحوا في الغرائب دون القرائب، فإنّ وَلَدَ الغريبة أنجبُ وأقوى، وولد القريبة أضعفُ وأضوَى(4).
• من أجمل التشبيه
من أجمل الشعر الذي يتضمَّن تشبيهاً تمثيليّاً، أي تتعدَّد فيه أوجُه الشبَه، قول الشاعر الأرَّجاني واصفاً حاله بعيداً عن الحبيب:
تزايُدَ الشُّهْبِ إثرَ الشمسِ في الأُفُقِ |
يَزدادُ دمعي على مِقدارِ بُعدِهمِ |
فقد شبَّه دموعَه بالشُّهب المتساقطة في السماء، وشبَّه الحبيبَ بالشمس النيِّرة، وشبَّه بُعدَ الحبيب ببُعد الشمسِ في الأُفُقِ. أمَّا التشبيه الرابع هنا وهو الأوضحَ فهو تشبيه تزايُدِ دموعِه وغزارتها، بالتزايد المتسامح لعدد الشُّهب وراء الشمس!
• قالت لي المرآة
ـ ها قد عُدْتَ مجدَّداً تقرأ القرآن ويسرح خيالُك بعيداً. أحرى بكَ أن تركِّز على معانيه.
ـ نعم، ولكنَّ لسرحاني سبباً، وأنا، في الحقيقة، أسرح في معانيه العجيبة، ولستُ أزعم أنني أفهمها تماماً.
ـ فما الذي اعتاص(5) عليكَ منها، اليوم؟
ـ لقد قرأتُ في سورة النبأ (الآية 7ـ 8) ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً*وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾، وفي سورة الأنبياء (31) ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾، وفي سورة (لقمان: 10) ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾، وفي سورة (النحل: 15) ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ.. ﴾؛ ووقفتُ حائراً: لِمَ كلُّ هذا التأكيد على موضوع الجبال، وأن الله تعالى قد وضعها مواضعَها لئلا تميد بنا الأرض، أو تتحرَّك، مع أنّ الأرض في حركة دائمة؟! ثم إنّ الجبال مؤلّفة من صخور ثقيلة، فالأحرى بها وهي بهذه الارتفاعات الشاهقة أن تُضيف وزناً زائداً إلى الأرض، وتُحدِثَ خللاً في توازنها، وهو عكس ما تقوله الآيات الكريمة، فهذا ما لا أفهمُه!
عندها برقت المرآة في خاطري فقالت:
ـ اسمع يا أخي: إنّ كلامك هذا فيه شُبهة؛ يقول علماء الجيولوجيا إنّ أديمَ الأرض (القشرة) ينقسم إلى قسمين: السطح (سيال) أو الأديم العلوي الذي تتشكّل منه القارّات (وهو صخور صلبة خفيفة الكثافة كالغرانيت)، ولا تتعدى هذه الكثافة (7‚2)، و(السيما)، أو القشرة السفلية التي تشكِّل أحواض المحيطات. وتتكوَّن طبقة (السيما) من صخور بركانية ثقيلة مثل البازلت، وتبلغ كثافتها(3) تقريباً(6).
إذاً، قيعان المحيطات أكثف وأثقل من القارّات اليابسة، فإذا انضاف إليها ثقل المياه الشديد في المحيطات والبحار تصبح هذه الطبقة من الأرض أثقل بكثير من صخور القارّات المؤلّفة أصلاً من (السيال) أي السيليسيوم والألومينيوم ذلك المعدن الخفيف. وهذا من شأنه أن يحدث خللاً في توازن الأرض؛ لذا فقد جعل الله تعالى هذه الجبال الرواسي ثوابتَ تمنع مَيَدانَ الأرض، وتُعيد إليها التوازن.
عندئذٍ هتفتُ قائلاً: سبحانَ من جعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً أن تميدَ بنا، وله العزَّةُ والمُلْك، إنه اللطيف الخبير.
• من أجمل الردود
سأل معاويةُ أحدَ الأعرابِ، واسمُه صحّار العبدي، قائلاً:
ما هذه البلاغةُ فيكم؟
فأجابه الأعرابيُّ بقوله، وأجاد:
ـ شيءٌ يختلجُ في صدورنا، فتقذفُه ألسنتُنا، كما يقذفُ البحرُ الدُّرَر!
وهذه لفتة بارعة من هذا الأعرابي، أدركها بفطرته التي فطرَه الله تعالى عليها، وصوَّرها على طبع سجيَّته.
• من جذور الكلام
كَسَرَ السُّفْرة: أصلُ الكَسْر هنا من انكسَرَ العجينُ، بمعنى لانَ واختمر، أو من كَسَرَ الخُبزَ، لأنّ الخُبزَ كان يبيتُ أياماً فيتصلَّب، لذا فهو يُكْسَرُ حتى يُؤكَل. وبما أن الخبز هو رمز للطعام (العَيْش)، وبما أن السُّفرة هي طعامُ المسافر، أو ما يُبسَطُ عليه الطعام، فقد استُعيرَ الكسْرُ من الخبز للسُّفرة، فقيل: كسَرَ فلان السفرةَ، أي تناول طعامه، سواءٌ في حِلِّه أم تَرْحالهِ (إقامتهِ أو سفَرِه).
قال أحمد شوقي، في قصيدة يرثي فيها أباه:
طالَما قُمنا إلى مائدةٍ |
كانتِ الكِسْرةُ فيها كِسْرَتْينْ |
(1) انظر: المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، مادَّة بَسَلَ.
(2) المنقذ من الضلال، لأبي حامد الغزالي، ص 30.
(3) كيف ترجع كما ولدتْكَ أمُّك؟ للشيخ أكرم بركات، دار الولاء، ط 4، ص 89، 90.
(4) لسان العرب، ابن منظور، ج 9، ص 73 74، مادة "ضوا".
(5) اعتاص الأمر عليه: اشتدَّ وامتنع.
(6) الموسوعة العلمية الميسّرة، ص 20، وأطلس العالم، ص 3