الشيخ علي ذو علم
"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (1). إذا كان الإيمان لا ينحصر في الاعتقاد القلبي الصّرف، فإن استقامة وصفاء قلب الإنسان هما الأساس الّذي يقوم عليه الإيمان. وإذا كانت مظاهر وسلوكيّات الفرد مناسبة وصحيحة ولكنَّ قلبه خالٍ من معرفة الله تعالى وعشقه، لا يكون لعمله قيمة تُذكر. من هنا جاء التأكيد مراراً على أنَّ "قيمة العمل بالنية والدافع إليه". إذاً، النية والدافع إلى العمل هما الأساس الذي يُعتمد عليه، وهما أمران قلبيّان داخليّان لا يمكن للآخرين الاطّلاع عليهما. وما لم يتطهّر قلب الإنسان من الشّرك والرّياء وطلب الدنيا، لن يصل إلى مرتبة الصفاء. ولأنَّ القلب الصّافي لا يصدر عنه إلّا السّلوك الصّحيح، فإنَّ وصول داخل الإنسان إلى مستوى الاستقامة يترشح منه العمل الصّحيح والمستقيم.
* صدى القلب والعقل
يرتبط وصول قلب الإنسان إلى الصفاء بصحَّة لسانه ونطقه، لهذا يعتقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ لسان المؤمن وراء قلبه. فما ينطق به المؤمن صادر عن تأمّل وتدبّر، لأنّه قبل أن ينطق بأيّ كلام يفكّر ويتأمّل في صحة ما سيقول فإن لم يكن صحيحاً لا ينطقُ به. ولأن اللسان صدى ما في القلب، لذا كانت قيمة الإنسان في لسانه وما ينطق به، وكان كلامه الدليل على تعقله. وأما قلة الكلام فإنها تخفّف من وقوع الإنسان في الاشتباهات والأخطاء، وبالتالي فإنه يساهم في التخفيف من مقدار اللّوم والتأنيب الذي قد يُوجَّه إليه. وعليه، فإنَّ الكلام كالدواء، يجب أن يعطى بمقدار الحاجة.
* اللسان سيف ذو حدَّين
لو نظرنا إلى أعضاء جسم الإنسان لوجدنا اللّسان من الأعضاء الصّغيرة، ولكنّ أخطاؤه كبيرة من جهة، ودوره أساسٌ وهام في حياة الفرد والمجتمع من جهة أخرى. فالكلام الحكيم الصّادر عن تدبّر وتأمّل وسيلة هامة في رفع الشّبهات والإشكالات والتئام الجراحات. وقد نجد مصاديق كثيرة لهذا النوع من الكلام؛ كالكلام الصّادق الصّادر عن القلب في سبيل هداية النّاس، والكلام الذي يساهم في رفع الكدورات والإشكالات، والكلام الذي ينبّه إلى مخاطر الأعداء، والكلام الذي ينير طريق الحقّ أمام الضالين، وكل كلام يساهم في حلّ مشكلات الفرد والمجتمع.
* العلاقة بين القلب واللسان
إنَّ العبارة التي ذكرها الإمام علي عليه السلام منقولةً عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، توضح العلاقة بين الإيمان والقلب واللّسان. فالإيمان غير المدعوم بقلب صاف صادق طاهر، ليس إيماناً حقيقياً، وما لم يستقم لسان المرء ويصفُ لا يصل القلب إلى حالة الصفاء والطهارة. ومن هنا يُعلَم أن بين القلب واللسان علاقة ثنائية ومن طرفين، فكما أنَّ القلب يترك آثاره على اللسان، فإن الأوضاع التي يكون عليها اللسان أيضاً تحدد الأوضاع والصفات التي سيكون عليها القلب، فأعمال الاتهام والكذب والافتراء وكثرة المزاح تؤدي إلى ظلام القلب وانحرافه. وفي المقابل، يكون القلب مضيئاً إذا كان صاحبه يراقبه بدقة، فلا يؤذي بلسانه الآخرين ولا يتفوه بكلام باطل، بل يدعو الناس إلى السعادة والخير وإلى الطريق المستقيم ويساهم في زيادة معارف وعلوم الآخرين ويذكّرهم بالله من خلاله. وعليه، فالكلام الباطل والكلام الحق كلاهما يتركان آثارهما على القلب، ولن يصفو أو يطهر قلب إنسان ما لم يكن لسانه على هذا الحال أيضاً. فلو استطاع الإنسان حفظ ومراقبة لسانه في خصوص العلاقات مع الآخرين سيؤدي هذا الأمر حتماً إلى وأد الكثير من الفتن التي قد تنشب بينهم. وأخيراً، لا بد أن نذكّر بأن حكم القلم كاللسان، لأنَّ دوره كدور اللسان في حالتي السلب والإيجاب.
(1) نهج البلاغة، (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، ج 2، خطبة رقم 176، ص 94.