إعداد: إبراهيم منصور
* قصَّة وعِبْرة:
وصل الخواجة نُصَيْر الدين الطوسي (1)، في أحد أسفاره، إلى مطحنة حيث أمضى ليلته. وكان الجوّ صافياً، فأمر أن يُفْرَشَ له خارج المطحنة، فقال له الطحّان: الليلةَ ستمطر، ومن الأفضل لك أن تنام في الداخل. فردَّ الطوسي سائلاً: كيف عرفْتَ ذلك؟ فأجابه الطحّان: لديَّ كلب، وفي كلِّ ليلة يهطل فيها المطر ينام داخل المطحنة، والليلةَ قد نام في الداخل. فقام الخواجة بحساب على أساس علم النجوم، وقال: كلا، لن تمطرَ الليلة. ونام في الخارج. بعد أن مضى وقت من الليل تجمَّعت الغيوم، وهطل المطر، فأُجبِرَ الخواجة على الدخول إلى المطحنة، ثم قال: الشكر لله أنني لم أعلَمْ بمقدار كلب.
* من أمثال العرب:
"المِكْثار كحاطِبِ ليل": "المِكثار" مفردة على وزن "مِفعال" من أوزان المبالغة، وتعني: مَنْ يُكثر من الكلام، بمناسبة وغير مناسبة، إثباتاً لوجوده بالكلام، وتعويضاً من عجزه وفشله الفعليَّيْن. والمكثار عادةً هو ثرثار يكشف عن نفسه أمام الآخرين، ويُعرِّي عيوبه النفسية، كما تكثُر زلّات لسانه وقد تودي به سَقَطاتُه إلى التهلُكة، فهو كالجاني على نفسه بلسانه. ويُضرب هذا المثل "المكثار كحاطب ليل" لمن يتكلّم بكلّ ما يهجُسُ في خاطره، وقد شُبِّه بمن يحتطب ليلاً، فربّما نهشَتْه حيَّة أو لسَعتْه عقرب، وهو لا يدري.
* من بلاغة النبيّ والوصيّ عليه السلام:
جاء في الحديث الشريف: "عليكم بالحِجامة، لا يَتَبيَّغْ بأحدكم الدمُ فيقتُله" (2). و"تبيَّغَ" أو "تبوَّغَ": بمعنى: "ثارَ"، أو "هاجَ". والحِجامة: المعالجة والمداواة بالمِحْجَم، والمِحْجَمةُ: آلةُ الحَجْم، وهي شيءٌ كالكأس، يُفْرَغُ من الهواء، ويوضَعُ على الجلد فيُحدِثُ تهيُّجاً، ويجذب الدمَ أو المادة المسبِّبة للألم، بقوّة، فيُخفِّف ضغط الدم. لذا كانت العامَّة تُسمِّي هذه الطريقة في المعالجة بِـ "كاسات هَوا".
ـ وكذلك من أجمل الكلام وأبلغه ما جاء على لسان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في عِظته لأحد الأشخاص، بقوله: "إنّ الله تعالى فَرَضَ على أئمَّةِ العدل أن يُقَدِّروا أنفسَهم بضَعَفة الناس، كي لا يتبيَّغ بالفقير فقرُه (3). وهو يريد عليه السلام أنَّ على الإمام العادل أن يساويَ نفسَه بالضعفاء من الناس، يعيشَ حياتهم ويواسيَهُم في حرمانهم وتقشُّفهم، وذلك حتى لا يتبيَّغ (أي: يثورَ) بالفقير فقرُه"!
* من أجمل ما قال العلماء:
قال باستور(4): ليس المهمّ أن نُكَافَأ على أعمالنا في هذه الحياة، وإنّما المهمّ أن نستطيع القول، عندما نترُك الحياة: لقد عِملْنا ما قدَّرنا اللهُ على عمله لخدمة الإنسان.
من أجمل الرُّدود:
جاء في كتاب "فقه اللغة" للثعالبي: "سُئلَ ابنُ الكلبيّ (في إشارة إلى اسمه المنسوب إلى الكلْب): لِمَ سَمَّتِ العربُ أبناءَها بكلب، وأَوْس (أي: ذئب)، وأسد، وسمَّت عبيدَها بيُسْر، وسَعْد، ويُمْن؟ فأجاب وأحسَنَ (في جوابه): لأنها سمَّت أبناءَها لأعدائها (ترهيباً لهم)، وسمَّت عبيدَها لأنفسها (حتى يكونوا خاضعين أذلّاء)".
* من غرائب اللغة:
في اللغة العربية غرائب يندرُ أن توجد في بقيَّة اللغات فيما نعلم والله أعلم. من تلك الغرائب أنَّ هناك مفردات تبقى على حالها في صيغة المفرد، فلا تُثنَّى ولا تُجمَعُ ولا تُؤنَّث، ومع ذلك فهي تدلُّ على المفرد والمثنى والجمع والمذكّر والمؤنّث، من ذلك، مثلاً:
ـ الجُنُب: من فعل جَنَبَ يجنَّبُ (بتثليث حركة النون)، أي: تَنَجَّس. والجنابةَ: النجاسة. فيُقال: رجلٌ جُنُب، ورجُلان جُنُب، ورجالٌ جُنُب، وامرأة جُنُب، وهكذا..
ـ النَّصَف: وتعني: مَنْ هو في متوسِّط العُمر، فيُقال: رجلٌ نَصَف، وامرأةٌ نَصَف، وقد تُجْمَعُ على نُصف، ونُصُف، وأنصاف.
ـ الفَرَط: هو المتقدّم إلى الماء، السابق غيرَهُ إليه. يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع والمذكّر والمؤنّث. الفَرَط هو الأجرُ الذي يتقدَّم صاحبَه. ومنه الدُّعاء: اللهمَّ اجعَلْ لنا فَرَطاً حتى نَرِدَ عليه.
* من الثُّنائيَّات:
ـ الخابِلان: الليل والنهار، لأنهما لا يأتيان على أحد إلَّا خَبَلاهُ بِهَرَم. ومعنى "خَبَلَهُ": أفسدَ عقلَه، والخابل هو المُفْسِد، الشيطان. يُقال: مسَّه الخابل، أي: الجِنِّيّ.
ـ العَصْران: الليل والنهار، وهما الغَداة والعشِي. ويُطلَق العصرُ تحديداً على العشيَ، وبه سُمِّيت صلاةُ العصر؛ لأنها تُعْصَرُ أي تؤخَّر عن الظهر (5).
ـ الشهيدان: 1ـ محمد بن مكي الجزّيني العاملي، الملقَّب بالشهيد الأوَّل، والمستشهد حَرْقاً بالنار سنة 786هـ.
2ـ الشيخ زين الدين بن علي العاملي، الملقّب بالشهيد الثاني، والمستشهد قتلاً سنة 965هـ. ولفظة "الشهيد"، عندما تُطْلَقُ، أي بدون إضافة الأوّل أو الثاني، يُراد بها الشهيد الأوَّل، كما يقول العلَّامة الفضلي.
قالت لي المرآة:
ـ ها قد عُدْتَ تقرأ القرآن ثم تتوقّف ويسرح بك الخيال. فما الذي أثار خيالَكَ، اليوم؟
ـ إنّ ما أثار فكري قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ (الكهف: 25). فمع كل إيماني وكامل ثقتي بقدرة الله تعالى، التي إنما تقول للشيء: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾(البقرة: 117)، فأنا لا أستطيع أن أفهم هذه المسألة علميّاً؛ إنّ المخلوقات الخَدِرَة (ذات السُّبات الشتوي الطويل) لا تستطيع أن تنام أكثر من ستة أشهر. فكيف يقبل العقل العلمي أن ينام أهل الكهف ثلاثمائة وتسع سنين؟!
ـ حسناً، يبدو أنَّكَ لم تقرأ عن تلك الحبَّات من القمح التي اكتُشفت في إحدى الجِرار المدفونة في بعض قبور الفينيقيين، على الساحل اللبناني، وهي في حالة جيدة. وعندما أُنبِتَتْ (زُرِعَتْ) أَنْبَتَتْ سنابلَ طبيعية، بالرغم من مرور آلاف السنين على دفنها! وأمَّا في موضوع أهل الكهف فقد أكّد تقرير علمي نشرته الشركة الوطنية الجغرافيّة أنّ الإنسان يستطيع أن يعيش 1400 سنة، إذا ما خُدِّر مِثلَ بعض الحيوانات، لينام طيلة فصل الشتاء، وأنّ هذا التخدير يُطيل حياة الحيوان عشرين ضعفاً، بالنسبة إلى الحيوانات المماثلة التي تبقى ناشطة طيلة فصول السنة! أفتعْجَبُ، بعدُ، أن يبيتَ أهل الكهف ثلاثمائة وتسع سنين، بمشيئة الله وقدرته سبحانه وها هي الاكتشافات العلمية تؤكِّد ذلك بشكل طبيعي؟
* من نوادر العرب:
كان أعرابيٌّ مشهوراً بالحماقة وأَكْلِ رؤوس الغنم "نيفا". فسمع، ذات يوم، قارئَ قرآن يتلو قولَه تعالى، في وصف شجرة "الزَّقُّوم"، وهي طعام أهل الجحيم: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ (الصافات: 65). فارتعدَ الأعرابيُّ لهذا الوصف وهو آكِلُ الرؤوس فقال: أعوذُ بالله من رؤوس الشياطين. ثمَّ رفع يديه، مُبتهلاً إلى الله وقال: اللَّهمَّ، يا أكرمَ الأكرمين، أطعِمْنا من رؤوس أهل الجنَّة.
(1) نُصير الدين محمد الطوسي، (1201 1274م)، فلكي إيراني، نشر تعاليم الشيعة في إيران، له مؤلفات في الفلسفة والطب، وعلم الهيئة. (المنجد).
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 11، ص 34.
(3) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 2، ص 188.
(4) لويس باستور: (1822 1895م)، عالم فرنسي، أكبّ على دراسة الأمراض السارية، واكتشف دواء الكَلَب.
(5) كتاب العين، الفراهيدي، ج 1، ص 293، مادة عَصَرَ.