نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: عناصر الانتظار (2): معرفة الوضع المنشود


الشيخ علي رضا بناهيان


تحدّثنا في العدد السابق عن العنصر الأوّل للانتظار الإيجابيّ لإمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ وهو الاعتراض على الوضع الموجود، والذي يؤدّي إلى الولع الشديد بما يجب وجوده. في المقابل، إذا اشتدّ الاعتراض، يؤول إلى طلب الإصلاح والتغيير؛ ما يقودنا إلى العنصر الثاني للانتظار؛ وهو معرفة الوضع المنشود. فما هي صورة الوضع المنشود؟

* تعزيز روح الانتظار

العنصر الثاني للانتظار هو معرفة الوضع المنشود، وهو يعني العلم بالوضع الذي يمكن أن نعيشه، والعلم بالخيرات اللّامتناهية التي لا بدّ لنا من تلقّيها ولكنّنا مُبعدون عنها، ولا نهتمّ بها لعدم علمنا بها كوننا لا نمتلك إدراكاً وتحليلاً صحيحَين عن الوضع الموجود؛ لأنّ جزءاً من إدراكنا عن أوضاع وأحوال عصرنا ومعرفة سلبيّات الوضع الموجود، منوط باطّلاعنا على الوضع المنشود. وإنّ للشعور بالانتظار أساساً صلةً وثيقةً بهذا الإدراك والمعرفة، وتنميتها تمثّل واحدة من طرق تعزيز روح الانتظار.

وبشكل آخر، مَن تبرّم مِن الظلم، لكنّه لا يحمل صورة واضحة عن العدالة، لا يعلم كم سيرغب في العدالة ويتقبّلها، وكم هو مستعدّ لأن يعيش في ظلّ مجتمع تسوده العدالة؛ لذلك إنّ لنفس معرفة الوضع المنشود والعلم بماهيّته وكيفيّته، فوائد جمّة، حتّى لو لم تؤدِّ إلى الانتظار، منها: تهيئة أرضيّة مناسبة لتحليل صائب عن الماضي، والعثور على جواب الكثير من الأسئلة من قبيل: لماذا كان معظم أنبياء الله وأوليائه -على مرّ التاريخ- مظلومين؟ لماذا كلّ هذا التأخير وكلّ هذه الصعوبة في إقامة الحقّ؟

* معرفة يتبعها تحوُّل
إنّ معرفة الوضع المنشود والإخبار عمّا سيتحقّق في المستقبل، يعمل كانفجار النور الذي بإمكانه أن يزيل ظلمات الجهالة، وإنّ معرفة الناس بخصائص المجتمع والحكومة المهدويّة وبركاتها وإمكانيّة تحقّقها، ستؤول إلى التحوّل حتّى لو لم يكن الناس معتقدين بالعقائد الدينيّة المساندة للظهور، فإنّ الحدّ الأدنى لثمرة هذه المعرفة هو ظهور الشكّ والتردّد حيال الحلول المطروحة للنجاة من المشاكل. وكلّما ازدادت الصورة والمعرفة إزاء الوضع المنشود شفافيّةً، واتّسعت بالاستناد إلى العقل والوحي، كلّما اشتدّ جانب العلم والعشق في مسألة انتظار الفرج.

إنّ هذه الحقيقة، وهي أنّ المجتمع المهدويّ وحاكميّة وليّ الله، بإمكانها أن تثبت بطلان النظريّات الباطلة في إدارة حياة البشر، وقد تمّ تجربتها إلى حدّ ما في الثورة الإسلاميّة ونظامنا المقدّس. فحينما بدأت تتضاءل مفاهيم "لا يمكن" و"لا يتحقّق" لدى العلوم التجريبيّة في مسار أحداث الثورة الإسلاميّة، وأخذت انتصارات هذه الأمّة الولائيّة تُثبت وهميّة الأفكار غير الإلهيّة، واحدة تلو الأخرى، فمن الطبيعيّ أن تتحقّق هذه الحالة، وبهذه الآثار نفسها في ذلك العصر بمقياس أكبر، وستسوق المفكّرين إلى إعادة النظر في نظرياتهم.

* نحو مجتمع ولائيّ
من البركات الأخرى للمعرفة الجليّة بالوضع المنشود، الاستلهام للعبور من المشاكل المتفشية في مجتمعنا. لذا، علينا رسم خصائص المجتمع المهدويّ، وفي المرحلة التي تليها تقييم بُعدنا عن الوضع المنشود والمضيّ نحوه؛ لأنّ بعض خصائص الوضع المنشود، لا بدّ من أن تتحقّق على أيدينا قدر استطاعتنا(1). وهذه هي بشارة مولانا عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث قال في توقيعه الشريف للشيخ المفيد قدس سره: "وَلَوْ أَنَّ‏ أَشْيَاعَنَا وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ عَلَی اجْتِمَاعٍ مِنَ الْقُلُوبِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَيْهِمْ، لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيُمْنُ بِلِقَائِنَا وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا"(2).

إنّ أهمّ خصيصة يتحلّى بها مجتمعنا، والتي تؤدّي إلى قربنا من الإمام، هي كونه ولائيّاً. واكتساب الكمالات، في هذا المجال، يزيد من قربنا للإمام لا محالة. وإنّ اتّصاف مجتمعنا بمزيد من الحالة الولائيّة، يمثّل تلبية لذلك العهد المأخوذ على عاتقنا. كما أنّ مشاكلنا ناجمة عن قصورنا وسوء تصرّفنا في هذا المجال.

وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الموعود، لوجدنا أنّ جميع البركات والخيرات في المجتمع المهدوي، وتبلور الوضع المنشود، ناجمة عن استقرار الولاية وتقبّل أهل الأرض بأجمعهم لها. وأمّا ما هي الظروف التي يصبح كلّ الناس على ضوئها ولائيّين؟ فهو بحث آخر، ولكن على أيّ حال، بعد أن يُصبح الجميع ولائيّين، تتنزّل النِعَم من الأمن والاستقرار إلى العدالة والرفاهية.

ولو كان للنُّخب والخواصّ في المجتمع دورٌ أساسيّ في تعزيز أركان الولاية في المجتمع، فما هي الآن وظيفة النُّخب في مجتمعنا؟ ولو أنّ محبّة الناس الشديدة للإمام في عهده تؤدي إلى التآلف بين القلوب وإلقاء الرعب في نفوس الأعداء، فما مدى أهمية تعزيز المحبّة لولي الله ونائبه في المجتمع (الولي الفقيه) في الظروف الراهنة؟

يجب علينا أن نتعرّف من جانب إلى خصائص المجتمع المهدويّ والوضع المنشود بدقّة، وأن نقوم من جانب آخر برصد المشاكل المتفشية في مجتمعنا، والبحث عن حلولها في إطار خصائص الوضع الموعود.

* نماء الأسئلة وتفتّح الأجوبة
الآن، يجب أن نعرف ما هي الصورة التي نحملها عن المجتمع المهدويّ للوصول إلى مثل هذه الصورة الجليّة. ثمّة الكثير من الأسئلة التي يمكن التفكير فيها للوصول إلى الحقائق المختصّة بالمجتمع المهدويّ، منها:

ما هي العلاقة بين محبّة الإمام وبين كلّ ما يتمخّض عن العطف والحنان في العلاقات بين الناس؟ هل إنّ التحلّي بالصلاح سيكون أمراً إجباريّاً أم إنّ الظروف لا تسمح لأن يكون الإنسان سيّئاً؟ كم سيكون للإيمان بالمبدأ والمعاد دورٌ في تنمية الأخلاق وتأسيس مجتمع أخلاقيّ؟ كيف يجري تبليغ الدين في عصر الموعود؟ كيف سيجري جذب الناس إلى الدين؟ هل ستجري الرقابة على المنتوجات الإعلاميّة أم أنّ شدّة معرفة الناس وفهم المخاطبين يُغني الحكومة عن الرقابة الشديدة العديمة الجدوى؟

هذه الأسئلة مضافاً إلى التوعية، بإمكانها أن تقترب من الإجابة عن جميع الأسئلة العالقة في أذهان البشر في الوقت الحاضر.


1- الإمام الخامنئي دام ظله: "نحن المنتظرين لصاحب الأمر، يجب علينا بناء حياتنا الحاليّة بنفس الوجهة الّتي ستتأسس عليها حكومة صاحب العصر (عليه آلاف التحية والثناء عجل الله تعالى فرجه الشريف). علماً بأننا أقلّ من أن يسعنا بناء ما بناه أو سيبنيه أولياء الله؛ ولكن يجب أن نصبّ سعينا وجهدنا في نفس ذلك 2- الاتجاه". كلمته بمناسبة ذكرى ولادة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ 13/3/1990م.
3- الاحتجاج، الطبرسي،‏ ج ‏2، ص 499.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع