حيث كانت الشرائع المنزَلة من عند الله عزّ وجل تهدف
لبناء الإنسان والوصول به إلى سعادته في الدّارين، فإنّ هذه الشرائع ولا سيما منها
الشريعة الخاتمة لسيِّد الرسل صلى الله عليه وآله قد تكفّلت ببيان كلِّ ما يحتاج
إليه الإنسان في ذلك.
وهذه الاحتياجات ترتبط ببعدين لصيقين بالوجود الإنسانيّ:
الأوّل، البُعد الفرديّ المرتبط بسلوك هذا الإنسان في حياته الخاصّة، والذي يُمكنه
القيام به أو تركه دون أن يكون لذلك ارتباط بسائر الأفراد في المجتمع الذي يعيش فيه.
والثاني، البُعد الاجتماعيّ والذي يرتبط بالحياة العامّة للمجتمع الإنسانيّ، والذي
يكون لقيام الفرد به أو تخلّفه عنه تأثيره الواضح على البيئة الاجتماعيّة. وفيما
يرتبط بهذا البُعد يمكن الحديث عن المظاهر الإيمانيّة. فالمجتمع المؤمن والملتزم
بتعاليم هذا الدّين يجب عليه أن يسعى لحفظ هذه المظاهر التي أمر الإسلام بها.
وتشكّل الشعائر الدينيّة والتي لا يمكن إحياؤها إلا من خلال الحضور الاجتماعيّ
للإنسان مفردةً واضحةً لهذه المظاهر الإيمانيّة. فالدّين أمر بمجموعةٍ من الشعائر
العامّة كصلاة الجماعة، والحجّ ونحو ذلك واعتبرها مظاهر إيمانيّة تعكس عند وجودها
صورة المجتمع المسلم، بنحو تشكِّل معه هذه الشعائر معياراً يُمكن من خلاله الوصول
إلى تحديد درجة انقياد أفراد هذا المجتمع للدّين. ويؤكّد هذا المعنى الحثّ الشديد
في الروايات على إقامة هذه المظاهر الإيمانيّة، بل وتوفير الإسلام كافّة السُّبل
المؤدّية لضمان إقامتها وبقائها حيّة في داخل المجتمع الإسلاميّ.
وبالتأمل في آيةٍ من آيات كتاب الله عزّ وجل وهي قوله:
﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ
تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾
(الشورى: 13) نصل وكما ذكر ذلك المفسِّرون إلى أنَّ معنى عدم التفرّق في
الدّين هو أن يُقيم الناس كلّهم هذا الدّين بأن يقوموا جميعاً باتِّباعه، لا أن
يقوم بعض الناس باتِّباعه وبعضهم بالتخلّف عنه، لأنّ هذا لن يُعطي صورة المجتمع
المؤمن والملتزم، كما أنّ الآية ترشد إلى ضرورة أن يقوموا بإقامة هذا الدّين بتمامه
لا إقامة بعضٍ منه وترك بعضٍ آخر. وبمزيدٍ من التأمّل في الاستخدام القرآنيّ
لمفردة (أقيموا) نعلم أنّ لهذا الاستخدام دلالةً أخرى ترتبط بالقيام بالفعل مع
المحافظة على شروطه وأركانه كافّة، أي الإتيان به على أتمِّ وجهٍ وبأفضل صورةٍ، ومن
الواضح أنّ هذا لا يتمُّ في الدّين إلا متى كان حاكماً على المجتمع في كلِّ شؤونه
وفي جميع مجالاته. إنّ المنطق السائد لدى بعض الناس باتِّخاذ موقف الحياد تجاه موقف
قائمٍ في المجتمع أو حالةٍ سائدةٍ داخل المجتمع بالنسبة لبعض الظواهر هو مصداق من
مصاديق التخلّف عن إقامة بعض هذا الدّين، وعدم إقامة الدّين بتمامه والذي كان محلاً
للأمر الإلهيّ.
كما أنّ منطق اللامبالاة إزاء بعض المظاهر الإيمانيّة التي أمر بها
الإسلام واعتبارها أموراً ثانويّة في حياة الفرد المسلم لا ينسجم مع الأمر بإقامة
هذا الدّين. قد يجد الشيطان منافذَ كثيرة يدخل من خلالها إلى عقول الكثير من الناس
ليجدوا لأنفسهم مبرِّراً في التخلّف عن المشاركة في إقامة هذه المظاهر الإيمانيّة
وإحياء شعائر الدّين، وهذا المنطق الشيطانيّ قد يصدر عن شياطين الإنس الذين
يَمتثلون أوامر أعداء هذا الدّين بخلق مبرّرات التخلّف عن المشاركة والحضور. ولكن
ما ينبغي أن يتسلَّح به الإنسان هو الحذر الشديد من منافِذ الشيطان هذه، وهذا ما
أكّد عليه علماء هذا الدين لا سيما ولي أمر المسلمين من حثّه للمسلمين على الحضور
في مختلف الساحات وتحمّل المسؤوليّات. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.