مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

سؤال وجواب: سرُّ الحاجة إلى المعصوم عليه السلا

م
آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي(*)


* ما هو سر الحاجة إلى الإمام المعصوم عليه السلام؟
على الرغم ممّا يجمع المسلمين من اتفاق حول كليّات الدين، كالأصول، والعقائد، والأخلاق، والأحكام إلاّ أنّهم يختلفون في جانب ثانويّ من العقائد وبعض تفاصيل الأحكام والقوانين، الأمر الذي جعلهم أتباع فِرَق ومذاهب شتّى. إِنّ من الممكن تلخيص هذه الخلافات في محورين أساسين؛ الأوّل: محور العقائد المرتبط بعلم الكلام، والثاني: محور الأحكام (بمدلوله العام) الذي يستند إلى علم الفقه. النموذج البارز للخلاف حسب المحور الأوّل هو الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسائل الكلاميّة. أمّا النموذج في نطاق المحور الثّاني فهو الخلاف في المسائل الفقهيّة بين المذاهب السنيّة الأربعة.

* الخلاف في قضيّة الإمامة
إنّ أحد أشهر الخلافات بين المذاهب الإسلاميّة هو ذلك القائم بين الشيعة والسنّة في قضيّة الإمامة، ففي واقع الأمر إنّ الميزة الرئيسة التي تميّز مذهب الإماميّة هي الاعتقاد بإمامة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام مع حيازتهم لثلاث خصال: العصمة، والعلم الموهوب من الله، والتنصيب من قبل الله تعالى. هنا يطرح سؤال، وهو: هل إنّ أصل هذا الخلاف مرتبط بحقل العقائد والكلام؟ أم أنّه خلاف فقهيّ صِرف(1)، أم هو نزاع سياسيّ أشبه ما يكون بذلك الذي ينشب بين حزبين سياسيّين على انتخاب مرشّح الرئاسة لكلّ منهما؟ الحقيقة هي أنّ هذه المسألة-على الأقلّ من وجهة نظر التشيّع- هي مسألة عقائديّة كلاميّة، وأنّ أبعادها الفقهيّة والسياسيّة لها جنبة فرعيّة لا غير. بعبارة أخرى: إنّ للنظام العقائديّ عند الشيعة حلقات مرتّبة ومتناسقة، والإمامة تشكل واحدة من تلك الحلقات، وبحذفها تفقد هذه السلسلة انسجامها وكمالها. من أجل أن يزداد هذا المطلب وضوحاً يتعيّن علينا أن نلقي نظرة إجماليّة على النظام العقائديّ للشيعة، لتتّضح لنا مكانة الإمامة من هذا النظام المتسلسل ويتبيّن السّبب من وراء اهتمام الشّيعة بهذه القضيّة والدليل على ضرورتها.

* النظام العقائدي للشيعة
إنّ الحلقة الأولى في النظام العقائديّ للإسلام هي الاعتقاد بوجود الإله الواحد، ومن ثمّ الاعتقاد بصفاته الذاتيّة والفعليّة. إِنّه وفق الرؤية الإسلاميّة، فإنّ الله تعالى، كما أنّه الخالق لكلّ ظاهرة في الوجود، فهو الربّ والمدبّر والمدير لها كذلك، وكلّ الموجودات، التي تنتظم في سلاسل طوليّة وعرضيّة، وبسعة تمتدّ منذ الأزل وحتّى الأبد، تشكّل معاً نظاماً واحداً متناسقاً تتمّ إدارته-بمقتضى الحكمة الإلهيّة- بواسطة قوانين العليّة. ومن بين مخلوقات الباري تعالى-التي لا تُحصى ولا تُعد- الإنسان هو الذي يمتاز بصفات من قبيل الشعور، والتعقُّل، والإرادة، والاختيار، الأمر الذي يجعل أمامه مسيرين: أحدهما يتّجه نحو السعادة، والآخر يقوده نحو الشقاء الأبديّ. لهذا السبب، فالإنسان مشمول بربوبيّة خاصّة زائدة على تلك الربوبيّة التي تشمل كل ظواهر الوجود غير المختارة ألا وهي الربوبيّة التشريعيّة. أي إنّ مقتضى الربوبيّة الإلهيّة الجامعة، بالنسبة للإنسان، هو أن توفّر له الأسباب والمقدّمات للسير الاختياريّ والتي من بينها تعريفه بالهدف وتشخيص معالم الطريق الذي سيطويه للوصول إليه، كي يتيسّر له الاختيار عن تعقّل ووعي. على هذا الأساس فإنّ مقتضى الحكمة الإلهيّة هو ترميم النقص الحاصل في إدراكاته الحسيّة والعقليّة وذلك يتم عن طريق علوم الوحي. يتّضح ممّا تقدّم مدى أهميّة مجموعة الوحي والنبوّة في هذا المضمار، لأنّ الله تبارك وتعالى لو أنّه أوكل الإنسان إلى نفسه ولم يرسل له الأنبياء ليدلّوه على الصراط المستقيم للوصول إلى السعادة الأبديّة، لكان كالمضيف الذي يدعو ضيفه للقيام بضيافته ثمّ لا يدلّه على دار الضيافة!

* حلقة الإمامة
إنّ تعاليم الأنبياء تعرّضت لتأثير عوامل شتّى من التغيير والتحريف العمديّ منه وغير العمديّ ومع مرور الوقت كانت تفقد خاصيّتها في الهداية، الأمر الذي كان يستدعي بعثة نبيّ آخر لكي يحيي التعاليم الماضية ويأتي إذا لزم الأمر بتعاليم أخرى تضاف إلى سابقاتها أو تحلّ محلّها. لعلّ سؤالاً يطرح هنا، وهو: هل إنّ هذا المنوال سيستمرّ إلى أبد الآبدين، أم أنّه من الممكن أن تأتي شريعة متكاملة تبقى مصونة من آفة التحريف، فتنتفي الحاجة بذلك إلى بعثة نبيّ آخر؟ إنّ الإجابة التي يطرحها الإسلام عن هذا السؤال هي الخيار الثاني. فكلّ المسلمين متفقون على أنّ الإسلام هو آخر شريعة سماويّة، وأنّ نبيّ الإسلام هو خاتم الأنبياء، وأنّ القرآن الكريم، الذي هو المصدر الأساس لهذه الشريعة، قد وصل إلى أيدينا سالماً، خالياً من التحريف وسيبقى كذلك. غير أنّ القرآن الكريم لم يُبيّن كلّ ما تحتاج إليه البشريّة من تعاليم بشكل تفصيلي، وأوكل هذه المهمّة إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، فقد جاء في القرآن ما نصّه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل: 44).

ويُستدلّ من ذلك على أنّ المصدر الثاني لمعرفة الإسلام هو "السنّة". إلّا أنّ هذا المصدر ليس مصوناً (من التحريف) كما كان القرآن مصوناً منه. فنفس النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قد تنبّأ-والشواهد التاريخيّة القطعيّة متوفّرة- بأنّ أفراداً سينسبون كذباً إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ما لم يقُله وسينقلون عن لسانه أقوالاً عاريةً عن الصحّة. هنا، يأتي سؤال آخر مفاده: ما هو المشروع الذي رسمته الربوبيّة الإلهيّة في سبيل تأمين هذه الحاجة الملحّة بعد رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله؟

في هذه النقطة بالذات يُلاحظ أنّ هناك فارقاً بين التشكيلة الفكريّة والعقائديّة لأهل السنّة، والتشكيلة العقائدية للشيعة، حيث تسطع-في هذا المجال عند الشيعة- حلقة غاية في الوضوح ألا وهي "الإمامة". بمعنى: أنّ تبيين أحكام الإسلام وقوانينه وتفسير عموميّات القرآن الكريم ومتشابهاته بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قد أوكل إلى أفراد يتمتّعون بعلم أفاضه الله عليهم، ومَلَكةٍ منحهم إيّاها وهي العصمة، وكذا جميع المقامات والمزايا التي كانت للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله باستثناء النبوّة والرسالة كمقام الولاية والحكومة. بتعبير آخر: إنّ ربوبيّة الله التكوينيّة قد اقتضت وجود مثل هذه الشخصيّات في هذه الأمّة، وإنّ ربوبيّته التشريعيّة قد اقتضت فرض طاعة هؤلاء على الناس. إذاً، حلقة الإمامة هي في الحقيقة استمرار لمجموعة الرسالة، وإنّ عترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هم الذين واصلوا الطريق وقاموا بمهمّة الرسول صلى الله عليه وآله من بعده، حيث إنّهم ومن دون تمتّعهم بمقام النبوّة حفظوا ميراث هذا الرجل العظيم وبيّنوه للأجيال القادمة، وهم قد نُصّبوا-ضمناً- من قبل الله جلّ وعلا، لإدارة شؤون المجتمع الإسلاميّ، والتصدّي لمقام الحكومة والولاية على الأمّة، على الرغم من أنّ هذا الأمر لم يدخل حيّز التنفيذ إلا لفترة وجيزة، كما أِنّه لم يكن قد تيسّر إلا لبعض الأنبياء فقط وفي برهة محدودة من الزمن.

استناداً إلى ما تقدّم، أصبح من الجليّ أنّ مسألة الإمامة أصلاً هي مسألة كلاميّة ولا بد أن تُبحث من باب أنّها قضيّة عقائديّة، لا أن تُناقش على أنّها مجرّد فرع من فروع الفقه أو بعنوان أنّها قضيّة سياسيّة أو تاريخيّة.


* مؤتمر حول التشيّع؛ فيلادلفيا؛ تمّوز1993م.
(1) راجع: شرح المقاصد في علم الكلام؛ التفتازاني؛ سنة الوفاة: 791؛ ط:1؛ 1401هـ-1981م؛ باكستان؛ دار المعارف النعمانيّة؛ ج: 2؛ ص: 271.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع