الشيخ علي ذو علم
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أصلح ما بينه وبين
اللَّه أَصْلَح اللَّه ما بينه وبين الناس"(1) يختص الإنسان من بين الموجودات
بالحياة الاجتماعية التي يلزم منها إقامة العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع
والمجموعات. ولو دققنا النظر في نوع العلاقات التي نقيمها بالآخرين ومقدار
المسؤوليات الملقاة على عاتقنا وما نتوقَّعه من الآخرين في المقابل لأدركنا أهمية
هذه الشبكة العلاقاتية التي نعيشها والتي يجب أن نعمل على تنظيمها.
إنَّ إيجاد نوع من التنظيم والتعادل في هذه المجموعة من العلاقات يؤدي إلى عدم وقوع
الشخص في التعارضات والتناقضات والاختلالات. والأساس أن لا يغفل الإنسان عن ذاته
والسعادة الأبدية والكمال النهائي الذي يجب أن يصل إليه، وهذا بدوره عمل هام وصعب
إلا أنَّه مصيري وكبير التأثير. إذا لم يتمكن الإنسان من المحافظة على الأصول
الأساسية في علاقاته بالآخرين ولم يتمكن من تقديم إطار واحد معين لجميع علاقاته على
الرغم من اختلاف التوقعات والمسؤوليات، فإنه سيبتلى قطعاً بالحيرة التي قد تصل به
في النهاية إلى النفاق. فماذا يجب أن نفعل حتى لا نصل في علاقاتنا إلى هذا المصير؟
هنا يطرح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الحل وبعبارات مختصرة ومن دون حاجة إلى
الانزواء والابتعاد عن المجتمع أو الاعتماد على أنماط مختلفة من السلوك، فالحل
الأساس يبدأ عندما يعمل الإنسان على تحسين علاقته باللَّه. الإنسان العاقل والمعتقد
هو الذي يؤمن بوجود أصول وإطار منطقي وحقيقي في حياته، وهو القائل بأصالة ذاته،
وهو الشخص الذي لا يرغب في أن ينظم حياته كما يرغب الآخرون، بل يفكر دائماً في طريق
سعادته وكماله وهو يعتبر العلاقة بالأشخاص والمجموعات الأخرى هي المقدمة للوصول إلى
الكمال والسعادة.
يجب أن تكون العلاقة بالآخرين في طول العلاقة باللَّه تعالى وأن يحرص المرء على أن
لا تؤدي علاقته بالآخرين إلى معارضة العلاقة باللَّه تعالى. فعلى الشخص في البداية
أن ينظم علاقته المعرفية والولائية والعبادية والإلهية باللَّه ثم يحاول تنظيم
العلاقة بالآخرين على أساس أن الجميع عباد اللَّه ويفترض العمل في إطار ما يرضاه
اللَّه وما يتوافق مع العقل والوحي. في هذه الحالة لا يبقى أي محل للحديث عن
الانزواء أو اللجوء إلى النفاق، هذا أولاً، وثانياً تصبح كل العلاقة بين الفرد
والآخرين متناسبة وموضوع الحركة التكاملية للإنسان وسلوكه نحو السعادة، وثالثاً
ينتفي الحديث عن التعارض والتضاد في أقوال وسلوك الأفراد أو المجموعات. وفي النهاية
تنتظم أمور الإنسان في إطار موحد على أساس العلاقة باللَّه تعالى والقيام بما يريده
ويرضاه. نعم، الذي يسعى لإصلاح ما بينه وبين اللَّه ويعتبر نفسه عبداً مطلقاً له
ويسعى لعبادته وطاعته ومحبته وينسى كل معبود ومحبوب غيره، فإن اللَّه تعالى يصلح ما
بينه وبين الآخرين سواء الأفراد أو الجماعات.
طبعاً عندما يصلح اللَّه تعالى ما
بيننا وبين الآخرين فإن ذلك يشتمل على البعدين التشريعي والتكويني. والمقصود من ذلك
أن الالتزام بالقواعد والأصول السلوكية والأخلاقية التي قدمها الدين يؤدي إلى إصلاح
العلاقات بالآخرين وأيضاً يصبح ذهن وقلب وسلوك الأشخاص الذين نقيم معهم علاقات ودية
تتحرك في إطار المصلحة والكمال الإنساني، فاللَّه تعالى مالك القلوب يؤمّن للإنسان
المؤمن الحقيقي ما هو خير له ومن هنا تهتدي القلوب.
إن ما يدل على صحة كلام الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام هو نظرة سريعة إلى أساليب مؤثرية نداء الأنبياء في
القلوب، وانتشار الشريعة والثقافة الإلهية في المجتمعات البشرية بحيث لا تترك مجالاً
للشك بأن الطريق الوحيد والصحيح لتنظيم العلاقات بالآخرين هو أن نجعلها في طول
العلاقة باللَّه تعالى. وبدل أن نواجه أنظمة معقدة من العلاقات التي نظن أنها
تقوم بعملية التنظيم هذه فإنه يكفي التوجه نحو الوجه الحقيقي والوحيد لهذا الأمر
وهو العلاقة باللَّه تعالى، هذه العلاقة التي تقدم المستقبل والاطمئنان والثقة. في
هذه الحالة تنتظم علاقاتنا بالآخرين ونتمكن من القضاء على الاضطراب والابتعاد عن
جميع حالات النفاق التي قد نبتلى بها.
(1) نهج البلاغة، الحكمة 89.