من أمثال العرب:
"أبصرُ من زرقاء اليمامة":
هي امرأةٌ من قبيلة جديس في الجاهلية، كانت تُبصرُ الشيء من مسيرة ثلاثة أيَّام،
كما قيل. زُوِّجَتْ برجلٍ من غير قبيلتها. فأغارت قبيلتُها، ذاتَ يوم، على قبيلة
زوجها، وكان أخوها فتى القبيلة. فوقفت إلى جانب زوجها. وكان أخوها قد لجأ إلى
الحيلة والمباغتة، فأمر رجاله بأن يحملَ كلٌّ منهم غصنَ شجرةٍ وريقاً (كثيف الأوراق)
على أن يزحفوا بتُؤدة مُستترين بتلك الفروج المشجَّرة. فنظرَتْ زرقاءُ اليمامة فرأتْ
من بعيد شُجيْراتٍ تتقدَّمُ على مَهَلٍ ورَيْث، ووراءَها ما وراءَها... فحذَّرتْ
قومَ زوجها بالشعر قائلةً:
إنّي أرى شجراً من خلفِها بَشَرٌ |
فكيفَ تجتمعُ الأشجارُ والبشَرُ؟ |
ثوروا بأجمعِكم في وجهِ أَوَّلِهم |
فإنَّ ذلك منهم، فاعلموا، ظَفَرُ! |
إلاَّ أنَّ القوم استخفُّوا ببصرها الحديد، وحسِبوا أنَّ ما رأوْهُ شُجيْراتٍ غضَّة
قد أُنبِتَتْ مطاعمَ لإَنعامِهم ومواشيهم. وانطلتْ عليهم الخديعة فغوفِلوا وبُوغتوا
ودارت عليهم الدائرة فخسروا المعركة. ومِن يومها أُطلِقَ المثلُ: "أَبْصَرُ من
زرقاء اليمامة".
من أبلغ الكلام
من أجمل المقابلات التي تنطوي على طِباقاتٍ متداخلة، قولُ الإمام عليّ عليه السلام
لجيشه في معركة صفّين: "فالموتُ في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين". يريدُ
عليه السلام، بقوله هذا، أنَّ الأبطالَ إذا استُشهدوا تحوَّل دمُهم الطاهر الزكيّ
إلى زيْتٍ يُشعِلُ سُرُجَ الأُمَّة، ويُضيءُ دربها نحو الحريَّة والعزَّة والكرامة.
فموتُهم ليسَ فناءً وانتهاءً، بل حياةُ لهم في الجنَّة، وحياة كريمة لشعوبهم في
الدنيا. وقد أُعجِبَ أمير الشعراء أحمد شوقي بهذه الحكمة الإماميَّة فأَسْلَكَها في
نظام قصيدته العصماء التي مطلعُها:
سلامٌ من صَبَا بردَى أَرَقُّ |
ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ |
فقال في الشهداء والأسرى السوريّين المقاومين للمستعمر
الفرنسي الغاشم عام 1925:
ففي القَتْلى لقومِهِمِ حياةٌ |
وفي الأسرى فِدىً لهُمُ وعَتْقُ |
من معاني الأسماء
- وائل: من فعل وَأَلَ يَئلُ وَأْلاً، أي: لجأَ وطلبَ النجاة. ومنه المآلُ والموئلُ.
قال تعالى:
﴿لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا﴾،
أي: مَنْجىً ومُعْتَصَماً. كما جاءَ في لسان العرب، مادة (وَأَلَ): "في حديثِ عليّ
عليه السلام، أنَّ درعه كانت صَدْراً بلا ظَهْر، فقيلُ له: لو احترزْتَ من ظَهْرِك.
فقال: إذا أَمْكَنْتُ من ظهري فلا وَأَلْتُ، أي لا نجَوْتُ". يريدُ عليه السلام
أنّه إذا مكَّنَ العدوَّ من ظهره فلن يَسْلَمَ، وإن كانت الدرعُ له ظَهيراً، أي ذات
ظهرٍ منيع!.
- زينب: قال ابن الأعرابيّ عالم النحو واللغة: الزَّينبُ شجرٌ حَسَنُ المنظر طيِّبُ
الرائحة، وبه سُمِّيَتِ المرأة. وواحدُ الزَّينبِ للشجر الطيِّب المليح، زَيْنبة.
قالت ليَ المرآة
قالت المرآة: ما أطيبَ العود(1)!. فسألتُها: وما أطيبُ من العود؟ فأجابت: ثَمَراً،
آخرُ العُنقود.. وخُلُقاً، نَفْحةُ الجود.. وحياةً، فرحةُ الوالد بالمولود.. وشكراً،
إنابة العابد للمعبود.
من أجمل الشعر
جاء في كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، تحت عنوان "أقسامُ الشعر": "تدبَّرتُ
الشعرَ فوجدتُه أربعة أضرُب، ضرْبٌ منه حسُن لفظه وجادَ معناه، كقول القائل في بعض
بني أُميَّة:
في كفِّه خيزرانٌ ريحُه عَبِقٌ |
من كَفِّ أَرْوَعَ في عِرنينه(2) شَمَمُ |
يُغْضِي حياءً ويُغْضَى من مَهابَتهِ |
فما يُكَلَّمُ إلاَّ حينَ يبتسمُ" |
ثُمَّ تابع ابن قُتيبة: "لم يُقلْ في الهَيْبة أحسنُ منه". صحيح أنَّه لم يقَلْ في
وصف الممدوح وهيبته أحسنُ من هذين البيتين، ولكنَّ الغريب هو اعتبارُ ابن قتيبة أنَّ
هذا المديح قيل في بعض الأمويين. والحقّ أنَّ صاحب هذا الشعر الذي أغفله المؤلِّف،
هنا، هو الفرزدق، وهو من أشهر الشعراء العرب خصوصاً في العصر الأموي. وقصيدته
الرائعة "هذا الذي..." مشهورةٌ في كتب الأدب قديمها وحديثها، وقد قالها في مدح
الإمام زين العابدين عليه السلام، لا في بعض الأمويين. ولهذه القصيدة قصَّة
مُلَخّصُها أنَّ هشام بن عبد الملك حجَّ في إحدى السنين، وهو وليُّ عهد، فلم يستطع
بلوغ الحجر الأسود بسبب كثرة الزّحام، في الطواف. فجلس بعيداً على كرسيّ ينتظر
خِفَّة الزّحام. وإذ يدخلُ الطوافَ رجلٌ مهيب الطلعة جميلُ المحيَّا، تسبقُه سيماءُ
الطهارة والإيمان. ففتحَ الحجيجُ له الطريق، وأفسحوا له ليستلمَ الكعبة المشرَّفة.
فتعجَّب الشاميُّون أصحاب هشام الأموي من هذا الرجل المهيب الذي تُجلِّهُ حشودُ
المؤمنين كلَّ هذا الإجلال، فسألوه: "من هذا؟" فقال هشام: "لا أعرفُه"، مخافة أن
يُرَغِّبَ الشاميين به. وصُودِفَ أن كان الفرزدق حاضراً، يسمع ويرى. فقال لهشام: "أنا
أعرفُه". ثمَّ ارتجلَ قصيدةً هي من عيون الشعر العربي وأصدقه، وجاء فيها:
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأَتَه |
والبيتُ يعرفُه والحِلُّ والحَرَمُ |
يكادُ يمسكُهُ عِرفانَ راحتِه |
رُكنُ الحطيمِ إذا ما جاءَ يستلمُ |
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهله |
بجدِّهِ أنبياءُ اللهِ قد خُتِموا |
وليس قولُكَ: من هذا؟ بضائرِهِ |
العُرْبُ تعرفُ من أنكَرْتَ والعَجَمُ |
ما قالَ لا، قَطُّ، إلاَّ في تَشَهُّدِهِ |
لولا التشهُّدُ كانت لاؤه نَعَمُ |
يُغصي حياءً، ويُغْضَى من مهابتهِ |
فما يُكَلَّمُ إلاَّ حينَ يبتسمُ |
من نوادر العرب
- صلَّى أحدُ الأعراب خَلْفَ إمام مسجد، في الصفِّ الأوَّل. وكان اسمُ الأعرابيّ (مُجرِم).
فقرأ الإمام سورة "المرسلات" إلى قوله:
﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ﴾،
فتأخَّر البدويُّ إلى الصفِّ الآخِر. فقال الإمام:
﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾،
فرجَعَ إلى الصفّ الأوسط. فتابَعَ:
﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾،
فولَّى البدويُّ هارباً وهو يقول: واللهِ، ما أَرَى المطلوبَ غيري!.
(1) عُود البَخور.
(2) العِرْنين: الأنف، (السيِّد الشريف). كناية عن الرِّفعة والإباء.