الشيخ سامر توفيق عجمي
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "المؤمن
القويّ خير وأفضل وأحبّ إلى الله عزّ وجلّ من المؤمن الضعيف"(1). وهذه القوّة
تنقسم إلى نوعَين: داخليّة من حيث الصلابة والإرادة والعزم، وخارجيّة لناحية حسن
الإعداد والتدريب والتجهيز.
أجيالنا الناشئة الذين تتحرّك طاقتهم، لتكون وقوداً لشخصيّات متّقدة وحيويّة في
المستقبل، كيف يجري إعدادهم مؤمنين أقوياء؟!
يطرح هذا المقال إحدى هذه الطرق؛ وهي التربية الجهاديّة. كيف؟
* أولاً: حيث يعيش أبناؤنا
تشهد مجتمعاتنا تحدّيات كثيرة، بعضها ينبع من داخل حراك جماعاتها المتنوّعة ثقافيّاً
والمتعدّدة فكريّاً، وما يفرزه هذا التعدُّد من أطروحات تُهدِّد عقيدتنا الحياتيّة
ورؤيتنا الكونيّة، كالاتجاهات التكفيريّة والإلحاديّة والعلمانيّة والليبراليّة...،
وما ينعكس بطبيعة الحال على برامج التفكير وأنماط السلوك عند أجيالنا، وبعضها خارجيّ
بفعل الغزو الذي يجتاح الأرض والإنسان: كالاحتلال، والاستكبار، والحرب الناعمة...
ولتحقيق أهداف الغزو الفكريّ والجغرافيّ وغيرهما، يجري توظيف أدوات عديدة؛
كالقرارات السياسيّة، والمؤتمرات الاقتصاديّة، والمناهج التعليميّة، والبرامج
التلفزيونيّة، والأفلام السينمائيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ، والكتب،
والجمعيّات الأمميّة... وغيرها.
* ثانياً: ماذا علينا أن نفعل؟
أمام هذا التحدّي والواقع، تكون التربية الجهاديّة هي الحلّ الأمثل. ولا نعني
بالتربية الجهاديّة خصوص التربية العسكريّة التي تقوم على القتال المسلّح، بل نقصد
بها عمليّة إعداد المتربّي بنحو يمكِّنه (التمكّن) من بذل أقصى الجهد في القيام
بالأعمال التي توصله إلى تحقيق الأهداف المطلوبة في إقامة القيم الدينيّة؛ كالعدل
والقسط، والدفاع عن الدين الحقّ والإنسان المستضعف، وردّ العدوان بأشكاله كافّة،
ويجعله أكثر قدرةً (الاقتدار) على مواجهة المشاقّ كافّة التي تعترض حركة كدحه في
الحياة، وتذليل الصعوبات والتحديات المختلفة التي تقف حاجزاً أمام شقّ طريقه نحو
الغايات المذكورة.
* تجليّات التربية الجهادية
لم تعد التربية الجهادية مقتصرةً على الجهاد العسكريّ، بل اختصار التربية الجهاديّة
به هو تقزيم لهذا اللّون من التربية، وسجنها في إطار ضيّق. ولذا، نلاحظ أنّ الإمام
الخامنئيّ دام ظله -في هذا السياق- قد نحت مصطلح "الجهاد الاقتصاديّ"، في مواجهة
الحصار الاقتصاديّ المفروض على الجمهوريّة الإسلاميّة، وكذلك يستخدم مصطلح "الجهاد
الثقافيّ" في مواجهة الغزو الثقافيّ والحرب الناعمة. فالتربية الجهاديّة تهدف إلى
صناعة المؤمن القويّ المقتدر المتمكّن.
ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على استعراض القوّة، فلمّا قدم وأصحابه مكّة
وظنّ المشركون أنّهم قد وهنتهم حُمّى يثرب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم
الله مَن أراهم من نفسه قوّة"(2).
* لونان من التربية الجهاديّة
ثمّة لونان من التربية الجهاديّة: المعنى الأعمّ، والذي يشمل ميادين المواجهة مع
العدوّ كافّة، ثقافيّاً وفكريّاً وتربويّاً وإعلاميّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً...
وهذا ما يمكن استفادته من قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 60)، والمعنى الأخصّ؛
أي الإعداد العسكريّ والأمنيّ للأفراد.
ومن المعلوم، أنّ حصر التربية الجهاديّة بالدائرة الضيّقة لم يعد أمراً موصلاً إلى
تحقيق الأهداف المطلوبة؛ لأنّ ساحة المواجهة والقتال توسّعت أفقيّاً، وحينها يكون
المطلوب في التربية الجهاديّة هو العمل على بناء الروحيّة الجهاديّة في الشخصيّة
بنحو يتحرّك الفرد في جوانب الحياة المختلفة؛ انطلاقاً من قبس توقُّد هذه الروحيّة.
فيتعلّم المتربّي بروحيّة جهاديّة، ويمارس التمارين الرياضيّة، ويرسم، وينتسب إلى
الكشّافة... إلخ بروحيّة جهاديّة، كي يخرج إلى المجتمع، وهو يمارس أيّ وظيفة من
وظائف المجتمع بروحيّة جهاديّة، فيكون مهندساً مجاهداً أو طبيباً مجاهداً أو صحفيّاً
مجاهداً أو معلِّماً مجاهداً أو... ينظر إلى الأشياء من منظار جهاديّ، ويتعامل وَفق
ذلك.
* أيّ منظومة جهاديّة للتربية؟
انطلاقاً من الفهم الذي قدّمناه للتربية الجهاديّة، تشمل عمليّة إعداد المجاهد
أبعاد الهُويّة الإنسانيّة المختلفة: الذهنيّة، والنفسيّة، والسلوكيّة. وحينها يصبح
المطلوب غرس مجموعة قيم في شخصيّة الفرد؛ لنصنع منه إنساناً مجاهداً، مثل:
1- غرس صفات الجلال والقوّة: بربط المتربّي بالله سبحانه وتعالى؛ بغرس
الإيمان بصفاته الجلاليّة، كالقوّة والعزّة...، وتعزيز التخلّق بها، وتعزيز
الاعتقاد بأنّ الله تعالى يدافع عن المؤمنين، ولا يخلف وعده بنصرهم، وأنّه يلقي
الرعب في قلوب الأعداء.
2- التعرُّف على سيرة النبيّ وأهل البيت عليهم السلام : بربط المتربّي
بالسيرة الجهاديّة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام،
من خلال التعرّف على تلك السيرة عموماً، والحركة الجهاديّة للإمام الحسين عليه
السلام والقيم العاشورائيّة خصوصاً.
3- تنمية حسّ الانتظار الإيجابيّ للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف :
باعتبار أنّ كلّ جهد يبذله المتربّي في الحياة من شأنه أن يمهِّد لظهوره عجل الله
تعالى فرجه الشريف وتعجيل فرجه.
4- تعزيز الارتباط بالوليّ الفقيه: بطاعة أوامره الولائية والتكاليف الصادرة
عن القيادة الممثّلة له.
5- بناء البصيرة: من خلال توضيح أهداف المسيرة والمواجهة، والوسائل الموصلة
إليها.
6- تعزيز الوعي الثوريّ: بالتعرف على العدوّ وأهدافه ومخطّطاته وأساليبه،
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه"(3)،
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"(4).
7- تعزيز اليقظة: ويكون ذلك بالتنبّه لمؤامرات العدوّ وعدم الغفلة عنها؛ إذ
"مَن نام لم يُنَم عنه"(5).
8- تعزيز روح الدفاع عن القيم الدينيّة: كالدفاع عن العدل والقسط.
9- تعزيز حسّ المسؤوليّة تجاه القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة العامّة.
10- غرس حبّ الوطن، وكراهة العدوّ والنفور منه، وتجنب التشبّه به.
11- تنمية ملكة الحرّيّة ورفض الذلّ والاستعباد.
12- تدريبه على التكيّف مع الظروف والصعبة والتأقلم مع البيئة الخشنة.
فعن العبد الصالح (الإمام الكاظم عليه السلام) أنّه قال: "يُستحبّ عرامة الغلام
في صغره، ليكون حليماً في كبره"(6).
13- تنشيط الهمّة العالية: من خلال تعزيز عدم الإصابة باليأس والإحباط
ومواجهة الصعوبات المختلفة والعمل على تذليلها.
14- التشجيع على ممارسة الرياضة: وذلك أنّ القوّة البدنيّة مطلوبة في حركة
الجهاد؛ ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ (البقرة: 247).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علِّموا بنيكم الرمي، فإنّه نكاية
العدوّ"(7).
هذا، مضافاً إلى مجموعة قيم: كالتحلّي بالانضباط، الشجاعة، الصبر، التعاون، الحزم،
الثبات الانفعاليّ والحماسة.
1- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2، ص366.
2- السيرة الحلبيّة، الحلبيّ، ج2، ص781.
3- الخصال، الصدوق، ص525.
4- الكافي، الكليني، ج1، ص26.
5- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ عليه السلام، ج3، ص121.
6- الكافي، (م.س)، ج6، ص51.
7- الجامع الصغير، السيوطيّ، ج2، ص161.