إعداد: إبراهيم منصور*
*من أمثال العرب
"بارود يوك" yock.
عام 1912 حصل تنازع بين إيطاليا والدولة العثمانية على مدينة طرابلس الغرب. وكان يرسو في ميناء بيروت زورقان حربيّان تركيّان، فأرسلت إيطاليا أسطولاً حربياً للقضاء على الزورقين، أطلق الأسطول نيران مدافعه على ميناء بيروت ومحيطه، فكانت النتيجة غرق الزورقين، وسقوط عدد من القتلى والجرحى بلغ المائتين. وكان لتركيا مدفع كبير في محلّة المنارة من رأس بيروت، فأصدر الوالي التركي أمراً إلى "المدفعجي" بقصف الأسطول الإيطالي. لكن الأخير لم يطلق النار قائلاً للوالي: "بارود يوك" أي لا يوجد بارود، فذهب قوله مثلاً.
وقال أحمد شوقي بهذه المناسبة قصيدة اخترنا منها:
بيروتُ مات الأسْرُ حَتْفَ أنوفِهِم |
لم يَشْهِروا سيفاً ولم يَحْموكِ |
لكِ في حِمى النيلِ المباركِ جيرةٌ |
لو يقدرون بدمعهم غَسَلوكِ1 |
*من أجمل الكناية
مات ولد فقالت أمُّه لزوجها: "هو أهْدأ مما كان". كنّتْ بالهدوء عن الموت تطييباً لقلب أبيه، والعرب تقول: هدأ الرجل يهدأ هدوءاً، بمعنى مات2.
*من فنون البلاغة
تقول العرب: "ركب فلان ذَنَبَ الريح"، أي أسرع وسبق غيره فلم يُدْرَك. ومنه ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه ذكر الفتنة في آخر الزمان فقال: "فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فتجتمع الناس" أراد عليه السلام أنه يضرب أي يسيرفي الأرض ذاهباً بأتباعه الذين يَرَوْن رأيه، ولم يعرّج على الفتنة؛ وذَنَبُ الرجل: أتباعه، كأنهم في مقابل الرؤوس، وهم المتقدِّمون3.
*من أجمل النثر
ما قاله نثراً الشاعر الملهَم بولس سلامة في فضائل القرآن وبلاغة الإمام علي عليه السلام قال: "في عنق الشاعر العربيِّ دَيْنٌ للإسلام، سواء أكان الأديب مسلماً أو مسيحياً، إذ إنه لم يُجْرَ قلمٌ بالفصاحة إلاّ وعليه رشّاشٌ من غيث القرآن الكريم، ولم يكتحل جفْنٌ بسحر البيان إلا وقد أشرق من باب رحْبٍ على هذه المروج الخضر التي تعهّدها الإسلام بالماء والظلال. وأوَّل من يطلُّ عليك من هذه الجنان، بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هو سيّد البلغاء، وفارس الإسلام، وسدْرةُ المنتهى في الكمال الإنسانيّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام"4.
*من أجمل الشعر
ما قاله الشاعر رعد هادي جبّارة في رثاء السيد محمد باقر الصدر قدس سره:
هو الصدرُ العظيم يُسلُّ سيفاً |
ليجلو الليلُ والدنيا تُضاءُ |
ولا يخشى المنايا الحُمرَ يوماً |
أيخشاها وهذي كربلاءُ؟ |
غداةَ دمُ الحسينِ أُبيحَ فيها |
غَدَتْ تبكي السَّما والأنبياءُ |
أما علِموا بأنّ الكفر ليلٌ |
وعند الصبح ينبلجُ الضياء؟ |
أما علموا بأنَّ كماة شعبي |
لُيوثٌ حين يشتدُّ البلاءُ؟ |
سيأخذُ ثأر قائده ويعلو |
على الآفاق للَّهِ اللواءُ |
وللإسلام كان النصرُ دوماً |
وليس لشعلةِ الحقِّ انطفاءُ5 |
*قصّة وعبرة
قيل إنّ رجلاً صاد قُبَّرةً فقالت له: ما تريد أن تصنع بي؟
قال: أذبحكِ وآكلكِ، قالت: والله إني لا أُسْمن ولا أغني من جوع، ولكنّي أُعلِّمك ثلاث خصال هي خيرٌ لك من أكلي. أما الأولى فأعلمك إيّاها وأنا على يدك، والثانية إذا صرتُ على الشجرة، والثالثة إذا صرتُ على الجبل.
قال: نعم. فقالت وهي على يده: لا تأسفنَّ على ما فاتك. فخلّى عنها. فلمّا صارت على الشجرة قالت: لا تصدِّقنَّ بما لا يكون. فلمّا صارت على الجبل قالت: يا شقيّ! لو ذبحتني لوجدت في حوصلتي درّة وزنها عشرون مثقالاً.
فعضّ الرجل على شفته وتلهّف ثم قال: هاتي الثالثة. فقالت: قد نسيتَ الثِّنْتيْن الأوليين، فكيف أعلمك الثالثة؟ قال: وكيف؟ قالت: ألم أقل لك لا تأسفنَّ على ما فاتك؟ وقد تأسَّفت عليَّ. وقلت لك: لا تصدِّقنَّ بما لا يكون، وقد صدَّقت فإنه لو جمعت عظامي وريشي ولحمي لم تبلغ عشرين مثقالاً6. فكيف يكون في حوصلتي درَّةٌ وزنها عشرون مثقالاً؟!
*من أجمل الرّدود
كان عديّ بن حاتم الطائيّ قد شارك في حرب الجمل وصفين والنهروان مع الإمام عليّ عليه السلام، وفُقئتْ عينه في يوم الجمل. فدخل يوماً على معاوية في الشام، وكان عنده عبد الله بن الزبير، فأراد عبد الله أن يعبث مع عديّ فقال له: في أي يومٍ فقِئتْ عينك يا عديّ؟ فأجابه على الفور: في اليوم الذي قُتل فيه أبوكَ مُدبراً (فارَّاً) وضُربْتَ فيه على قفاك مولياً (هارباً)7.
*بين العاميّة والفصحى
"تلحْلَحَ"؛ نقول بالعامية: تلحْلَحَ فلان، أي تحرّك وذهب. أمّا في الفصحى فإنّ لهذا الفعل معنىً معاكساً تماماً، اذ معنى تلحْلَحَ: أقام وثَبَتَ، من فعل ألحّتِ الناقة إذا بركتْ فلم تبرحْ مكانها. وفي الحديث أنَّ ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلحْلَحَت عند بيت أبي أيّوب الأنصاريِّ ووضعت جِرانَها (مقدّم عنقها)، أي أقامت وثَبَتتْ.
*من دقائق اللغة
"النَّفثُ والتَّفْلُ"؛ النّفثُ أقلُّ من التفل؛ لأنّ التفل لا يكون إلا معه شيءٌ من الريق، والنّفثُ شبيهٌ بالنفْخ، وقيل: هو التفْلُ بعينه.
يقال: نَفَثَ الراقي ينفث نفثاً ونفاثاً، إذا نفخ، وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "إن روح القدس نفث في روعي"، يعني جبرائيل عليه السلام، أي أوحى وألقى. وفي الحديث أنّ زينب عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْفَرَ بها المشركون بعيرها حتى سقطت، فنفَثَ الدماء مكانها، أي سال دمها. وقد جاء في التنزيل العزيز: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ (الفلق:4) هنَّ السواحرُ حين ينْفُثْنَ في العقد بلا ريق8.
*من الأخطاء الشائعة
"الزّمِّيتُ"؛ يُظنُّ أنّ الزمِّيت أو المتزمِّت من الناس هو المتعصِّب أو النافر الذي لا يرضيه شيء، وهو خطأ شائع؛ لأن الزمِّيت هو الحليم الساكن القليل الكلام، ويكون الرجل زمّيتاً إذا توقَّر في مجلسه. وقد جاء في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان من أزمتهم في المجلس، أي من أرْزَنِهِم وأوقرِهم، وقد عُرف عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان من أَفْكَهِ الناس إذا خلا مع أهله، وأزْمِتهِم في المجلس.
* عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين.
1- لئلاَّ تضيع، سلام الراسي، ص218 - 220.
2- م.ن، ج1، ص181، مادة "هدأ".
3- لسان العرب، ابن منظور، ج1، ص389، "مادة ذنب".
4- علي والحسين في الشعر المسيحي، بولس سلامة، ص260.
5- موسوعة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، السيد عبد الحسين شرف الدين، مجلّد 8، ص463 – 464.
6- عالم الحيوان، سمير كبريت، ص19 – 20.
7- مجمع الأمثال، الميداني، ج3، ص202.
8- لسان العرب، م.س، ج2، ص196، مادة "نفث".
شعر
جنات الخلد
2013-06-04 11:04:10
شاكرين فضلكم وسائلين المولى عز وجل ان يعلي شأنكم.هل من الممكن نشر ابيات شعريةاخرى باي شان للشاعر رعد هادي
مواضيعكم مثلكم...رائعه
احمد كريم خلف الغالبي
2013-06-27 22:56:40
السلام عليكم حقا ما تقدموه نفتقده ونتمنى الكثير..