ديما جمعة فوّاز
لطالما كانت طيبة القلب ميزة المؤمنين، والتسامح من سمات الأنبياء، وكانت مجالسة
كبار السنّ والاستماع إلى قصصهم تشعرنا بالدفء.
حين تنقطع الكهرباء، كنّا نتحسّس الجدران ونصل بتلقائيّة إلى الشموع التي حفظنا
مكانها فنضيئها ونتحلّق قربها بضع ساعات قبل أن نغفو، لنستيقظ بعد ساعات على صوت
الوالد يثير -عن قصد- ضجّةً خفيفةً أثناء وضوئه، فنقفز من أَسرّتنا ونتبعه نحو
سجادة الصلاة.
لم يكن في حياتنا الكثير من الكماليات والأحكام المسبقة، كان فعل الخير فطريّاً،
ولجوء الجارة إلينا لاستعارة بضع حبّات من البندورة أمراً بديهيّاً!
روح المشاركة والتعاون هي التي كانت سائدة..
فما الذي حصل؟
كيف صارت مجالسة الكبار مثيرة للسخرية وأحاديثهم دلالة على الملل؟
لماذا تحوّل قضاء حوائج أفراد العائلة إلى مهمّة ثقيلة؟
ومتى صار الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر اختياريّاً؟
كنّا في السابق نضحك من تكرار عبارات التطبيع أو الغزو الثقافيّ، ونتخيّل أنّه
سيأتينا عبر رجال فضاء يهيمون على منازلنا وقُرانا.. ونصير طوعاً لمعتقداتهم. كنا
نسخر ونعتبر أنّ هذه الأوهام يكرّرها الجَهَلة! ولعلّ كثرة تكرارها بأسلوبٍ منفّر
كانت نوعاً من الغزو الثقافيّ المبرمج، لنصل إلى مرحلة نصيح بها: كفى تهويلاً! لا
أحد يريد أن يغيّر ثقافتنا ولا أحد يدرس مجتمعاتنا ويطمح إلى الفتك بجيل الشباب
وتغيير المعتقدات وتشويه الأخلاق!
ولكن.. دعونا نعيد حساباتنا قليلاً..
ألم يتحوّل المثقّف -بحسب مفهوم عصرنا- إلى متفلسف، والكريم إلى أحمق، والمتسامح
ضعيف الشخصية؟
ألم يتكرّس مفهوم أنّ صاحب الصوت الأقوى هو الأقوى؟
لعلّنا بالغنا في رسم صورة الغزو الثقافيّ الذي كنّا نسخر من أنّه سيأتينا من باب
واسع لنجد مع الأيّام أنّه تسلّل بإرادتنا إلى جميع المنازل عبر جهاز جعلنا نستقبل
كلّ الأفكار الغربية الغريبة عنّا.. نتشرّبها بسهولة.. بتعليقات وفيديوهات وأفلام
هوليوودية.. عبر برامج ومقالات وقصص.. أُعيدت برمجتنا ليصير الدين ترفاً والدعاء
رياءً والعطاء تزلّفاً..
من المفيد أن نعيد حساباتنا، وسنجد أنّ تحوّلنا عن القراءة لصالح الألعاب
الإلكترونية على هواتفنا لم يكن اعتباطيّاً.. فالهاتف صار أذكى منّا! والقرآن في
المنازل تحوَّل من جليس وأنيس إلى زينة في المكتبات الضخمة المليئة تحفاً وصوراً..
لم نعد نسارع لمساعدة الجارة على حمل أكياس الخضار، ولم نعد نقفز احتراماً للجدّ كي
يجلس على كرسينا.. أصبحنا فوضويين في أفكارنا، متسرّعين في قراراتنا، فاقدين
للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية!
وهنا يكون السؤال: كيف تحوّل مفهوم طيبة القلب من ميزة المؤمنين إلى تهمة توصم
صاحبها بالسذاجة؟