نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الدليل العقلي على ولاية الفقيه

آية الله جوادي الآملي

يشبه البرهان العقلي على ضرورة ولاية الفقيه في عصر الغيبة البرهان المقام في النبوة والإمامة. لأن واحداً من الدلائل التي تثبت النبوة العامة، هو حاجة البشر إلى القوانين الإلهية، والآخر الحاجة إلى وجود فرد قادر على إدارة وإجراء كافة القوانين الإلهية على أساس كونه قدوة لأفراد جنسه من البشر. فإن لم يكن المجتمع بحاجة إلى القانون الإلهي، أو أن تلك القوانين الإلهية كانت تكفي لوحدها لأجل إدارة الحياة الاجتماعية كما تقتضيه الحياة الإنسانية، لما كان هناك ضرورة للنبوة.

والدليل على ذلك أنه في حال عدم الاحتياج إلى القوانين الإلهية لانتفى دليل ارتباط الإنسان بالله، وفي الصورة الثانية لو فرضنا كفاية القوانين الإلهية لإدارة الحياة الاجتماعية لما بقي طريق لإثبات النبوة. لأن القوانين لو كانت تكفي لوحدها لرفع حاجات الحياة الإنسانية، لاستطاعت الملائكة أيضاً عن طريق الإلهام إبلاغ هذه القوانين بحيث تعرف كل فرد صالح على قانون من القوانين الإلهية، وإن كان هذا المعنى بدوره يشترك في النبوة.

ولهذا فإن سر هذا الأمر في وجوب كون النبي إنساناً من جنس الآخرين هو أن الملائكة ليست أسوة للناس ولا تدير أو تدبر أمورهم الاجتماعية.
وإثبات الإمامة العامة يتم من خلال هذين الأصلين وهما احتياج الإنسان إلى القوانين الإلهية، والحاجة إلى القيادة الاجتماعية.
ورغم أن التشريع للقوانين الإلهي قد تم قبل رحيل نبي الإسلام صلى الله عليه وآله. لكن بقي الكثير من العمومات والإطلاقات، التخصيص أو التقييد، وعلمها موجود عند الإنسان الذي هو بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا فإن هناك حاجة إلى شخص بعد رحيل الرسول مطلع على القوانين الإسلامية، ويتعهد ولاية وقيادة المجتمع.

وأما في زمان الغيبة وبعد أن وصل بيان المقيدات والمخصصات للشريعة النبوية إلى حد النصاب، لم يعد هناك شعور بنقص في القوانين، لكن هذا القدر لا يغني المجتمعات الإنسانية عن إنسان عارف بالقوانين وأمين في تولي شؤون المجتمع وإجراء القوانين، وهذا الاحتياج هو الذي يثبت ضرورة ولاية الفقيه العادل والمدير والمدبر في زمان غيبة إمام الزمان عليه السلام.

من خلال المقارنة ما بين المقدمات البرهانية التي تقام في النبوة والإمامة العامة، وما يستخدم في إثبات ضرورة ولاية الفقيه يعلم الاختلاف الموجود في نتائج هذه البراهين. ففي البرهانين الأولين أحد الأصلين اللذين يثبتان ضرورة النبوة أو الإمامة هو الاحتياج إلى أصل تشريع القوانين الإلهية أو العلم والإطلاع على خصوصياتها، أما في البرهان الأخير ومع انتهاء التشريع طوال حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومع تبيين خصوصيات القوانين الإلهية من قبل وارثي علوم النبوة، فقد تم رفع هذا الاحتياج، ولهذا فإن الأمر الوحيد الذي يتمسك به لإثبات ولاية الفقيه هو الأصل الثاني: أي الاحتياج إلى الولاية والقيادة من قبل شخص يضمن إجراء القوانين.

والنتيجة التي تنبثق من هذا الأصل هي أن حدود ولاية الفقيه ـ كما أشرنا في الأبحاث السابقة ـ تقع ضمن إجراء الأحكام، في حين أن النبي والإمام يقومان إضافة إلى التطبيق بتبليغ الشريعة أو تبيين المقيدات والمخصصات للقوانين الإلهية كل حسب دوره. ولهذا فإن الولي الفقيه لا يضيف ولا ينقص حكماً واحداً على الأحكام الإلهية. وفي تلك الموارد التي يقدم حكم لولي الفقيه على حلية حلال أو حرمة حرام، فإن هذا ليس من باب تقييد أو تخصيص الحكم الإلهي، بل من باب حكومة بعض الأحكام الإلهية على بعض (هيمنتها).
وكمثال حكم المرحوم الميرزا الشيرازي في حرمة استعمال التبغ بهذا البيان: "اليوم استعمال التنباكو بأي نحو كان في حكم محاربة إمام الزمان عليه السلام". وهو ليس من باب تقييد أو تخصيص قاعدة الحلية، بل بمصداق الآية الشريفة ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في باب حكومة حكم الله (المبني على ضرورة إطاعة أولي الأمر) على الأحكام الإلهية الأخرى.

وهذا الأمر نظير الحكومة في قاعدة "المؤمنون عند شروطهم" أو حكومة وجوب رعاية الشروط على الأحكام المحكومة بها كإباحة الخياطة والكتابة التي تصبح ضرورة بشرط ضمن العقد. لأن الشخص الذي يشترط الكتابة ضمن العقد اللازم. وإن كان يحول عملاً مباحاً إلى عمل واجب، ولكن بسبب أن تصرفه وتدخله في إطار العمل لا في حدود القوانين، فإنه لا يزيد شيئاً على الواجبات الإلهية.
ومن هنا فإن الشرط إذا تجاوز حدود العمل وأصبح في حدود التقنين بسبب مخالفته لمقتضى الكتاب والسنة وتعديه على حريم التقنين يصبح باطلاً.
وكمثال، لو لم يشترط أحد ما ضمن العقد اللازم العمل بالخياطة والكتابة، بل اشترط تحريمهما أو وجوبهما كما أن يقول ضمن العقد: "بشرط أن تعد الخياطة واجبة أو أن تعد الكتابة حراماً". ففي هذه الحالة يصبح هذا الشرط باطلاً بسبب تجاوزه حدود القانون.
ومثال آخر يمكن أن يبين الاختلاف ما بين التدخل في حدود العمل والتصرف في حدود التقنين، وهو المثال الذي يطرح في مورد الأحكام الثانوية. ففي مورد الأحكام الثانوية لو حدث تصرف فإنه يكون في مورد التنفيذ والعمل لا في التقنين. كما لو انحصر علاج مريض باستخدام دواء نجس وحرام، فإن الطبيب عندما يجيز الدواء لا يقول أبداً أنني أحلل هذا الدواء النجس، وكذلك فإن المريض لا يمكن أن يأخذ حكم الحلية من ذلك الطبيب. وما يؤذن لهما بيان ضرورة استعمال الدواء لأجل الشفاء.

وولاية الولي الفقيه أيضاً هي مثل ما قيل في مسألة الشروط أو في حدود الأحكام الثانوية. فالفقيه الجامع للشرائط لا يحق له أبداً وفي أية حال التدخل في إطار التقنين، بل كل ما يؤديه هو إجراء القوانين، فإذا كانت القوانين أثناء التنفيذ حاصلة بدون تزاحم، فسوف يأمر طبقاً لها. أما إذا أدى تنفيذها إلى حصول التزاحم كما يجوز الطبيب لأجل حفظ مصالح الأفراد شرب الدواء الحرام، فإن الولي الفقيه أيضا ولأجل حفظ النظام الإسلامي، يأمر بأداء ما هو أهم، ويبقى على كل حال حكم كل واقعة على حاله في غير مورد التزاحم، كما يبقى حكم ذلك الدواء حراماً بالنسبة لغير المضطر.
فضرورة ولاية الفقيه تثبت بنفس البرهان الذي يثبت ضرورة النبوة والإمامة العامة، مع وجود هذا الاختلاف وهو أن ذلك البرهان المعروف يثبت ضرورة النبوة والولاية من الجهتين ولكن يثبت ضرورة ولاية الفقيه في عصر الغيبة من جهة واحدة. وبسبب هذا التمايز نحن نأخذ عموميات [مطلقات] الكتاب والسنة وكذلك المخصصات والمقيِّدات للشريعة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام الذين هم ورثة العلوم النبوية، في حين أننا لا نتوقع من غير هؤلاء العظام عليهم السلام إلا العمل بمقتضى ما جاءنا منهم.

النقطة التي يلزم ذكرها في نهاية هذا البرهان هي أن ما ذكر من الشواهد النقلية هو من باب تقريب المطلب إلى الذهن، وإلا فإن البرهان العقلي المحض لا يحتاج إلى مثل هذه الشواهد مع وجود الاستعداد الذهني لفهمه.

* طرح ولاية الفقيه في البراهين الكلامية والفقهية
لأجل تبيين كون البرهان كلامياً أو فقهياً (على ضرورة ولاية الفقيه في عصر الغيبة)، ينبغي أولاً أن نعلم الفرق ما بين علم الكلام والفقه من ثم الاختلاف ما بين مسائل وبراهين كل من العلمين، لأن الملاك في أن هذه المسألة أو هذا البرهان كلامي أو فقهي ليس في وجودها في الكتب مهما كانت، وكذلك فإن عقلانية دليل ما لا يدل على أنه كلامي أو فلسفي. وإلا فإن بعض المسائل الكلامية قد طرحت استطراداً في الكتب الفقهية، وكذلك فإن بعض المسائل الفقهية ذكرت في الكتب الكلامية. وهكذا فإن العديد من المسائل الفقهية والأصولية يعتمد إثباتها على الدليل العقلي المحض مثل بطلان الصلاة في المكان المغصوب. ففي هذه المسألة لا يوجد أي دليل نقلي. والدليل النقلي الوحيد في هذا المجال ما يثبت حرمة الغصب، وليس بطلان الصلاة في المكان المغصوب. ولهذا فإن الفتوى ببطلانها تدور مدار الحكم بعدم إمكان اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهب. فأولئك الذين لم يقولوا باجتماع الأمر والنهي وقدموا جانب النهي يفتون ببطلان الصلاة في المكان المغصوب، فمنشأ هذا الحكم الفقهي هو تلك القاعدة العقلية المحضة ولا يؤدي هذا الأمر إلى إلحاق هذا البرهان أو هذه المسألة بالمسائل الكلامية.

فتمايز مسائل العلوم ليس بتميز أدلتها، بل يعود إلى نفس الأمر الذي يوجب تمايز العلوم، وتمايز العلوم ليس بتمايز الأهداف والغايات ولا بتمايز سنخية المسائل وكيفية ربط المحمول بالموضوع، بل بتمايز موضوعاتها، بتميز موضوع كل علم، تتميز موضوعات مسائله بسبب الارتباط الحاصل بينهما، ويحصل من هذا التمايز تمايز آخر ما بين المحملات وكيفية الارتباط بين المحمولات والموضوعات وكذلك سنخية المسائل والغاية والغرض المترتب عليها. لأن موضوع كل علم هو الشيء الذي يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية. فالعوارض الذاتية التي هي محمولات موضوع العلم وموضوعات مسائله، تتحدد من خلال الاستناد إلى الموضوع. وكيفية الارتباط بين المحمول والموضوع وكذلك الهدف والغاية المترتبة على المسائل التي تتألف من الموضوع والمحمول، كلها تابعة للأمور المقدمة عليها، وتكون في النهاية تابعة للأمر المقدم وهو موضوع العلم.

لهذا فإن تمايز المحمولات وتمايز كيفية الارتباط بين المحولات والموضوعات، وتمايز الأغراض وبالنهاية تمايز المسائل، يعود إلى تمايز الموضوع الذي تتشكل منه. ولكي يتضح أن مسألة ولاية الفقيه مسألة كلامية أو فقهية لا بد أولاً من تحديد موضوع كل علم، وبعدها يتضح ارتباط مسألة ولاية الفقيه بهذين الموضوعين.

* امتياز البراهين الكلامية والفقهية
علم الكلام يبحث بشأن الله سبحانه وأوصافه وأفعاله.
وعلم الفقه يتعهد البحث حول فعل المكلَّف. ولهذا فإذا بحثنا في مسألة حول فعل الله تكون المسألة كلامية، وإذا كان البحث حول فعل المكلَّف كانت المسألة فقهية.
ومما قيل بشأن الاختلاف بين المسائل الكلامية والفقهية، يعلم أن نتيجة البرهان الذي يذكر في إثبات ولاية الفقيه إذا كانت ضرورة ووجوب تعيين ولاية الفقيه من قبل الله سبحانه فإن البحث يكون كلامياً، وأما إذا كانت النتيجة وجوب تعهد مقام الولاية من الفقيه أو وجوب قبول ولاية الفقيه من الناس، فإن المسألة والبرهان والمقام يكونان فقهيان، ففي الصورة الأولى يرتبط البحث بالأفعال الإلهية، وفي الصورة الثانية فإن موضوعها هو أفعال المكلَّفين.

* الضرورات الاعتبارية والضرورات الحقيقية
النقطة التي يلزم الالتفات إليها هنا هي أنه في حال تم إلحاق مسألة ولاية الفقيه بالمسائل الكلامية فإن الوجوب والضرورة التي تقام على ذلك الدليل، هي وجوب وضرورة في مقابل الامتناع، لأن علم الكلام من العلوم التي تبحث بشأن الأمور التكوينية، وفي إطار الأمور التكوينية لا يوجد حديث عن إثبات أو نفي وجوب أو الحرمة الاعتبارية.
وبالطبع فلأجل إثبات وجوب تعيين الوالي من الله تبارك وتعالى، يجب تشكيل قياس مركب بإضافة مقدمة أخرى وانضمامها إلى النتيجة الحاصلة من البرهان السابق. لأن ما أقيم تحت عنوان ضرورة ولاية الفقيه على ذلك البرهان العقلي كان فيما يرتبط بدوام وبقاء الحياة الإنسانية ضمن إجراء القوانين الإلهية، بمعنى أن ترك الناس بدون تعيين الوالي يؤدي إلى وقوع الهرج والمرج في نظام الحياة، ويؤدي إلى فساد الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان.

والمقدمة الأخرى التي ينبغي أن تضاف على هذه النتيجة إما قاعدة اللطف أو قواعد أدق تستند إلى الاعتقاد بالنظام الأفضل أو حكمة الله تبارك وتعالى. كما أن يقال مثلاً: إن الله تبارك وتعالى حكيم، ولا يصدر من الحكيم عملٌ باطلٌ أو عبثي. والنتيجة التي تحصل من هذا القياس المركب هي أن الله الحكيم على نحو الحتم والضرورة، لا يترك الناس خلال عصر الغيبة المتمادي الذي لا تعلم نهايته بدون أولياء يديرون القوانين والأحكام التي شرعها لهم وكلفهم بها.

* الضرورة الذاتية والضرورة الأزلية
بعد أن علمنا أن هذه الضرورة المذكورة في هذا البرهان هي غير الضرورة الاعتبارية الفقهية المساوية للوجوب في مقابل الحرمة، هنا لا بد أن نشير إلى هذه النقطة أيضاف وهي أن الضرورة المذكورة سابقاً هي فوق الضروريات الذاتية التي يستفاد منها في مورد البراهين المتعارفة. لأن الضرورة الذاتية هي التي تتقيد بالوصف ما دامت الذات. مثل الضرورة المطروحة في قضية "الإنسان إنسان بالضرورة"، فثبوت الشيء وإن كان لنفسه ضرورياً، لكن ضرورته ضرورة ذاتية بمعنى أن "الإنسان ما دام موجوداً إنسان بالضرورة". أما بعد أن ينعدم فلا يأتي الحديث عن إنسانيته.

إذاً ففي الضرورة الذاتية، فإن المحمول على الموضوع له ضرورة ما دامت ذات الموضوع موجودة، وأما الذات الإلهية الأقدسية اللامحدودة مطلقاً. بمعنى أن الإطلاق لا ينبغي أن يكون قيداً لها، ليست مقيدة بأي قيد وليست محدودة بأي أمر.
ومن هنا فإن ما هو ثابت لها ليس مقيداً بـ"ما دام" وأمثالها. وهي الضرورة الأزلية التي هي فوق الضرورة الذاتية.

وهكذا فكما أن جميع صفات الله، ومنها الحكمة. ثابتة له بالضرورة الأزلية، فإن تعيين الولي للمجتمع في كل الأزمان ومنها في عصر الغيبة ثابت له بالضرورة الأزلية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع