يشعر المرء بالأسى لو أراد أن يتتبَّع بعض الحالات التي يَعيشها مجتمعنا المسلم
والتي لا تتطابق مع القِيَم الأخلاقيَّة والدينيَّة الإسلاميَّة. فهل نعيش فعلاً في
مجتمع مسلم ونحن نشاهد مظاهر الحياة الغربيَّة وهي تحكم هذا المجتمع في تفاصيل
حياته؟ لقد استطاع الغرب أن يؤثِّر في فئة من الناس في البدء، فاستلَب منها عقولها
وجعلها تسير خلفه مستقيلةً من ماضيها الإسلامي، فتنكَّرت لهذا الدِّين عقيدة وفكراً
ورأياً قبل أن تتنكَّر له سلوكاً ونمط حياة.
وحيث عجزت ثقافة الغرب ورؤاه عن غزو فكر بعض المسلمين، أو عن التأثير فيهم في تبديل
ما يعتقدون به من الحق ويؤمنون به، لم تتوان عن سلوك طريق آخر، فقد استطاع الغرب أن
ينفذ إليهم من باب مختلف هو النفوذ إلى السلوك بشكل مباشر، فابتدأنا نشاهد (حجاب
الموضة) مثلاً، فالفتاة لم تتخلَّ عن حجابها، ولكنَّها أبدلت نمطه في سلوكها فجعلته
مناسباً لما يريده الغرب منها من التبرّج وإظهار ما يكون سبباً في انحراف المجتمع،
وكذلك سائر المظاهر التي نجدها في سلوك أبنائنا سواء فيما يتعلق باللباس أو بمنطق
الكلام وأسلوب المعاملة، فبعض من يدخل في عداد الذين يتمسَّكون بهذا الدِّين ولا
يريدون التخلّي عنه، مبتلى بوضوح بعدوى هذا المرض دون شعور منه.
ولكن أين تقع المسؤوليَّة في كل ذلك؟! لا نتجنّى إن رمينا بالثقل الأول في هذا
الصدد على ربِّ الأسرة، فحيث لا يَرقب سلوك أبنائه وهو يشاهد هذا التبدّل السلوكي،
يكون مسؤولاً عن ذلك. ولا يعود السبب الحصريّ لنفوذ ثقافة الغرب هذه داخل مجتمعنا
إلى مؤامرات الغرب التي يحوكها ويسهر على رعايتها، بل يعود أيضاً إلى ضعف المناعة
في مجتمعنا المسلم، وضعف المناعة هذا يبدأ من الكِبَار الذين يَغفلون في كثير من
الأحيان عن ضرورة الرعاية التامَّة للأبناء. يَشغل الإنسان نفسه ويكلفها الكثير كي
يؤمِّن لأبنائه مقوِّمات الحياة الكريمة التي تغنيهم عن الحاجة إلى الناس، ويَرضى
عن نفسه تمام الرضا إن قارن نفسه بغيره من أبناء جيله فوجد أن أولاده يعيشون أمنَاً
حياتيّاً ومعيشيَّاً، لا ينقصهم شيء من متطلَّبات الحياة، بل ومن كمالاتها وكمالات
كمالاتها. ولكن لا يفكِّر الإنسان في مصير أبنائه حيث يرتبط ذلك بعلاقتهم بربِّهم
وتطابق سلوكهم مع عقيدتهم ودينهم الذي يؤمنون به. لا يعيش همَّ صلاة ابنه، وأنَّه
هل يؤديها على وجهها أو لا، وحجاب ابنته وأنّه هل يتطابق مع المعايير الشرعية أو لا،
إلى غيرها من المفردات، فهو قد استقال تماماً من هذه المهمّة. والإسلام الذي حثَّ
على الإنجاب وتكثير النسل حثَّ أيضاً على تربية هذا النسل تربيةً سليمةً وصحيحة،
وجعل من مسؤوليَّة الأبوين الرعاية التامَّة للمولود. ولا تُشعرنا النصوص الدينيَّة
إطلاقاً بأهميَّة الرفاه المادّي لحياة الأسرة، بقدر ما تدلّنا بوضوح على خطر
الاستهانة بالتربية الخُلُقيَّة والدينيَّة والسلوكيَّة للأبناء. هل تتمكَّن الأسرة
بتمام مكوّناتها من أن تتكاتف في سبيل تربية صالحة لأبنائها؟! هل يتمكن المجتمع من
أن يتكاتف بأفراده كافَّة في سبيل مواجهة تلك الظواهر غير المنسجمة مع طابع المجتمع
الإسلاميّ؟!
وختاماً هل نستجيب للأمر الإلهي المنزل في القرآن الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ
مَا يُؤْمَرُونَ﴾
(التحريم: 6)؟