حوار مع نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم
حوار: الإعلامي ضياء أبو طعام
"إنّ مشروع حزب الله هو مشروع تثبيت الحقّ، وإنّ تحقّق
ذلك بتربية الأجيال على الإسلام وطاعة الله تعالى، وبتحرير الأرض من أجل العزّة
والكرامة". سماحة الشيخ نعيم قاسم.
من هذا المنطلق، تُمثّل الانتخابات النيابيّة أحد أوجه تثبيت الحقّ والحفاظ عليه،
ويُعبّر الحضور الفاعل فيها عن مقبوليّة الشعب والناس لها ورضاهم عنها وعن خطّ
المقاومة الذي يُمثّلهم. ولا بدّ من التنويه هنا إلى أنّ للدخول في الانتخابات
ضوابط ومبادئ ثقافيّة على عاتق خطّ المقاومة، وكذلك على عاتق المنتمين إلى هذا
الخط. إذاً للثقافة الانتخابية مفاصل وروح، سنحاول الإضاءة عليها في حوارنا مع نائب
الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم.
* بداية، كيف يستعد حزب الله للشرعية على مبدأ تشجيع الناس على المشاركة في العملية
الديمقراطية؟ وما هو الموقف الديني اليوم من الانتخابات؟
في الحقيقة، إنّ فكرة الانتخابات والصيغة التي نراها اليوم، هي فكرة معاصرة، وكان
أهم ما عزّزها في منطقتنا هو قيام الثورة الإسلامية المباركة في إيران على يد
الإمام الخميني قدس سره، الذي بنى كلّ منظومة إقامة الجمهورية الإسلاميّة على فكرة
الانتخابات والولاية؛ وبالتالي، تُعتبر الانتخابات رُكناً أساسيّاً من أركان
المشروعيّة، فكيف لا تكون الانتخابات مشروعة؟! وبالنسبة إلينا، فقد استفدنا من
التجربة الإسلامية الحديثة التي مثّلتها الجمهورية الإسلاميّة في إيران، كما الآراء
المتجدِّدة للولي الفقيه الذي أفتى بشرعية الانتخاب عندما تكون الانتخابات حرّة
ونتائجها حقيقيّة.
نحن نأخذ مشروعيّتنا في الانتخابات من موقف الوليّ الفقيه، ونعتبرها محطة
استثنائيّة، من حقّنا أن نستفيد منها لاختيار الأصلح حتى يمثّلنا؛ وهنا، أؤكّد أنّ
الانتخابات من المسائل التي لم تكن مطروحة سابقاً، لكن رحابة الشريعة الإسلاميّة
أوصلتنا إلى أن يكون هناك فتوى وقرار بمشروعية الانتخابات التي لها نتائجها
العظيمة، بل قد تصل في بعض الحالات إلى درجة الضرورة؛ كي نستبدل الأحسن بالسيِّئ،
الذي يمثّل الناس بشكل مباشر.
* انطلاقاً من ضرورة اختيار الأفضل والأنسب، وتشجيعكم على خوض العملية الانتخابية،
كيف تختارون النوّاب؟ وما هي أهم وظائفهم؟
في الواقع السؤال المركزي هو: لماذا ننتخب؟ ومن ننتخب؟ نحن ننتخب نوّاباً يمثلون
الشعب؛ وبالتالي، أهم وظيفة عليهم القيام بها هي نقل هموم الناس وقضاياهم وقناعاتهم
إلى المجلس النيابيّ، والمطالبة بها، والدفاع عنها، وكذلك سيكون للمجلس النيابي دور
تشريعيّ قانونيّ له علاقة بتلك القضايا. وعلى هذا الأساس، لا بدّ من توفّر أمرين في
النائب الذي نرشّحه: الأول: الاتجاه القانوني السليم لفهم رؤية الناس وقناعاتهم في
القضايا المختلفة. الثاني: العمل من أجل تأمين الخدمات للمناطق والأفراد وإنصافهم
في قضاياهم الاجتماعية اليوميّة.
هذان الجانبان هما المهمة الأساسية للنائب. ونحن عندما نشجع على الانتخاب، إنّما
نحرص على ترشيح الأفضل الذي يستطيع أن يحمي ويستطيع أن يخدم في آن معاً.
* انطلاقاً من الأفضل، ما هي القيم والمواصفات التي تختارون على أساسها المرشحين
لتمثيل المقاومة برلمانياً، أو المرشحين الذين تتحالفون معهم؟
يحرص خطّ المقاومة على أن يكون النائب لديه ملتزماً من الناحية الإيمانية
والثقافيّة والسياسيّة بخط المقاومة، والرؤية التي يحملها هذا الخط. كما يجب أن
يمتلك القدرة في جانبين:
الأول: التعبير عن الموقف والدفاع عنه، سواء كان موقفاً سياسيّاً أو تشريعيّاً في
المجلس النيابي؛ ليحمل الاهتمامات والقضايا المختلفة. الثاني: الحضور بين الناس،
واللقاء بهم، والاستماع إليهم، وزيارة قراهم وبيوتهم، بحيث يتمكن الناس من الوصول
إليه بيُسر وسهولة؛ ليتابع قضاياهم المختلفة.
أمّا في اختيار الحلفاء، فيكفينا في النائب أمران: الأول: أن يكون في اتجاهنا
السياسيّ نفسه، وحاملاً قناعة المقاومة وهموم البلد واستقلاله؛ أي أن يكون في هذا
المحور. الثاني: أن تكون لديه مقبوليّة عند من يمثلهم؛ حتى يكون قادراً على خدمة
هؤلاء الناس.
* لتوضيح الرؤية الانتخابية للمقاومة، ثمّة فكرة شائعة؛ أنّ الناس ينتخبون لائحة
المقاومة كلّها بغض النظر عن المرشحين، ولو كانوا لا يعرفونهم. هل تشعرون بالانزعاج
من هذه النظرة أم تقرأونها كمؤشر على الثقة؟
هي خطوة متقدّمة وعلامة مضيئة أن يتابع الناس خيار المقاومة، ويختاروا من ترشحه،
ولا تُعتبر سلبية. واليوم في العالم كلّه يتحدثون عن أهمية أن يكون النوّاب جزءاً
من حزب وكتلة، وأن يكون لهم إدارة واحدة وتمثيل أوسع؛ والسبب في ذلك أنّ النائب
وحده لا يستطيع أن يُغيّر شيئاً، ولا يُقدِّم إنجازات حقيقية في المجلس النيابيّ،
لكنّ الكتلة ومجموع النواب المنسجمين مع بعضهم بعضاً تحت إطار كتلة واحدة أو حزب
واحد يستطيعون إنجاز الكثير.
فنحن مثلاً، عندما نوزّع نوّابنا على اللجان النيابيّة المختلفة، نستطيع أن نكون في
كلّ اللجان النيابيّة؛ وبالتالي، لا نكون بعيدين عن صياغة القضايا والتأسيس لها قبل
أن تحال إلى الهيئة العامة للتصويت. والكلّ يشهد اليوم أنّ نواب كتلة الوفاء
للمقاومة فاعلون جدّاً في التشريع النيابيّ، ويدرسون ملفاتهم، ويعتمدون على
مختصّين؛ حتى يعطوهم النتائج والدراسات والقناعات.
إذاً، عندما يختار الناس بناءً على اختيار خط المقاومة، هم يختارون المؤسسة
النيابيّة التي ترعاهم. وهذا أمر صحيح بالكامل. ونحن رأينا أنّ النواب الذين يكونون
أفراداً تقتصر خدماتهم على أمور محدودة، بينما النائب من ضمن كتلة نيابيّة يستطيع
أن يقوم بأعمال كبيرة ومؤثّرة في الميادين كلّها.
* قد يُطلق بعضهم على لائحة حزب الله اسم "لائحة التكليف الشرعي". هل هذه التسمية
موضوعيّة منصفة أم هي مُخترعة؟
نحن لم نسمِّ ولا مرّة واحدة لائحتنا "لائحة التكليف الشرعيّ"، ولم نقل للناس إنّكم
مُكلّفون شرعاً، وإنْ لم تصوّتوا فإنّكم مأثومون شرعاً، بل على العكس، قرارنا هو أن
لا نتحدث بلغة "التكليف الشرعيّ" في موضوع الانتخابات. لكن في المقابل، أستطيع أن
أقول إنّ المشاركة في الانتخابات أمر ضروريّ، وهي عربون وفاء ومساندة ونصرة للخطّ
الذي يُعنى بقضايا الناس، ويُقدّم الدماء والشهداء من أجل الدفاع عن الوطن وعن
الخطّ المقاوم. هذا الخطّ الذي يحمل قضايا الناس لا يمكن أن يُترك من دون أدوات
فاعلة ووسائل مناسبة، ومن الوسائل المناسبة أن يكون لديه مجموعة من النوّاب في
المجلس النيابيّ؛ ليستطيع من خلالهم تحقيق بعض الإنجازات في عمله الكبير الذي يقوم
به في الساحة.
لذا، أنا أقول للناس: إنّ الانتخاب مسؤولية، فلكي تقوم المقاومة -التي قبلتم بها
قائداً وحاميّاً، وقبلتم بها مُمثلاً لكم- بخدمتكم، وبرعاية قضاياكم، هي تنتظر
صوتكم الحرّ ليعطيها حقّ تمثيلكم، ودون هذا الصوت لا يمكنها القيام بهذه المسؤولية،
لذلك المقاومة تنتظر من الناس القيام بمسؤولياتهم ومساندتها ومناصرتها، والنزول إلى
صناديق الاقتراع دون تراخٍ، وإعطاء الصوت حيث يكون مناسباً أن يُعطى هذا الصوت.
* بكلامكم هذا تشبّهون الناخب بالمجاهد، ولكن في ساحة أخرى. هل هذا صحيح؟
دعني لا أجري مقارنات، لكن خطّ المقاومة يعمل ضمن منظومة كاملة: في الثقافة
والتربية والجهاد والسياسة والانتخابات، في كل شيء. فالانتخابات جانب من الجوانب
التي نعمل عليها، وإذا حصل خلل في هذا الجانب سيؤدّي إلى إضعاف مجموع ما نقوم به.
نريد أن نُكمّل الصورة، كلٌّ من موقعه ودوره، يقوم بما عليه. وحينما نشجع الناس على
النزول إلى صناديق الاقتراع ليختاروا ممثّليهم؛ فذلك حتى لا تكون النتيجة شيئاً
آخر.
* شاهدنا في الفترة الأخيرة وزيرة محجّبة من حزب حليف لخط المقاومة. متى سيأتي
اليوم الذي سنشاهد فيه المرأة (المقاوِمة) حاضرةً في مجلس النوّاب أو الوزراء؟
لا يمنع الإسلام حضور المرأة في المجال السياسيّ، ونحن لا نعيش عُقدة أن تكون
المرأة وزيرة أو نائباً، وهذا ليس هدفاً نضعه أمامنا لنصل إليه في يوم من الأيام.
نعم، توجد وظيفة اسمها الوزارة، هذه الوظيفة قد يؤدّيها رجل وقد تؤدّيها امرأة.
حالياً في مسارنا نُقدّر أن تأدية هذه الوظيفة عن طريق تناوب بعض الإخوة قد حقّق
لنا ما نريد، وقد تمّت تأدية الوظيفة. نعم، عندما يقف النجاح وتحقيق الهدف على وجود
المرأة ولا يتحقّق بوجود الرجل ستكون المرأة وزيرة لدينا، وعندما تكون الفائدة
متحققة بالرجل لا بالمرأة، سيكون الرجل هو الوزير لدينا؛ فلدينا قناعة بأنه ما دامت
إمكانات هذا الحقل متوفرة عند بعض الإخوة، ستؤدّى المهمة بهذا البعض، في حين أنّنا
نحتاج إلى المرأة (المقاوِمة) في مجالات كثيرة وليس لمجرد التمثيل الصوري، وهي تقوم
بدور فاعل فيها، فلماذا نحرمها من الأدوار التي لا بديل عنها فيها، وهي تنجح فيها
وتحلّق، لنأخذها إلى أماكن قد لا نكون بحاجة إليها إلّا بالصورة؟
للأسف، اليوم هناك شيء اسمه "منافسة الصورة"، والحديث عمّن وضع امرأة هنا، ومن لم
يضع امرأة هناك. نحن كمقاومة لا نعيش عقدة الصورة، بل نهتم بالإنجاز النوعي وبالعمل
وبالخدمة.
* بعد هذه السنوات الطويلة من العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، كيف تقيّمون
هذه التجربة؟ وهل استطعتم تحقيق جزء من رسالة المقاومة من خلال تلك المشاركة؟
تستطيع أن تسأل كل القوى السياسية والاجتماعية في لبنان عن تجربة المقاومة في
الانتخابات النيابيّة، فسيقولون بلغة واحدة وبكلمة واحدة: إنّها من أنجح الكتل
النيابيّة التي تدرس جميع ملفّاتها، وتحقّق إنجازات من خلال المشاريع واقتراحات
القوانين في المجلس النيابي، وهذه بصمة للمقاومة في المجلس النيابيّ، ولكلمتها أثر.
وهذا كلّه في خدمة الناس وفي تقويم القوانين، ولو لم نكن في المجلس النيابيّ لكنّا
تكبدنا خسائر كبيرة، ولخسر المجتمع اللبنانيّ خسائر كبيرة جدّاً.
لقد أدركنا بعد هذه التجربة كم هو مهمّ أن نكون داخل المجلس النيابي؛ لأنّ بعض
المشاريع أو القوانين -وأعتذر إذا قلت القوانين المنحرفة- كان يمكن أن يمرّ لولا
اعتراض نوّاب كتلة الوفاء عليه. وأيضاً تأدية الخدمات للناس، فمناطقنا كانت تُحرم
في بعض الأحيان من الخدمات المختلفة: الماء، الكهرباء، الهاتف، الطرقات، الأشغال،
فكان وجود نوّابنا عاملاً أساسيّاً في إقرار موازنات مالية، وخطط عمل لهذه المناطق.
إذاً، هذه التجربة مهمّة، وأعتقد أنّكم تسمعون عن مواجهة خطّ المقاومة لبعض قضايا
الفساد في الدولة، وكيف أنّ هذه الحركة أثّرت في إيقاف بعض الفاسدين وأعمال الفساد،
وعلى الأقلّ قسم منها سبّب توعية ليمنع بعضاً آخر من الغرق في المحسوبيّات وفي
الفساد المستشري في داخل البلد.
* سماحة الشيخ، بُعيد كلّ انتخابات، نلحظ نوعاً من عدم رضى الناس، لسبب أو لآخر. ما
هي نصيحتكم في هذا المجال؟
لا يمكن لأيّ جهة في الدنيا وعلى امتداد الزمن أن تقوم بعمل يرضى عنه جميع الناس.
سيبقى هناك اعتراض ما، وتأييد في أمر آخر. هذه المشكلة موجودة. لكن عندما نقيّم مثل
هذه الأمور لنميّز الحقّ من الباطل فيها، علينا أن نرى ما هو الجو الغالب. في كلام
لأمير المؤمنين عليه السلام عندما ولّى مالك الأشتر مصر، قال له: "وإنّما
يُستدَلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحبَّ الذخائر
إليك ذخيرة العمل الصالح"(1). وعليه، إذا رضي أغلب الناس عن هذا الخيار، فهذا
يعني أنّ العمل صحيح بالإجمال؛ أما إذا تبيّن أن أغلب الناس لا يرضون عن هذا العمل،
يجب أن نقوم بإجراء مراجعة، وهذا يعني أننا أخطأنا في مكانٍ ما، وعلينا أن نصحّح.
إذاً، عند الانتخابات، وعند اختيار الأفراد، وبعد الانتخابات، دائماً ستجد من يرضى
ومن لا يرضى، المهم أن نُحسن تطبيق القواعد التي وضعناها، وتغليب المصلحة الأعم
والأنفع للناس. ونسأل الله تعالى أن يسددنا لنعمل بشكل صحيح.
1.نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ عليه السلام.